بقلم :د. محمود يوسف منذ 14 دقيقة 44 ثانية أظن أن يوم الثالث من أغسطس 2011 سيظل يوماً مشهوداً ومحفوراً في ذاكرة التاريخ، ولن ينساه الناس سواء كانوا حكاماً أو محكومين فقد طالت يد العدالة حسني مبارك ووقف خلف القضبان كأي مواطن عادي ينتظر أن يقول القضاء فيه كلمته ، ولا يمكن أن يمر المشهد دون أن نستشف منه عبراً وعظات ومعاني ينبغي أن تكون حاضرة في أذهان كل من يحاول الاقتراب من العمل العام أو تبوؤ منصب أو تصدر واجهة. ويتمثل أهم هذه المعاني فيما يلي: أولاً: تعظيم دور الشعوب وقدرتها على محاسبة حكامها، وأن ما تتصف به الشعوب من صبر وقدرة على احتمال ظلم الحكام وبطش الظالمين لا يعني أنها كشعوب فقدت القدرة على انتزاع المبادأة والمبادرة، وأنها في لحظة تخرج من أعماقها حمما وبراكين أقوى من أسلحة الدمار الشامل، وليفهم الجميع أن الزمن المستقبلي هو عصر الشعوب. ثانيا: لا أظن أن حاكماً أو مسئولا أو رئيساً أو مديراً سيبدو مرتاحاً بعد الآن وسعيداً بالجلوس على كرسي المسئولية لفترات طويلة، سيحرص على أداء دوره ثم ينتزع نفسه من هذا الكرسي قبل أن تتحول السلطة الى مفسدة، وقبل أن يحاول منافقو كل عصر الوثوب لتحقيق أغراضهم فإذا بهم يلحقون بالمسئول محاسن غيره، ويخفون عنه عيوبه ونقائصه. ثالثاً: لا أظن أن مسئولاً في أي موقع سيكون حريصاً على اقتراب ذوي قرابته من دائرة نفوذه، فهي بداية النهاية غير السعيدة، وانما سنري المسئولين جميعهم يضعون الآية الكريمة نصب أعينهم «يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم» «التغابن: 18». وإذا استعرضنا النهايات المأساوية لحكام العرب سواء من عصفت بهم شعوبهم عبر ثورات مجيدة، أو الذين ينتظرون أدوارهم لتصفي شعوبهم حسابهم معهم، لوجدنا أن الزوجات والأبناء في تونس ومصر واليمن وليبيا كانوا سبباً في زلة القدم بعد ثبوتها وبداية النهاية لزوال فراعين هذا الزمان. رابعاً: إن الادوات التي أراد لها الطغاة أن تكون عونا لهم على تدعيم اركان حكمهم وسلطتهم تتحول عبر انتفاضة الشعوب الى معاول هدم لعوالمهم الفاسدة، فإعلامهم الذي بنوه ليكون أبواق دعاية لهم اليوم ينقل اخبار محاكمتهم، والجنود المدججون بالسلاح والذين اجترأ بعضهم على النفوس الذكية والأرواح الطاهرة فأزهقها حماية لكراسيهم صاروا اليوم يقتادونهم الى أقفاص الاتهام، والأماكن التي شيدوها وحملت أسماءهم وترددوا عليه ليسمعوا كلمات المديح تكال لهم هي ذاتها التي تشهد مساءلتهم وتوجيه الاتهام لهم فسبحان مغير الأحوال. خامساً: إرساء قيم دولة القانون، وسلطان العدالة، والمساواة بين الجميع، ولا أحد فوق النقد، الجميع سواء في الحقوق والواجبات، والكل خلق من ذكر وأنثى، وليس لأحد أن يستعلي بماله وسلطانه ونفوذه، وأن أي خطأ ولو توارى حيناً، وأي فساد وإن طال أمده فستطاله يد العدالة يوماً ما. سادساً: إن الحياة الانسانية بسيطة للغاية هي حقاً تستحق أن نحياها، ولكنها لا تستحق أن نقتل من اجلها انساناً أو نزهق روحاً «لزوال الدنيا أهون على الله من أن يقتل مؤمن بغير حق» قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن حكامنا في عالمنا العربي لا يفهمون: جمعوا من المال ما تنوء الخزائن بحمله وحازوا من القصور ما لا يسكنون!! وحشدوا من الذهب والكنوز ما لا يستطيعون احصاءه وعده، وقتلوا وعذبوا وسفكوا من الدماء انهاراً، ووقفوا يتفرجون على شعوبهم: وفيهم من سكن القبور وزاحم الأموات، وفيهم من يتضور جوعاً ومنهم من أعياه مرضه، وأثقل الدين كاهله، بل وصل الحد بأناس الى بيع أطفالهم، ماذا عسى حكامنا أن يقولون لربهم غداً؟! *أستاذ العلاقات العامة بكلية الإعلام جامعة القاهرة