بقلم :محمد ثروت منذ 1 ساعة 24 دقيقة كانت المرة الأولى التي أسمع فيها عن الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل في انتخابات مجلس الشعب عام 2005، كان وقتها مرشحا في دائرة الدقي ضد الوزيرة السابقة آمال عثمان، اكتسح أبو إسماعيل الانتخابات ودخلت آمال البرلمان، لأن النظام السابق "كان عاوز كده". اختفى أبو إسماعيل عن الساحة "سياسيا"، وظهر "دينيا" على شاشة قناة "الناس" الفضائية من خلال درس أسبوعي كان يذاع على ما أتذكر يوم السبت، وعاد إلى الساحة السياسية مرة أخرى في مرحلة الثورة بوصفه مرشحا رئاسيا محتملا. عن نفسي، إذا سمعت الشيخ أبو إسماعيل يتحدث في الأمور الدينية فله كل الاحترام والتقدير، لم أعهد الرجل يحلّ حراما أو يحرم حلالا، وكان دائما يتحدث في الأمور الدينية بمنتهى الوضوح من خلال الاستدلال بآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يعني بالبلدي رجل دين من الطراز الأول، بارك الله فيه وفي جميع مشايخ الأمة. أما وقد تحول الشيخ أبو إسماعيل إلى السياسة، فإنه لا يقول قرآنا يتلى أو أحاديث نبوية من صحيح البخاري لا ينبغي التشكيك فيها، ويمكن أن تتفق أو تختلف معه، والاختلاف لا يفسد للود قضية. أول الأمور الخلافية التي صدرت من الشيخ أبو إسماعيل هو بيانه الخاص الذي خرج تحت عنوان "كلنا أسماء محفوظ"، والذي انتقد فيه إحالة الناشطة السياسية إلى المحاكمة العسكرية. كان من الممكن أن يقول الشيخ أبو إسماعيل إنه يرفض المحاكمات العسكرية بحق المدنيين، ولكن أن يقول بصيغة الجمع "كلنا أسماء محفوظ"، فهو أمر مردود عليه، وأنا عن نفسي لا أقبل أن أكون أسماء محفوظ ولا وائل غنيم ولا محمد عادل ولا أحمد ماهر ولا أي من هؤلاء. قبل الثورة بشهور استمعت لجزء من درس للشيخ أبو إسماعيل على قناة الناس، قال الرجل ما معناه إن الغرب يروّج للعرب والمسلمين أبطالا ليسوا بأبطال ونماذج برّاقة لا تصلح لنا، وضرب مثالا على ذلك بجائزة عالمية حصل عليها أديب مصري عن رواية قال عنها الشيخ إنها لا تمت للأدب الراقي بصلة. طبعا الأديب هو نجيب محفوظ والرواية هي "أولاد حارتنا" والجائزة هي "نوبل للسلام"، وللحق فإن الشيخ أبو إسماعيل لم يذكر الأسماء، ولكن لا يوجد مثال آخر ينطبق عليه ما قاله الشيخ إلا في حالة نوبل نجيب محفوظ. على قياس الشيخ أبو إسماعيل، لماذا يتم ترشيح وائل غنيم وإسراء عبد الفتاح لجائزة نوبل؟؟، ولماذا يتم ترشيح أسماء محفوظ لجائزة حرية الفكر التي يمنحها البرلمان الأوروبي وهي نفس الجائزة التي رشح لها منذ سنوات السياسي الهولندي اليميني المتطرف "جيرت فلدرز" الذي لا يتوقف لسانه عن سب الإسلام والمسلمين؟؟. لماذا يجتمع أبو إسماعيل مع حركة 6 إبريل وقد اعترفوا بتلقي تدريبات على يد منظمة صربية تتلقى تمويلها من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سي آي إيه، وهذا كلام "وليام انجدال" الخبير في السياسة الأمريكية السرية؟. هل الصرب، الذين ارتكبوا مذابح تشبه ما فعله التتار بحق المسلمين، يريدون أن تصبح مصر دولة إسلامية قوية؟