واحدة من المهن القديمة التي عفا عليها الزمن... اندثرت مع مرور الوقت والأزمنة، حتى باتت غير موجودة، سوى في دكان صغير كائن بمطنقة الدرب الأحمر، تخصص في صناعة وتركيب "حدوة" الخيول، التي كانت تعتمد عليها وسائل النقل قديمًا، لاسيما في شوارع محمد علي ومصر القديمة. دكان "البيطار".. هو أحد العلامات الباقية من تلك المهنة، التي لازالت محتفظة بظاهرها فقط، ومليئة بالخبايا في باطنها. يجلس صاحب الدكان أمامه دون عمل.. يحيطه الحديد والمسامير من كل جانب، وهي مغطاة الأتربة بسبب قلة الاستخدام، ينتظر مع طلوع كل شمس جديدة أن يأتيه زبون، ويطلب منه تركيب "حدوة" جديدة لحصانه كما كان يحدث قديمًا، قبل اندثار مهنته بلا رجعة. الحاج محمود البيطار، صاحب محل لصناعة وتركيب حدوة الخيول، ومعالجة حوافرها، حيث يستقبل في دكانه الصغير الذي لا تتعدى مساحته مترين، الخيل والحمير والدواب الأخرى، التي تحتاج، تركيب حدوة بها، أو تقليم حوافرها، ومعالجة ما يصيبها بسبب السير لمسافة طويلة. تحدث "محمود" عن مهنته وتفاصيله وأسباب اندثارها في ذلك الوقت، قائلًا أن المهنة قديمًا كانت تجلب رزق كثير؛ لأن الناس وقتها كانوا يعتمدون على عربات "الكرو" والنقل الصغيرة، ويستخدمون فيها الأحصنة والحمير، أما الأن اندثرت المهنة نهائيًا بسبب الاعتماد على وجود السيارات ذات الماركات العالمية. "أحنا قاعدين هنا بس للذكرى، شغلتنا زمانها انتهى خلاص".. هكذا تابع "محمود"، معبرًا عن انتهاء زمن مهنته، وأنها لم تعد صالحة للاعتماد على عائدها المادي في ظل ارتفاع الأسعار، مؤكدًا أنه قديمًا كان يبيع "الحدوة" الواحدة ب30 قرش، وكان يأتي له أكثر من " 6 حمير" في اليوم الواحد، أما الأن لا يبيع منها إلا نادرًا بمعدل كل شهر مرة واحدة، وأوقات تطول المدة عن ذلك. ويضيف، أن المهنة أصبحت شيء من التراث، رغم أنه عمل بها أكثر من 25 عامًا، بعدما ورثها عن والده، والتي كان يعتمد عليها فقط في تربية أولاده، إلى جانب أن دكانه الموجود بالقرب من منطقة "الغورية" تعدى عمره أكثر من 40 عامًا، ولازال يعتمد عليها. وعن تفاصيل المهنة، أكد "البيطار" أنه يجلب المواد الخام سواء الحديد أو غيره، من مناطق سمنود والرمل وأسوان وميت غمرة، موضحًا أنه قديمًا كانت هناك ورش تقوم بتصنيع الحديد بنفسها، ويستخدمونه كمواد خام، أما الأن تقاعست الورش عن إنتاج الحديد بسببب اندثار المهنة، وعدم وجود إقبال عليها، كذلك المسامير التي كانت يستوردها من بلاد الغرب بسبب الإقبال الكثيف على المهنة، أصبح يعتمد على المناطق القريبة لجلبها. ويوضح أنه يقوم بتركيب الحدوة في قدم الحصان فقط ولا يصنعها، وفي البداية يأخذ مقاسات قدم الحصان، ثم يركب له الحدوة التي تناسبه عن طريق المسامير، مشيرًا إلى أن "التسمير" يجب أن يتم بحرفية، أي تُوضع "الحدوة" جانب الحافر، ولكن بعيدة عن ما يسمى "اللحمية أو الظافر الحي". وتذكر الحاج "محمود" مواقف مضحكة حدثت له قديمًا وقت رواج المهنة، حين كان يقوم بتركيب "الحدوة" للخيول، فتارة يعضه أو يرفسه إحداهم، وتارة أخرى يقع عليه، أو يقوم بإمساكه من ياقة قميصه ليعلقه في الهواء، موضحًا أنه يستخدم أدوات حديدية لإبعاده، وأن تلك المواقف ذهب وقتها مع اندثار المهنة. ويتابع: "المهنة دي مبقتش تفتح بيت، وعشان كدة أنا مش كل الأسبوع بشتغل أوقات بقعد في البيت، أو أجي أفتح المحل كدة من غير شغل، وعمري ما علّمتها لأولادي؛ لأنهم متعليمن كويس وفي مدارس، وللأسف سني كبر، ومش هقدر أدور على شغلانة تانية لأنها عايزة شاب وهمة".