كانت السيرة الشعبية والذاتية حتى سنوات قليلة ماضية، أحد المصادر المهمة التى تعتمد عليها الدراما فى عالمنا العربى، فى تشكيل وتكوين الشخصية المصرية، خصوصًا فى مصر، ومع زيادة توغل أشكال متعددة من الدراما، سواء التركية أو السورية واللبنانية، مثيلتها المصرية، أخذت منعطفاً آخر باعتمادها على الخلطة نفسها لتلك المسلسلات التى انتشرت فى كل أرجاء الوطن العربى، لذلك أصبح هناك تراجع كبير للسيرة الشعبية والذاتية التى أساهمت بعرضها فى الكشف عن قيم علمية وفنية وأدبية مثال للشخصية المصرية. فى الوقت نفسه، واصل الغرب استلهام الكثير من أعماله للسيرة الشعبية فاعتمد على بعض حكايات مثل «ألف ليلة وليلة» و«كليلة ودمنة» و«حى بن يقظان» و«أنطونيو وكليوباترا» و«إيزيس وأوزوريس»، هذا الأمر جعلنا نطرح السؤال على بعض كبار الكتاب الذين استلهموا الكثير من أعمالهم من السيرة الشعبية. قال الكاتب يسرى الجندى إن المشكلة الحالية فى استلهام الشخصية المصرية من التراث الشعبى السيرة الذاتية والاستعانة به هى أن كل نظام يحكم يريد حماية نفسه على طريقته، فقام نظام «عبدالناصر» على الدولة البوليسية والسادات أطلق التيار اليسارى على اليمينى حتى انقلب عليه، وفى عصر مبارك كان يوجد فكر لطمس الثقافة الوطنية وكل ما هو عربى، على عكس ما كان يحدث فى الماضى، حيث كان يوجد اهتمام بربط جذور الثقافة المصرية، فقدمت أعمالاً كبيرة مهمة فى المسرح من السيرة الشعبية مثل «السيرة الهلالية» و«عنترة» و«على الزيبق»، وأعمالاً من التراث الفرعونى، وعندما دعيت للكتابة فى التلفزيون أرادت إحياء هذا اللون فى الدراما المصرية التى لم يكن بها إلا «ألف ليلة وليلة»، فأقبلت على هذا النوع بقوة لأننى وجدت أنه مصدر قوى للقضايا الوطنية فقدمت للتلفزيون «المغنواتى» و«ياسين وبهية» و«السيرة الهلالية» وفى الإذاعة قدمت «عنترة»، والسينما «سعد اليتيم» و«المغنواتى». وأضاف: بعد موت عبدالناصر حدث تشويه وطمس لكل المصادر الوطنية والثقافية، وعلى رغم اتهامه بالقمع الذى أدى إلى هروب عدد كبير من الكتاب إلى التراث الشعبى، إلا أننا كنا نكتب للتأكيد على الهوية العربية، والآن الأزمة أصبحت فى الدراما ككل وهذا ما أدى إلى عزوف عن الأعمال التاريخية والتراثية. وآخر ما قدمت بالتلفزيون المصرى هو «جحا المصرى» ومن بعدها لم تقدم أى أعمال تراثية أخرى، وذلك يعود إلى مشكلة الإنتاج فى مصر، وليس له علاقة بالأزمة التى تمر بها البلد، حيث بدأت عملية طمس للانتماء الوطنى والثقافة القومية، والترويج لكل ما هو مسطح ومتواضع القيمة، خصوصًا فى آخر 3 عقود، وأى عمل جاد كان يثير الاضطراب، وأتذكر أنه عندما قدمت «جحا المصرى» للتلفزيون وحدثت اضطرابات مع الإدارة تدخل وزير الإعلام حينها صفوت الشريف، حيث وافق على عرض العمل، ولكن فى توقيت ميت أثناء صلاة التراويح. وواصل حديثه قائلاً: أيضاً مسلسل «ناصر»، تدخل أسامة الشيخ وجعل عرضه على قناة نايل دراما 2 بأوامر من النظام الذى كان يعمل على استبعاد كل ما هو له علاقة بالثقافة الوطنية وإعلاء قيمة الشخصية المصرية فى الدراما. أما الكاتب