بقلم : د. حسين زهدي الشافعي منذ 23 دقيقة 45 ثانية ظاهرة انتشرت مؤخراً في الأحياء والميادين بمحافظات الجمهورية فظاهرة الهائمين علي وجوههم أي المرضي النفسيين، والتي لوحظ في الفترة الأخيرة وجود هؤلاء في أماكن عامة في الشوارع ووسائل المواصلات الأمر الذي جعل البعض يتساءل حول الأسباب التي أدت لوجودهم دون رعاية وتعرضهم للخطر في أي وقت دون أن يشعر بهم أحد، وإذا كانت الأسباب حول ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض النفسية في مصر بسبب الضغوط الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع الأساسية وفشل الآلاف من الأسر في تدبير احتياجاتها الأمر الذي يعني فشل الدولة في توفير حياة اجتماعية كريمة لهؤلاء فهم من حقهم علي الأقل رعاية صحية توفر لهم مكاناً آمناً للنوم بدلا ًمن النوم علي الأرصفة وفي محطات القطارات والأتوبيسات، فالأمر لن يحتاج سوي سرير لكل مريض وطبيب لكل مجموعة مرضي من حقهم أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة وسط أناس مهتمين بهم بدلاً من الموت في الشوارع بجوار كائنات أخري. من المعروف أنه لا توجد كلمة اسمها «جنون» في تصنيف الأمراض النفسية، ولكنها قد تكون كلمة شرطية أو قانونية تعني ذهاب العقل إلا أن الأطباء النفسيين لا يفضلون استخدام هذا المصطلح، وتشير الإحصائيات إلي أن نسبة مصر من الأمراض النفسية هي نفس النسب العالمية وإن اختلفت صورة الأعراض فالمرض النفسي مرض شائع يصيب علي الأقل 20٪ من السكان في جميع مناطق العالم، لكن قطاع الصحة النفسية مهمل من قبل الدولة، لا يوجد تعاون إطلاقاً بين المستشفيات النفسية في مصر والمستشفيات المثيلة في الدول العربية والأجنبية، وبالرغم من وجود مستشفي نفسي في كل محافظة، لكن عدد المستشفيات النفسية غير كاف لاحتواء كل حالات المرضي النفسيين، بالإضافة إلي استمرار المريض بالمستشفي فترة طويلة وتجاهل الأهل له يؤخر استقرار حالته. وتتمركز هذه المستشفيات بوجه عام في المدن الكبري والمناطق الحضرية، ويبلغ عدد المستشفيات المخصصة للصحة النفسية في مصر 15 مستشفي موزعاً علي عدد من المحافظات. وتبلغ طاقتها التشغيلية الإجمالية حوالي 6000 سرير، وتبلغ نسبة الأشغال في المستشفيات التابعة للأمانة العامة للصحة النفسية حوالي 80٪ في حدود 25 ألف مريض علي مدار العام، بالإضافة إلي هذه المستشفيات الحكومية المتخصصة توجد أقسام للطب النفسي في تسع من كليات الطب بالجامعات المختلفة وبها حوالي 200 سرير. أما المستشفيات الخاصة فلا تتجاوز طاقتها الإجمالية 700 سرير وهو ما يشير إلي أن وزارة الصحة تعد المقدم الأول والأساسي لخدمات الصحة النفسية في مصر، حيث إننا نعلم الكثير من غير القادرين علي العلاج بالمستشفيات الخاصة الباهظة التكاليف، حيث إن المريض يحتاج إلي فترة ليست بالقصيرة للإقامة بالمستشفي ثم المتابعة الدورية المنتظمة بعد الخروج من المستشفي.. ثم إن مريض الأقسام الداخلية لكليات الطب يكون دخوله أساساً لأغراض تدريبية للطلبة وصغار الأطباء ولا يمكث طويلاً وبالتالي لن تحل مشكلته. ويبلغ عدد العيادات الخارجية للصحة النفسية في مصر حوالي 60 عيادة خصصت عيادتان فقط لخدمة الأطفال والمراهقين. أما فيما يخص القائمين علي تقديم خدمات الصحة النفسية فيبلغ عدد الأطباء النفسيين في مصر المحروسة 600 طبيب فقط يعمل غالبيتهم في القاهرة والإسكندرية والمدن الكبري ويعاونهم حوالي 1500 ممرض، 230 إخصائياً نفسياً لعمل الاختبارات النفسية وحوالي 60 اخصائياً اجتماعياً لعمل البحوث الاجتماعية للمرضي، نخلص من هذا أن المرضي النفسيين لدينا يحتاجون إلي المزيد من الرعاية والاهتمام والنظر إليهم بعين الاعتبار وتكريمهم في أخص خصائص الإنسان «النفس والعقل» وكليهما، يصوغان كيان الإنسان الذي كرم الله آدميته. -------------------------- د. حسين زهدي الشافعي استشاري الطب النفسي