ملايين المركبات تقف يومياً في طوابير عريضة بشوارع المحروسة، تنتظر كل منها أن يفتح الطريق ليقلعوا جميعاً واحدة تلو الأخري في منظر ممل وانتظار يجعل اي فرد ينفد صبره بسهولة، هذا المنظر العبثي والفوضوي يعكس بشكل كبير مشكلة المرور التي ظلت تعاني منها مصر لعقود طويلة، ورغم التصريحات الوردية لمسئولين سابقين وحاليين بحل الأزمة إلا أن تصريحاتهم بقيت مجرد وعود لم يتحقق منها شيء علي أرض الواقع، ومع حلول عام 2016 وبداية سنة جديدة. يرى الخبراء أن حل الأزمة ممكن في العام الجديد اذا ما تم وضع جدول زمني لعلاج مشاكل المرور وشبكة الطرق حتى تكون الاشارة خضراء دائما ولا تتوقف عند اللون الأصفر. الباحثون في هندسة الطرق والنقل أرجعوا الأزمة إلى مجموعة من الأسباب الهندسية المتعلقة بشبكة الطرق وقدرتها علي استيعاب حجم المركبات التي تمر عليها يومياً، وبأماكن انتظار السيارات ومدي سلامتها وكفاءتها، واخيراً مدي توافر شروط الأمن والحماية لها, مشيرين إلى أن هناك أسباباً سلوكية تتعلق بأخطاء مستعملي الطرق العامة الذين يخالفون قواعد وآداب المرور، كما يعتبرون السبب الرئيسي في نشر المظاهر العبثية في الشوارع، فضلاً عن زيادة عدد المركبات بشكل كبير في الفترة الأخيرة، حيث وصل عدد المركبات المرخصة في نهاية يونيو الحالي 7.51 مليون مركبة. وفي المقابل أكد الخبراء أن شبكة الطرق الجديدة التي يتم تنفيذها في طول مصر وعرضها ستساعد بشكل كبير في حل أزمة المرور، وقال اللواء «يسري الروبي» خبير المرور الدولي والانقاذ والتدخل السريع في الحوادث في منطقة الشرق الأوسط: إن هناك العديد من الحلول لحل أزمة المرور منها الاهتمام بالتعليم – ومواجهة الاسباب الهندسية لمشكلة المرور ومنها العمل علي جعل الطرق قادرة علي استيعاب المركبات التي تسير عليها - ادخال تعديلات علي شبكة الطرق وانشاء طرق جديدة تعزز الشبكة القائمة، تحقيق الاستغلال الامثل لشبكات الطرق حتي يمكن الوصول إلي سعتها العملية مطابقة لسعتها التخطيطية، والتحقق من سلامة المركبات وتوافر شروط الامن بها وذلك عن طريق التفتيش المستمر عليها وفحصها. وأضاف: يجب تعديل قانون المرور ووضع عقوبات رادعة للمخالفين، والاستفادة من التقنيات الحديثة والتكنولوجية المتطورة لحل الازمة، ومساواة الجميع امام القانون في حال مخالفة القواعد التي ينص عليها قانون المرور, مع تخصيص قدر معقول من الموازنة العامة لحل الأزمة، والتوعية السلوكية للأفراد لكي يحرصوا علي عدم القيام بأي سلوكيات من شأنها تلوث البيئة وتضر صحة الملايين من الافراد، كما تتسبب في أزمة مرورية. وأكد «الروبي» علي 4 عناصر لابد من توافرها لحل الأزمة وهي: وجود ارادة سياسية لحل المشكلة والاستعانة بالخبراء والكوادر المؤهلة لحل الأزمة وتشريع قوانين رادعة لتنظيم المرور ومعاقبة المخالفين، مع وجود ارادة تنفيذية قادرة علي تنفيذ هذه الحلول. واشار الروبي إلي ضرورة وجود مدارس لتعليم السائقين القيادة السليمة ومراعاة القواعد المرورية والالتزام بآداب المرور، لافتاً إلى ضرورة تأهيل العاملين بإدارة المرور وتدريبهم علي استخدام التقنيات الحديثة لمواكبة العصر ولحل الأزمة. تطبيق القانون ومن جانبه، قال اللواء مجدي الشاهد خبير المرور: إن حل المشكلة يتلخص في اربع نقاط رئيسية لمواجهة الازمة أولها تحديد الجهة المسئولة عن المرور في مصر، فهناك حالة من الضبابية فيما يتعلق بالجهات فكل جهة تلقي بالمسئولية علي الأخري فالمرور تلقي بمسئولياتها للمحليات