فى محل لا يتجاوز مترين فى مترين، يجلس عبدالفتاح عبدالرازق الشهير ب«عم عبده» منذ 40 عاماً، وسط الأدوات التى يستخدمها فى عمله وهى قطع الحديد والشواكيش والمسامير، ليمارس مهنة «البيطار» التى اندثرت فى كل مكان لكنها لم تندثر فى محله الصغير الذى يقع فى منطقة «الخانكة» فى القليوبية. منذ الصباح الباكر يجلس «عم عبده» أمام المحل فى انتظار حصان أو حمار ليقلم حوافره ويركب له حدوة، وهو العمل الذى جعل الصبر جزءاً من سماته. ذكريات 40 عاماً رواها «عم عبده» متذكراً والده الذى شجعه على العمل معه فى هذه المهنة: زمان كان فى كل بيت حصان أو حمار خصوصاً فى الريف، لأنه كان بيساعد أصحاب الأرض على نقل الحشيش والعلف وغيرها، ولما كان الشغل كتير على أبويا قالى تعالى اشتغل معايا، كان عمرى وقتها 10 سنين». ورغم تغير الزمن فإن «عم عبده» لم يغير مهنته لأنها ساعدته على تربية أبنائه الأربعة: «دلوقتى مفيش حد بيجيب حمار عشان ينقل حاجة، كله بيجيب عربية نص نقل، بس أنا ماعرفتش أغير المهنة دى ولسه شايل جميلها على راسى، ربيت منها 4 أولاد أخدوا شهادات عالية». تتكلف حدوة الحصان 25 جنيهاً والحمار 20 جنيها، وتنشط هذه المهنة فى مواسم الجوافة والتين الشوكى حيث يستخدم الباعة عربات الكارو لبيع محاصيلهم عليها، وطول المسافة التى تسيرها الحيوانات تجعل الحدوة تتآكل وتصدأ ولابد من تغييرها». ويعتبر «عم عبده» مهنة «البيطار» من أخطر المهن الموجودة ويتذكر: «فى إحدى المرات كنت بركب حدوة لحصان وفجأة رفسنى.. كنت هموت فيها.. عشان كده البيطار لازم يكون حذر وثاقب النظر ويتأنى فى تركيب الحدوة اللى بتتركب على الحوافر الأربعة للحصان وتتثبت بمسامير نستوردها من الخارج.. من الصين والهند، ويختلف قياس الحدوة باختلاف حوافر الخيل». يحكى «عم عبده» قصة تسمية هذه المهنة ب«البيطار»، فهى ترجع إلى أيام غزوات الرسول (ص)، كانت تقف الخيول فى الرمال لا تستطيع التحرك، فبعث الله سبحانه وتعالى وحياً رسم لهم شكل الحدوة وصنعوها، من وقتها طار الخيل لذلك سميت مهنة تصنيع الحدوة ب«البيطار».