، هل تريد الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي موّلت جماعات ومنظمات المجتمع المدني منذ عام 2005، وجعلت منهم طابورا خامسا بمباركة النظام البائد، أن تكون مصر مستقلة وذات مكانة عليا؟. لست من مؤيدي المجلس الأعلى للقوات المسلحة "على طول الخط"، وأعلم أن هذا المجلس له ما له وعليه ما عليه، وهم ليسوا ملائكة، ويمكن أن يكون بعضهم "ذئاب وثعالب" كما قالها الشيخ أبو إسماعيل منذ شهور، ولكن إذا كان المجلس "آخره غدا"، كما قال الشيخ ، فكيف ستكون تلك النهاية؟، وما الذي سيحدث بعد غد، هل سيكون السيناريو على الطريقة الليبية أم السورية أم اليمنية؟، وإذا سقط المجلس العسكري فما هو البديل؟، هل هو مجلس عسكري جديد نسقطه هو الآخر لو لم ينفذ الرغبات التي لا نهاية لها؟، هل هو الفراغ كي نعيش في غابة حقيقية؟، أم سيكون البديل هو مجلس رئاسي مدني يضم السادة الأفاضل مرشحو الرئاسة المحتملين الذين يعقدون اجتماعات دورية مثل التي شهدها مكتب وائل غنيم؟. وإذا كان المجلس العسكري يريد البقاء في السلطة، وهو احتمال غير مستبعد، فمن الذي منحه تلك الفرصة على طبق من ذهب؟، المجلس قالها بوضوح منذ البداية، الفترة الانتقالية 6 شهور يتم خلالها إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية، هناك من صرخ وقتها وقال لا، هذه المدة لا تكفي، "مش جاهزين للانتخابات"، "عاوزين وقت علشان نجهز وننزل الشارع". هؤلاء هم الذين أغرقوا البلاد في جدل "بيزنطي" حول الدستور أولا والمبادئ فوق الدستورية، والمجلس الرئاسي المدني، وكان شغلهم الشاغل محاكمة رموز النظام السابق والتركيز على الماضي دون النظر إلى المستقبل، وهم الآن يطالبون بخطة طريق بعد أن ضلّوا الطريق. فضيلة الشيخ أبو إسماعيل، لديك كل الحق في انتقاد المجلس العسكري وقراراته، ولكني لا أرى داعيا للتحريض والتهديد والوعيد، اجتمع الفريق عنان بممثلي الأحزاب ووافق على بعض مطالب القوى السياسية بعد "ألفية" استرداد الثورة، ولو لم يجتمع بهم لكان الهجوم بأن المجلس "مطنش"، و"مش سامع الناس" و"راكب دماغه". أرجو أن تعلم أن المجلس العسكري أو أي رئيس قادم لن ينجح في إرضاء جميع الأطراف وأظنك تعلم ذلك جيدا، أرجو ولو للحظة واحدة أن تضع نفسك أمام هذا الكم من الاعتصامات والاضرابات والضغوط الداخلية والمؤامرات الخارجية، ضع نفسك أمام بلد مفتوحة أمام كل من "هب ودب"، ضع نفسك أمام إعلام حكومي أو مستقل يشوّه الحقائق، ضع نفسك أمام حقائق منقوصة، ضع نفسك أمام 60 حزب وحركة سياسية وأكثر من 100 ائتلاف، ضع نفسك أمام دولة يتمناها كثيرون مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن، وأخيرا ضع نفسك أمام بوادر فتنة طائفية بدأت تنطلق من صعيد مصر. فضيلة الشيخ، أهلا بك مرشحا رئاسيا ببرنامج واضح يخاطب عقول المصريين ويضعهم على أرض الواقع، أهلا بك رئيسا إذا اختارك الشعب، وأهلا بك دائما بوصفك رجل دين يبتغي من علمه وجه الله تعالى.