والمحليات إلي الطرق والطرق إلي المالية والمالية إلي التعليم لذلك أول طرق الحل هو تحديد الجهة المسئولة وهي المجلس الاعلي للمرور الذي تم انشاؤه بموجب قرار جمهوري عام 1982 ونص عليه في قانون المرور في المادة (82)، مؤكداً ضرورة تفعيل دور المجلس ليضع استراتيجية لمواجهة حوادث الطرق وللنهوض بمرفق المرور. وأشار «الشاهد» إلي أن المجلس لم ينعقد منذ تاريخ انشائه اي منذ أكثر من 33 عاماً إلي الآن، رغم الازمات التي تعاني منها مصر، مما جعل إدارات المرور المختلفة لا تعمل وفقاً لخطة واضحة، حيث أصبحت كل إدارة تعمل وفقاً لوجهة نظرها، وليس هناك خطة واحدة تعمل بها جميع الادارات والهيئات المرورية. ويستطرد «الشاهد» قائلاً: الحل الثاني هو تعديل قانون المرور، واصفاً المادة 80 من القانون بالكارثية حيث تسمح بالتصالح مع المخالفين لقواعد المرور بعد دفع المخالف للحد الادني من الغرامة المفروضة عليه، وتم إلغاء عقوبة الحبس وانقضاء الدعوي الجنائية عليه، مؤكداً أن الحالات التي سمح القانون بالتصالح معها جميعها السبب الرئيسي لحوادث الطرق وأزمة المرور وهي التصالح مع السير العكسي والحمولات الزائدة والقيادة بدون رخصة والوقوف في الأنفاق ومداخلها ومخارجها عمداً، لذلك لابد من إعادة مراجعة القانون وتعديل المادة 80 وتغليظ العقوبة علي المخالفين حتي يتم القضاء علي المظاهر العبثية التي نراها يومياً في مجتمعنا. ويتابع «الشاهد» الحل الثالث يتمثل في إلغاء قرار وزير النقل الصادر سنة 2000 والذي يصرح لسيارات النقل بالحمولة الزائدة مقابل تحصيل 20 جنيها لكل طن زيادة، مشيراً إلي أن هذا القرار السبب الرئيسي في انهيار شبكة الطرق في مصر، لذلك لابد من إلغائه، أما الحل الرابع: هو تحرير المخالفة ضد مرتكبيها وليس ضد مالك المركبة، لذلك لابد من وضع الآليات اللازمة لتفعيل القانون ووضع العقوبات الرداعة لمعاقبة المخالفين. وقال د. عماد نبيل خبير الطرق والمرور: حل ازمة المرور يمكن في سحب رخصة القيادة من السائق خلال السنة الاولي من منحها إذا ما ارتكب مخالفتين من المخالفات قد تعرض حياة المواطنين للخطر أو تمادي في كسر قواعد المرور علي ألا تصرف له رخصة الا بعد اختبار جديد للتأكد من صلاحيته للسواقة ومراعاته لآداب المرور، كما يجب اعتماد نظام المخالفات المباشرة لضبط المخالفات المرورية وكذلك الاسراع في تنفيذ الاحكام الصادرة ضد المخالفين. ودعم الادارة العامة للمرور بالقوي البشرية والإمكانات المادية بما يكفل انتشار أوسع لقوات المرور في جميع انحاء البلاد وضمان السيطرة الكاملة علي حركة المرور، بالاضافة إلى تزويد الادارة العامة للمرور بنظم معلومات متطورة، وربط شبكة معلومات الادارة العامة وشبكة معلومات شركات التأمين لتحقيق السيطرة المرورية. مع عمل برامج للتوعية المرورية لمخاطبة المواطنين وحثهم علي احترام القواعد المرورية والالتزام بآداب المرور. وشدد «نبيل» على ضرورة زيادة الاهتمام بمعايير لياقة السائقين والفحص الطبي لراغبي الحصول علي رخص القيادة. ودعم دوريات المرور وتكثيف تواجدها لتحقيق رقابة فعالة علي سلوك مستعملي الطرق وضبط جميع المخالفات واتخاذ الإجراءات اللازمة لحل هذه الازمة. ودراسة إمكانية الربط بين مقدار التأمين الاجباري وبين سلوك مالك المركبة التي يجري التأمين بشأنها. والدعوي إلي تشجيع نظام النقل الجماعي للعاملين في مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية، وتقليل عدد المركبات المتحركة علي الطرق العامة في