تعيش القضية الفلسطينية أحرج لحظاتها في ظل الضعف الذي تعاني منه الفصائل الفلسطينية والانقسام الحاد بينهم، وغياب الرؤية الواضحة الموحدة لتحقيق الهدف الاستراتيجي الأسمى وهو التحرير الكامل للأرض، وقد تجددت الحاجة الملحة لمصالحة حقيقية وتأسيس جبهة متحدة تستطيع إعادة حقوق الشعب الفلسطيني. مجلس تحرير "التغيير" التقى المفكر والمؤرخ والمناضل الفلسطيني "عبد القادر ياسين" صاحب العديد من المؤلفات التي تناولت تاريخ النضال الفلسطيني وتجارب حركات اليسار العربي، بجانب مشاركته في النضال الفلسطيني لأكثر من خمسة عقود، ليستشف رؤيته للوضع الراهن وكيفية الخروج من هذا المأزق: التغيير: نعيش الآن في لحظة تاريخية فارقة بالنسبة للقضية الفلسطينية، ويمكن تسميته بمأزق حقيقي للقضية الفلسطينية، كيف تنظر إلى هذا الوضع الراهن وكيفية الخروج من هذا المأزق؟ القضية الفلسطينية تعيش أزمة منذ عقود، وازداد الأمر سوءًا منذ الانقسام بين حركتي حماس وفتح في يونيو 2007، وقد فشلت كل محاولات المصالحة لأن أمريكا وإسرائيل لا تريدان لها أن تتم، المصالحة الحقيقية هي التي يجب أن تؤسس لجبهة متحدة حقيقية تستند إلى برنامج إجماع وطني وبدون ذلك لن نستطيع أن نبدأ وستظل القضية تتآكل إلى ما شاء الله. وأرى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يستطيع أن يحقق المصالحة حتى لو أراد، لأنه ينفذ بامتياز مشروعًا إسرائيليًا في الضفة الغربية. وللأسف فقد تمكن أبو مازن ومن قبله عرفات من تهميش منظمة التحرير الفلسطينية ثم مصادرتها وارتهانها واختزالها في شخصه بحيث صارت لا يتم استدعاءها إلا عندما يريد أخذ قرار ضد هذا التنظيم أو ذاك. التغيير: هل ترى أنه صارت هناك حاجة إلى كيان جديد معبر عن الشعب الفلسطيني بديلا لمنظمة التحرير التي لم تعد ممثلا حقيقيًا خاصة مع إمساك السلطة الفلسطينية بتلابيب المنظمة، بجانب بروز حركات الإسلام السياسي في الساحة الفلسطينية وصعودها نحو تمثيل جزء من الشعب الفلسطيني، أم أنه يمكن إحياء منظمة التحرير مرة أخرى؟ حتى نصل إلى الطريق الصحيح، لابد أن ننهي حالة اختطاف وارتهان المنظمة واختزالها في شخص واحد، ونعيد هيكلة المنظمة بناء على التوازنات الجديدة، فليس معقولا أن يكون لفصائل "الإسلام السياسي" مثل حماس والجهاد كل هذا الثقل والحضور على الأرض ولا يكون لها تمثيلا عادلاً في منظمة التحرير، في حين أن هناك فصائل أدخلها أبو مازن إلى منظمة التحرير دون أن يكون لها أي حضور في الشارع على الإطلاق، ولذك أرى أنه مادامت مقاليد الأمور في يد أبو مازن فلن نصل إلى حل للأزمة والانقسام. التغيير: كيف ترى تخلي حركة فتح وغيرها من حركات التحرر الفلسطينية عن فكرة "تحرير فلسطين من النهر إلى البحر" لصالح البرنامج المرحلي والدخول في اتفاقات تقوم على حل الدولتين رغم أن الكيان الصهيوني يتنصل من اتفاقاته واحدا تلو الآخر؟ للأسف حركة التحرر الوطني الفلسطينية كانت الحركة الوحيدة على مدار التاريخ البشري كله التي تنازلت عن هدفها الاستراتيجي، وهو تحرير فلسطين، قد تكون عاجزًا عن تحقيق هدفك الاستراتيجي اليوم أو غدا ولكنك لا يجب أن تتخلى عنه وهذا من أولويات علم السياسة، فكان يمكن لهم تحقيق تسوية ولكن دون قطع الطريق على الهدف الاستراتيجي. التغيير: وما هي أكبر الأخطاء التي وقعت فيها هذه الفصائل؟ لقد أغفلت حركة التحرر الفلسطينية أهمية ميزان القوة في التعامل مع العدو الصهيوني، فأنت "لا تستطيع أن تأخذ من الأرض أبعد مما تذهب إليه دانة مدافعك"، أي لا تستطيع أن تأخذ على مائدة المفاوضات إلا بقدر ما يعطيه لك ميزان القوة في ميدان القتال، فإذا كنت صفر في ميدان القتال، يصبح التوسل والتسول هو طريقك حتى أننا وصلنا إلى درجة أن تتم المفاوضات مع أولمرت في بيته في القدس بما لذلك من دلالات. وقد نجح الصهاينة في استخدام المفاوض الفلسطيني الضعيف كستار يحجب عن الرأي العام العالمي ما يقترفه الاحتلال من اغتصاب الأراضي وقتل الفلسطينيين وهدم البيوت واعتقالات بالجملة. التغيير: البعض يرى أن اتفاقية أوسلو كانت وبالا على القضية الفلسطينية؟ اتفاقية أوسلو كانت كارثة على القضية الفلسطينية، وقد أقدم عليها عرفات حين شعر أن وجوده أصبح مهددا في حركة فتح وخاصة بعد دعمه لصدام حسين في غزو الكويت وما تبعه من حجب الأموال الخليجية عنه وتطلع الكثير من أعضاء الحركة والنظم العربية للإطاحة به. وقد أدرك أبو عمار خطأه الكبير بعد ذلك، و قد عمل على إشعال فتيل الانتفاضة الثانية حتى يحقق القرار 242، أو يحقق ما اتفق عليه في أوسلو ولكنه لم يستطع إطفاؤها لأن كل الفصائل دخلت القتال ولم تكن هناك جبهة متحدة، ولا برنامج إجماع وطني. كيف ترى موقف الحكام العرب من القضية الفلسطينية؟ الحكام العرب ضللونا وزعموا أن استسلامهم تجاه ما يحدث لنا هو "سلام"، فكلما قامت إسرائيل بالهجوم على الأراضي الفلسطينية ترد عليهم القمة العربية "خيارنا الاستراتيجي السلام"، فلابد أن ندرك أن السلام غير الاستسلام، السلام العادل هو رد كل الحقوق لأصحابها. وكل العرب في ميزان القوى لا يساوون شيء، أين مدافعهم؟ أين استعداداتهم؟.. لا يوجد لديهم أي خيار للقتال من الأساس، هم دُمى في يد أعدائهم. التغيير: ما هو المطلب الذي ينبغي للحركة الوطنية الفلسطينية أن تطلقه ويلخص كل الحقوق ويفكك المشروع الاستيطاني الصهيوني ؟ لدينا في مؤسسة الجبهة العربية المشاركة للمقاومة الفلسطينية دائما ننهي بياناتنا بعبارة "من أجل التحرير وفلسطين مستقلة ديمقراطية" رأيي مثل هذا الشعار قد يصلح ولكنه يحتاج إلى عمل متراكم مجهود كبير وميزان قوى وقتال وتفعيل العمق الاستراتيجي العربي وتفعيل الاحتياطي الإسلامي لنا، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني، فأنت لا تستطيع العمل لحل الدولتين أو أي حل آخر لأنك في ميزان القوى لا تساوي شيء.. وإلى أن تصبح شيئًا معتبرًا في ميزان القوى يمكن أن تتحدث وقتها، تضع الهدف وتعمل عليه. كيف ترى إيجابيات وسلبيات الربيع العربي؟ كما كان للربيع العربي جوانب إيجابية كثيرة، إذ استنهض الشعوب العربية، وانقشعت عن عيونهم غمامة التضليل والخداع فقد كان له آثار جانبية سلبية سيئة في مقدمتها انقطاع الكلام عن الإمبريالية الأمريكية كعدو رئيس للأمة وعن الصهيونية وكيانها كعدو مباشر للأمة بل إن البعض تناغم مع الأمريكان والبعض الآخر تواصل من تحت الطاولة مع الإسرائيليين. واليوم تحدث في وطننا العربي اصطفافات سياسية غير صحية وهناك من يرى في أمريكا والناتو مخلصا لنا من الاستبداد والفساد، وهناك حالات تناغم كثيرة مع إسرائيل، بل وهناك تغافل متعمد عن الخطر الصهيوني الإسرائيلي.