«الرأسمالية سيئة»... أصبحت تلك النغمة الأعلى صخبا في الفترة السابقة بين أوساط بعض الإسلاميين، ينتقد أحدهم التوجهات (اليمينية للحكومة)، ويطالب بالمساواة، وعدالة التوزيع، والخروج من قيد الرأسمالية الثقيل. وتعلن أخرى أنهم ما أزالوا «الجرافيتي» وتركوا «الإعلانات» إلا لأنها أيقونات للرأسمالية- السيئة بالضرورة- ثم يضيف (تباً). فإن كانت الرأسمالية مرفوضة، وبذلك السوء، فما الطرح إذاً؟ يبني الماركسيون نقدهم للرأسمالية، في أنها قائمة على "الاقتصاد السلعي"، أو الإنتاج الموجه إلى السوق، ذلك الذي سيدفع في النهاية وبالضرورة، لاحتكار طبقة صغيرة نسبيا من الرأسماليين الأغنياء لوسائل الإنتاج، ومن ثم تَحُول باقي الشعب، إلى طبقة عاملة ومأجورة، تبيع قوة عملها مقابل أجر، أو بمعنى أخر تحول قوة العمل إلى سلعة، ذلك الوضع الذي يراه الماركسيون "مختل"، يقود المجتمع للصراع الطبقى ما بين الطبقة البرجوازية التي ستقل تدريجيا وتزداد ثراء وما بين البروليتاريا التي ستزداد أعدادهم ويصيرون أشد فقرا، ثم ماذا إذا؟، ماذا سيحدث بعد هذا الصراع الذي يراه ماركس ومن جاء بعد "حتميا"؟ في الصباح يرتدي الجميع ملابسهم الأنيقة ويتوجهون إلى العمل. دون رقيب عليهم، أوسلطة لقانون، فقط يذهبون لأنهم أرادوا ذلك، ولما لا وقد قضى المجتمع على الرأسمالية، حين يمر أحدهم على إشارة للمرور _إن وجدت_ لن يجد شرطي يوقفه ليسأله عن رخصة أو ما شابه، فلا وجود للشرطة في هذا المجتمع، ففيما الحاجة للشرطة وقد قضى المجتمع على الرأسمالية ؟، «سيذهب اليوم ليعمل مديرا، ليحسب كم يحتاجه المجتمع من الحلوى أو الأحذية في الشهر القادم، ويعمل غدا في صناعة الصابون، وبعد غد في تنظيف الثياب، وربما يعمل أخر الشهر في محطة كهربائية، فالتعليم في هذا المجتمع يخرج "أناسا خارقين" يفعلون كل شيء» (بوخارين: ألف باء الشيوعية، بتصرف)، ولما لا يفعل وقد قضى المجتمع على الرأسمالية. هذا الذي لا يعدو كونه «خبالا» أسماه ماركس «المجتمع اللاطبقي» أو «مجتمع الرفاق»، ذلك المجتمع الذي تتلاشى فيه الدولة " فالدولة، بحكم طبيعتها، هي أداة للسيطرة والقمع، وسيلة يُخضع بها قسم من السكان قسما آخر بالقوة. ولا يمكن للدول إلا أن تكون مؤسسات للعنف. فبالأساس، كما كتب إنجلز، تتكون الدول من أجهزة للرجال المسلحين. أناس يحملون السلاح إما ليقتلوا آخرين أو لإجبارهم على فعل أشياء على غير إرادتهم، حارمين إياهم من حريتهم.وينطبق كل هذا على دولة "العمال" الجديدة التي تولد من الثورة الناجحة، بالضبط كما ينطبق على الدولة الرأسمالية» جون مولينو: ماذا نعني بالمجتمع الإشتراكي. ولعلمهم أن هذا الشكل من المجتمعات غير متصور، اقترح الماركسيون فترة وسيطة ما بين الرأسمالية و«المجتمع اللاطبقي»، هي «ديكتاتورية البروليتاريا» أو «سلطة العمال»، محاولين الإجابة عن بعض الأسئلة: «ما الذي ستكون عليه الأمور بعد الثورة؟ كيف سنتعامل مع هذه المشكلة أو تلك في إطار الاشتراكية؟ كيف سيتم تنظيم أ وب وج من الموضوعات؟ هذا النوع من الأسئلة عادة ما يوجه إلى الماركسيين. ويجب أن يقال إن الإجابات المعطاة كثيراً ما تكون مبهمة. ومن المؤكد أن كتابات ماركس في هذا الموضوع كانت هزيلة بالمقارنة بتحليله الضخم البارز للرأسمالية، وكتاباته في التاريخ والسياسة المعاصرة. وعلى الرغم من أن ما اضطر ماركس لقوله في هذه القضية احتوى كل ألمعيته المعتادة» في رأي الكاتب بطبيعة الحال، «وشكل الأساس لكل التفكير الماركسي اللاحق حول الاشتراكية، يبقى الحال هو أنه تعامل مع المشكلات الأساسية فقط في أكثر أطرها اتساعا وعمومية» المصدر السابق. هذه الفترة الوسيطة، كانت أكثر هلامية وغموضا من "المجتمع اللاطبقي" نفسه، ولذلك فإن كل النظم التي نعتت نفسها بالماركسية، انحرفت عن ذلك المسار "الطوباوي" والغامض الذي تحدث عنه ماركس، فقد نشأت كنظم سلطوية وقمعية قائمة على "السوط" من جهة، وعلى "رأسمالية الدولة" من جهة أخرى، فقد استبدلت طبقة البرجوازية المستغِلة بطبقة أخرى مستبدة ومحتكرة لوسائل الإنتاج ووسائل الدولة معاً. ومن ثم لا أدري إذا إلى أي نظام يلمح أولئك «الثائرون» على الرأسمالية، فالماركسيون أنفسهم، لا يملكون طرحا قابلا للتنفيذ، فهم قد عجزوا عن تنفيذه حين صارت الامور إليهم، سواء في روسيا أو غيرها، ماذا إذا؟ يحسب البعض أن الحديث عن مؤسسات منتخبة تضع السياسات العامة للإنتاج، وتوجه الإستثمار، وتحمي حقوق العمال، عن طريق قوانين تمنع الإحتكار، وتحدد ساعات العمل وما شابه، أو أن تضع ضرائب تصاعدية وضرائب رأسمالية على المعاملات المالية في البورصة وغيرها، يخرج بنا عن إطار الدولة الرأسمالية، لا يا سادة فكل هذه الضوابط لا تخرج عن الإصلاحات الرأسمالية، وما عرف "بإصلاحات كينزي" بعد الكساد العظيم، بمعنى انها خرجت منها إليها، فطالما ظل النظام يسمح بالإنتاج من أجل السوق، وبامتلاك وسائل الإنتاج، فهو نظام رأسمالي بحت حتى وإن صاحبته أي صورة من أشكال القيود.فيا سادة، أريحونا وأريحوا أنفسكم من هذا الضجيج، فكلكم رأسماليون في النهاية حتى وإن اختلفت الدرجات.