المتابع لما يصدر من المؤسسات القضائية، يلاحظ أن بعضها يقدم مقترحات تخص وضعه في الدستور، ثم يتبع ذلك هجوم من مؤسسات قضائية أخرى على تلك المقترحات، وكأنها صادرة من اللجنة التأسيسية. وكل تلك الجهات تطلق التهديدات في وجه اللجنة التأسيسية. ومعنى هذا، أن دائرة المقترحات والاعتراضات تدور أساسا خارج إطار اللجنة التأسيسية، وتهدف إلى تشويه عملها. والمتابع لمواقف مؤسسات القضاء، يلاحظ أنها تشتبك مع بعضها عن طريق كبش فداء، وهو اللجنة التأسيسية، أو أنها تتعاون معا للهجوم على اللجنة التأسيسية. وهو ما يضعنا أمام عدة احتمالات متداخلة. فمؤسسات الدولة تحاول توصيف دورا جديدا لها، كما تحاول التبرؤ من النظام السابق، وفي نفس الوقت تحاول تحصيل وضعا جديدا، يجعل للثورة أثرا إيجابيا عليها. وتلك المحاولات لم تأتي فقط من المؤسسات القضائية، بل ظهر اتجاه لدى المؤسسات الرقابية والمؤسسات العامة أيضا، نحو تأسيس وضع جديد لها في الدستور. ومن ناحية تعد هذه النزعة ذات طابع فئوي، حيث أنها تكرس أوضاعا خاصا بفئات وظيفية، من خلال تأسيس وضع خاص لمؤسساتها. ولكن من ناحية أخرى، قد تؤدي هذه النزعة إلى الاخلال بالتوازن بين الأجهزة الإدارية والفنية، والسلطات المنتخبة، خاصة مع وجود ميل لتحصين المؤسسات ضد السلطة التشريعية المنتخبة. وقد يكون ما يحدث هو نتاج التجربة الأولى لوجود مؤسسات وسلطات منتخبة، وعدم انفراد الدولة كجهاز إداري بالسلطة. فنزع السلطة السياسية عن أجهزة الدولة، باعتبارها أجهزة إدارية وفنية غير منتخبة، يمثل واحدة من أصعب العمليات التي تمر بها عملية التغيير والإصلاح. كما أن نخبة الدولة وشبكة مصالح النظام السابق، تحاول فرض قيود على الديمقراطية والسلطات المنتخبة خاصة، من خلال تمتع مؤسسات في الدولة ومنها مؤسسة القضاء، باستقلالية تمكنها من السيطرة على السلطة السياسية المنتخبة. ومن الواضح أن مختلف التفسيرات تصب في اتجاه واحد، فبعض مؤسسات الدولة تحاول حماية نفسها من التغيير، أو تحقيق وضع جديد لها، أو توسيع نطاق سلطتها. والملاحظ هنا أن مؤسسات الدولة تتحرك وكأنها نقابات مهنية، تدافع عن المنتمين للمهنة، أي المنتمين للمؤسسة. وهو ما يعد امتدادا لحالة الاحتجاج الفئوي. والمطلوب هو بناء مؤسسية الدولة، وتلك مهمة اللجنة التأسيسية، التي عليها أن تنحاز للمؤسسية، بقدر يقوي كل الأجهزة ويحفظ التوازن ويحقق الرقابة المتبادلة بينها، فيتحقق التكامل بين مختلف الوظائف التي تقوم بها مؤسسات النظام السياسي.