ليس عيبا أو مستغربا أن تكون المحاصصة السياسية وضمانة الولاء الفكرى حاضرة كمعيار اختيار شاغلي المواقع العامة في أي دولة استقر نظامها الديمقراطي، وتجاوزت إلى حد معقول القبلية الفكرية والعصبية السياسية.. وإن كان حتى فى الديمقراطيات المستقرة ينضبط هذا المعيار بقيم الكفاءة والأهلية التي جبلت تلك المجتمعات عليها. أما مجتمعاتنا التي لا زالت إلى حد كبير تحيا حالة من «بداوة سياسية»، ولا زالت العصبية الفكرية مقدمة عندنا على أي معيار آخر.. فالجدية في الانتقال من «البداوة السياسية» إلى «المدنية» تقتضينا أن نقدم معيار الكفاءة والأهلية الآن قبل أي وقت قادم. أقول هذا بمناسبة شبه اكتمال اختيارات معظم المواقع العامة التي تحدد ملامح اختيارات النظام المصري الحالي من اختيارات التأسيسية.. إلى مجلس حقوق الانسان.. إلى رؤساء مجالس إدارات الصحف القومية .. إلى المجلس الأعلى للصحافة والأهم الهيئة الاستشارية لرئاسة الجمهورية.. والبقية تأتي. ليس هناك من طعن على وطنية أو ظاهر إخلاص كل من اختير في أي من تلك المواقع. وإن كان أي مراقب منصف يستطيع أن يعدد فى حق معظم من اختيروا حيثيات الولاء الفكرى أو الانتماء الحزبي أو الانتماء القبلي السياسي قبل أن يجد فى خبرتهم ملمح الأهلية المرتبط بهذا الموقع. قد يقول قائل من حيثيات الاختيار أن هناك تيارات سياسية غيبت عن الوجود عن مواقع الحكم تاريخيا، ومن ثم نحن بصدد مصالحة تاريخية تسترضى المستبعدين. وهنا أُذكّر أن المستبعدين لم يكونوا التيارات السياسية، بل الشعب المصري بكل قواه الحية. وقد يقول آخر أن المحاصصة السياسية قد تستبعد أصحاب الأهلية استبعادا جزئيا مقابل استبعاد النظام السابق للمجتمع بأكمله إلا من دار في فلكه. فهنا أقول أن الإقصاء أيا كان قدره سيؤجل أو يحول دون تأسيس مفهوم العدالة في المجتمع، وهو الذي إن غاب، غاب معه الاستقرار للمجتمع أو تأخر. وأخيرا إذا كان «الأمان» لأي فصيل يحكم أو سيحكم، ويريد ترسيخ قواعد حكمه يقتضي جعل اختياراته بالمحاصصة والإقصاء على خلفية القبلية الفكرية، فإن «الأمانة» مع الوطن- ومع الله قبل الوطن- تقتضي من هذا الفصيل أن يجعل اختياراته على قاعدة الأهلية. ففي الحديث أن من ولى الأمر غير أهله وهو يعلم أن في الناس من هو خير منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين. نعم الحديث يقول: «خان الله ورسوله.. ». ألم أقل لكم أنها «أمانة»! فكروا تصحوا.