العالم ليس غريباً... بل فيه أنت غريب. كم سيمُرّ من الوقت عليك لتتبين ذلك؟... قد لا يُكشف أصلاً! لم أنت غريب؟... لأنك لن تحظى أبداً بسلام فردوسيّ كامل في هذا العالم... وسلامك هل يتحقق أبداً؟... قد... لكن ليس بهذا العالم... عالم موكول أصلاً بمُفارقته... بإرادتك أو رغماً عنك... في الأولى خير لك، والثانية القدر المقدور! فعليك مفارقته وأنت فيه... أن تنبذه وراءك ظهريًّا وأنت تصطليه... فإن كان لا بُدّ مما ليس منه بُدّ، فليكُن في يدك وليس في قلبك... فإنه في يدك قد يُعمر قلبك وفي قلبك سيُخرّبُ الأكوان. فلم قُذفت في هذا العالم؟... ألأشقى بغُربتي؟!... بل لتعرف معنى الغُربة، وتُحاول العودة... إلى أين؟... إلى القبس الذي يسكُنك، فمنه تعرُج وبه تعود. فلم لا أوقف نهر التاريخ لأعود هنا والآن؟!... لأن إيقاف النهر يعني الجفاف لباقي البشر؛ أن يجري الدم في شريان التاريخ... دون الإنسان! ستحوم حول الوهم الساكن في أحشاءك ستجول على أشلاء ملايين الخلق... لكنك لن تعود، فلن يؤذن لك! وهل أحتاج إلى إذن؟! ما هذا العسف؟!... أريد العودة، فلم أنتظر إذناً ممن لا يعبأ بي وبآلامي؟! إن العودة فيها حياتي، سأولد فيها... تولد؟ أوتعرف معنى العودة؟ أوتعرف إلى أين العود؟ أم أنت الظالم في ثوب الحالم؟ سأعود إلى... إلى... سأعود، و... يكفي أني سأعود! سأعود لأمنح بعض المعنى لهذا الغرّ الموئود! سأعود إلى الفمّ اللافظ؛ فهناك سأجد المعنى حتماً! أوتعرف كيف تعود إلى الفم اللافظ؟ أوتضمن أن العود إليه من الممكن؟؟ يا رفقة هذا الدرب الموعود... لا يُمكن أن تتلمّظ فوّهةٌ الفم اللافظ لبُصاقٍ عائد! كيف لهذا الفمّ المدعو أن يتقبّل بعض رُفاته؟! ستعود... لكن ليس إلى الفمّ اللافظ... سيعود الطينُ إلى الطين فهذا معقول... فسيصبح طينك بعد شهور للأرض غذاء... ستعود... لكن ليس إلى الطين فحسب لأنك ما أنت بطين محض... لو طيناً كنت فحسب لما كانت بالعود تنوء الأحلام... هل تحلُُم تُفّاحة بالعود؟ أم تحيا منضدةٌ على أمل عثورٍ بالمعنى؟! سيعود الطين إلى الطين... لكن القبس سيحوم حول القنديل... أوقلت قنديل؟! أوكل عنائي لأجل العود لقنديل؟! أوجنيٌّ الأسطورة انا، فأعود إلى القنديل؟! مشكاة فيها مصباح... وزجاجة مصباحٍ المشكاة تتلألأ كالدُرّ المكنون... سيعود الطين إلى الطين، ويعود النور إلى النور... سيعود الطين إلى الطين، وتعود أنت إلى النور... لكنك قلت قنديل! قنديلٌ أو مشكاة... لست الشجرة؛ لكنك ظلّ للفرع الأنور... سيعود القبس يُحلِّق ويُحلّق... لن تتلقّاه المشكاة كما تتلقى الأم رضيعاً ضلّ... لكن سيعودُ القبسُ ليرعى ضوء المشكاة... لن يُغدو شعاعاً في المشكاة... لن يغدو نورالمشكاة... لكن سيظل من نور المشكاة... كيف؟ هذا ما أخفاه... سبحانه.