أبوالعلا السلامونى فقال: لا يوجد ابتعاد عن السيرة الشعبية أو الذاتية التى تدعم الشخصية على الشاشة، ولكن الأمر عبارة عن موجات تظهر وتختفى، وليست خاضعة لتخطيط معين، والأحداث العالمية يجب أن تظل داخل بؤرة اهتمام الأعمال المصرية، حتى لا ننعزل عما يحدث حولنا، فالثقافة فى شكلها العادى متنوعة، ولا يوجد مشكلة أن نأخذ من التراث الإغريقى أو العالمى أو السيرة الذاتية لشخصيات مؤثرة فى مجتمعاتنا تدعم أواصر الانتماء والقدوة. وأضاف: لا نريد التعسف مع المخرجين أو المؤلفين، فسيرة مثل «عنترة» و«الهلالية» و«على الزيبق» تم تقديمها فى أعمال درامية عدة، فلا يوجد مانع من تناول الشكسبيريات أو الإغريقى، لأننا ندعو إلى التعددية، والدليل على تمسكنا بأدبنا العربى أنه عندما رأينا خطة الثقافة الجماهيرية الأعوام الماضية وجدنا أن أكثر من 75٪ من الخطة المطروحة أعمال عربية ومصرية والأعمال الأجنبية لا تزيد على 25٪. بينما قال المخرج عبدالرحمن الشافعى: السيرة الشعبية والذاتية مليئة بالوقائع الدرامية والأحداث المهمة جداً، ولكننا أهملناها ولم نتناولها بحجة أن الذاكرة العربية لم تعرف الدراما ومن هنا لم نقترب من التعامل مع موروثنا الشعبى فى أعمال سينمائية أو تلفزيونية، إلا فى حالات نادرة مثل التى قدمها يسرى الجندى وأبوالعلا السلامونى وشوقى عبدالحكيم وفاروق خورشيد الذين اقتربوا من السيرة الشعبية، ولكن القضية كلها أن التعامل مع الموروث الشعبى شديد الصعوبة ويحتاج، معرفة كبيرة بالتراث بمراحله كافة وكيفية قصها من الراوى. وأضاف: انحراف الدراما عن اتجاه المشهيات السينمائية بكل مفرداتها جعلها تفقد صلاحيتها مع المشاهد وضياع ملامح الشخصية على الشاشة، لذلك صناع الأعمال الفنية يذهبون إلى الأعمال السهلة المكتوبة، من الأدب العالمى ويقدمونه ولا يقتربون من الأعمال التراثية، ولمحاربة ذلك يجب وجود مشروع ثقافى. وأكد الكاتب محفوظ عبدالرحمن أنه عندما نرصد الفترات الماضية سنجد عدداً كبيراً من الأعمال الفنية التى لجأت إلى التراث والموروث الشعبى والسيرة الذاتية، وقال: الفترة الأخيرة أقسم أنى لا أفهمها ولا أعرف من هؤلاء الكتاب وأفاجأ بأنه يوجد أكثر من شخص يكتبون عملاً واحداً، وهو ما يتنافى مع أساسيات الكتابة، بوجود الرؤية التى يقدمها للعمل. وأحد أسباب ابتعاد الفنانين عن ذلك هو الجهل بالتراث العربى والشعبى، وأتحدى وجود مؤلفين قرأوا سيرة عنترة، التى عندما قدمتها وجدت صعوبة شديدة فى فهمها، وإذا قمنا بمقارنة «روميو وجولييت» بقصة مثل «الزير سالم» سنجد فرقاً كبيراً فى الإبداع بغض النظر عن قدرات شكسبير المسرحية، ولكن المعانى الإنسانية فإن موروثنا الشعبى أكثر عمقاً وجاذبية من أى عمل عالمى آخر، وتطرح أفكاراً عصرية جداً حتى الآن. وأشار إلى أنه يوجد استسهال من الكتّاب فى عرض أعمال أثبتت نجاحها مرات سابقة، على رغم وجودها قديماً عندما كان التلفزيون هو من يدير الأعمال الدرامية، فكان ينتج أعمالاً ذات قيمة ورائدة فى الوطن العربى، أسهمت فى بقائها فى الوجدان وعبّرت عن الشخصية المصرية الحقيقية فى معناها الإنسانى والأدبى.