أوقات الذروة. منع الحمولات الزائدة ويري مجدي صلاح الدين استاذ هندسة الطرق بجامعة القاهرة: ضرورة منع غير المتخصصين في صيانة الطرق ومنع الحمولات الزائدة للمركبات والتي تزيد حمولتها احياناً الى الضعف مما يؤدي إلي هلاك الطرق العامة وتكليف الدولة مليارات الدولارات لإصلاحها، كما أنه لابد من زيادة رواتب العاملين بإدارات المرور والطرق لأن تدني مستوي الاجور يفتح الباب للرشاوي وزيادة الفساد. وأكد «صلاح الدين» علي ضرورة رصف الطرق ووضع اللوحات الارشادية التي تحث المواطنين علي الالتزام بقواعد المرور. وأشار «صلاح الدين» إلي ضرورة الفحص الدوري علي المركبات للتأكد من سلامتها ولحمايتها، مؤكداً أن كثيراً من المركبات تتعطل في الطرق العامة مما يتسبب في أزمة مرورية تمتد لساعات طويلة لذلك لابد من وجود جهة تابعة للمرور متخصصة لتصليح السيارات علي الطرق السريعة لمعالجة الأزمة. الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة وطرح الدكتور صلاح سالمان المدرس بكلية الهندسة بجامعة الأزهر العديد من الحلول لحل الأزمة منها وجود رقابة علي سائقي الميكروباصات والتاكسي بحيث لا يتحكمون في المواطنين كيفما يشاءون. وقال: لابد من وضع آلية لضبط سلوكهم وتعاملهم مع المواطنين لتشجيع الافراد علي التنقل عبر وسائل النقل الجماعي وتقليل المركبات الخاصة. ويضيف «سالمان» أن الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في حل الأزمة مهم للغاية، مثل تجربة اليابان بعمل جراجات ذكية متعددة الطوابق في المناطق المزدحمة فسيكون لذلك أثر كبير في الحد من الازدحام الناجم عن ركن السيارات في الشوارع والميادين العامة. ويري «اسامة عقل» استاذ الطرق والكباري بهندسة عين شمس أنه لابد من القضاء علي الانتظار المخالف في الشوارع والميادين العامة، وفتح المزيد من الجراجات لاستيعاب السيارات ووقف منح التراخيص للميكروباصات والتوك توك وغيرها من وسائل النقل الخاصة لفترة مؤقتة حتي ينتظم المرور. وأكد «عقل» ضرورة عمل مسارات جديدة للاتوبيسات ذات كثافة ركابية عالية للوقوف بها، لتشجيع المواطنين علي استخدام النقل الجماعي ومنع الازدحام والتكدس. وأشار إلي ضرورة منع نقل البضائع خلال ساعات النهار وحصرها علي الليل، ومنع الحمولات الثقيلة من السير علي الطرق العامة. برواز إحصائيات وأرقام كشف الجهاز المركزي للتعئبة العامة والاحصاء عن ارتفاع عدد حوادث السيارات خلال العام الحالي 2015، مقارنةً بالعام الماضي حيث وصلت إلي 6961 مقارنة ب 6685 العام الماضي اي زيادة بنسبة 3.5% نجم عنها 2808 وفيات و8946 مصاباً و9041 مركبة تالفة. واكد تقرير لحوادث الطرق والسيارات أن شهر مايو الماضي شهد أكبر عدد من الحوادث حيث بلغ 1261 حادثة بنسبة 18.2% يليه شهر يونيو 1215 بنسبة 17.6%، كما شهد نفس الشهر أكبر عدد من المصابين بلغ عددهم 1599 مصاباً. وبلغ عدد الحوادث علي الطرق السريعة 912 حادثة بنسبة 13.2% من إجمالي الحوادث. كما كشف بيان للإدارة العامة للمرور عن إحصائية خلال 2015، ضبط 156 ألف محضر تصالح فوري، 14 ألف حالة سير عكس الاتجاه، 69 ألف حالة طمس لوحات، 207 آلاف حالة انتظار في الممنوع، 152 ألف حالة تعطيل حركة المرور، 9 آلاف توك توك، 63 ألف حالة ملصقات ومعلقات، 1718 سيارة مخالفة، 854 ألف تكبيل بالكلابش، 54 ألف حالة سير بدون ترخيص، 34 ألف حالة انبعاث دخان كثيف، 53 ألف حالة أمن ومتانة، 14 ألف دراجة نارية بدون لوحات، 42 ألف حالة لسيارات النقل المخالفة.