عندما طرح المرشح الرئاسي محمد مرسي خطة المائة يوم الأولى، بنى تصوره على أن المشكلات التي تتوافر امكانيات حلها، ولا تحتاج لتمويل خاص، يمكن أن تحل أولا، وبالفعل حددت خطة المائة يوم قضايا المرور والخبز والنظافة والأمن والوقود، باعتبارها مشكلات ناتجة من سوء الأداء، رغم توفر فرص تحسين أوضاع هذه القضايا. والناظر لهذه الأولويات، يتصور عند طرحها، أن المشكلة الأصعب هي استعادة الأمن، والمشكلة الأسهل هي ضمان توفير الطاقة، لأن التمويل الخاص بها متاح ويصرف فعلا. ولكن نتائج الخطة كشفت عن عدة عناصر مهمة، تحتاج مؤسسة الرئاسة أن تضعها في الاعتبار. فقد تحسن الأمن بأكثر من الجوانب الأخرى، وتفجرت أزمة الوقود، وأدت إلى تفاقم أسعار النقل، وتكدس السيارات وتعطيل المرور. ورغم أن ما يصرف على دعم الطاقة لم يتغير، إلا أن عملية تهريب الوقود كانت كافيه بخلق أزمات، بجانب تقصير الأداء الحكومي، وعدم قدرته على التنبؤ بحدوث الأزمة، ومعالجتها قبل أن تحدث. والمتابع لما حدث، يجد أن أجهزة الدولة، رغم ما لديها من امكانيات، حتى وإن كانت محدودة، لا تعمل بكفاءة، كما أن حجم الفساد المستشري، يجعل بعض الأجهزة تعمل ضد المصلحة العامة. وبات واضحا، أن هناك قوى داخل أجهزة الدولة تعيق حل المشكلات، بل وتفتعل المشكلات أيضا. لهذا لم تكن المشكلة القابلة للحل هي المشكلة التي تتوفر امكانيات حلها، بل المشكلة التي يمكن فرض حلها رغم محاولات العرقلة. لذا حققت مؤسسة الرئاسة تقدما في قضايا لم يكن مطروحا أن تحل في الأيام الأولى، مثل انهاء الحكم العسكري، وتوحيد رأس السلطة، وتحسن الأمن، وتحقيق تقدم في ملفات الفساد. معنى هذا، أن ما تحقق هو ما اعتمد على القرار السياسي، وما حدث فيه تعاون من بعض أجهزة الدولة. ومن الواضح أن كل ما يتعلق بشبكة الفساد، يواجه عراقيل متعددة مثل أزمة الوقود، وكل السلع المدعمة. كما أن كل المشكلات التي تتطلب تكامل الأدوار بين المواطن وأجهزة الدولة، مثل المرور، تواجه عراقيل كثيفة، لأن العلاقة الصحية بين الدولة والمواطن، تحتاج لعلاج طويل الأمد، كما أن تغير سلوك المواطن وتجاوبه مع النظام والقانون، يحتاج أيضا لجهود طويلة. لذا فالمطلوب في المرحلة الحالية، هو العمل على مختلف المحاور، حتى يتم انجاز الممكن، حتى وإن بدى مستحيلا، والاستمرار في مواجهة المشكلات، التي تبدو حلولها ممكنة، ورغم ذلك لا يتحقق فيها تقدم يذكر. وهو ما يعني اتباع مؤسسة الرئاسة لخطة تفاعلية، تتغير فيها الأولويات تبعا لمدى العراقيل التي تواجهها أثناء الحل. مما يتطلب تفاعل مؤسسة الرئاسة مع المواطن بصورة تمكنه من معرفة ما يحدث، وما يمكن تحقيقه. وهو ليس بالأمر الهين، لأن وسائل الإعلام تحاصر وعي المواطن، وتمنعه من أن يعرف الحقيقة.