من المفارقة أن المرة الوحيدة التي تحدث فيها الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن الثورة السورية بنبرة صارمة وحادة كانت فقط عندما تطرق لمصير مخزون سوريا من السلاح الكيماوي. وزير الحرب الأمريكي ليون بانيتا يكاد لا يفوت فرصة إلا ويؤكد فيها أن الولاياتالمتحدة لن تتدخل عسكرياً من أجل إسقاط نظام الأسد، وكذلك يفعل كل المتحدثون الرسميون باسم الإدارة الأمريكية. وفي المقابل، فإن الأمريكيين كشفوا عن خطة عسكرية محكمة تهدف إلى السيطرة على مخزون السلاح الكيماوي السوري، وإتلافه بمجرد أن يسقط نظام الأسد؛ وقد عرضت صحيفة " واشنطن بوست " تفاصيل الخطة. في الحقيقة لو أن الأمر تعلق بالمصلحة الأمريكية، لما أبدت واشنطن كل هذا الاهتمام بمخزون سوريا من السلاح الكيماوي، لكن الأمر يتعلق بشكل أساسي بهواجس ومخاوف إسرائيل، التي يؤكد قادتها صباح مساء أن السلاح الكيماوي السوري هو بمثابة خطر استراتيجي على الكيان الصهيوني في حال قام نظام الأسد بتسريبه لحزب الله أو سيطرت عليها جماعات إسلامية سنية بعيد سقوط النظام. لذا، فإن اهتمام الرئيس أوباما بالسلاح الكيماوي السوري يندرج في إطار " الرشوة الانتخابية " التي يقدمها للمنظمات اليهودية الأمريكية عشية الانتخابات الرئاسية. ففي سعيه لضمان ولاية رئاسية ثانية، فإن أوباما معني بالإثبات لقادة اليهود الأمريكيين أنه الأكثر حرصاً على مصالح إسرائيل وأمنها. السلاح الكيماوي ذخر للشعب السوري علينا أن نذكر هنا أن مخزون السلاح الكيماوي يخص الشعب السوري وليس نظام الأسد، لقد تم تطوير هذا السلاح وانتاجه بعرق السوريين لكي يعمل على تحسين موازين القوى التي تميل لصالح إسرائيل. ولا حاجة للتذكير أن سوريا في ظل نظام الأسد وبعد أن تتخلص منه ستظل في حالة عداء مع إسرائيل التي لا تواصل احتلال أراض سورية، بل أنها ضمت هذه الأراض لها وتتعامل معها كجزء لا يتجزأ من الكيان الصهيوني. وإن كان نظام الأسد الطاغي الفاسد كان حريصاً على اقتناء السلاح الكيماوي لتحسين موازن القوى مع إسرائيل، فإن النظام الوطني الثوري الذي سيخلف الأسد يجب أن يكون أكثر حرصاً على كل ما يعدل موازين القوى مع الكيان الصهيوني. وبكل تأكيد أن الحديث عن إمكانية أن يستخدم نظام الأسد السلاح الكيماوي ضد الثوار يهدف فقط لمنح شرعية للإجراءات الهادفة لتجريد سوريا من مواطن القوة والتمكين؛ فلدى النظام من القوة التقليدية الكثير التي يستخدمها في ضرب الثوار، وبالتالي فهو ليس في حاجة لاستخدام السلاح النووي، علاوة على أن بشار الأسد يعي أن استخدام الكيماوي ضد الثوار يمنح المبررات للتدخل لإسقاطه. المتعهدون العرب للأمن الإسرائيلي إن كان من الطبيعي أن تقلق إسرائيل على مصير السلاح النووي، وإن كان من المفهوم أن يبدي أوباما الحرص على طمأنة الكيان الصهيوني عشية الانتخابات الرئاسية، فإنه من غير المفهوم على الإطلاق أن تتجند بعض الأطراف العربية لصالح أمريكا وإسرائيل وتبدي استعدادها للإسهام في السيطرة على السلاح الكيماوي السوري ومساعدة الصهاينة والأمريكيين على التخلص منه. لقد تحدث أحد قادة الدول العربية صراحة عن هاجس السلاح الكيماوي السوري، وتحدث عن ضرورة ألا يصل هذا السلاح للجماعات " المتطرفة ". لكن الكل يعرف أن المطلوب هو استغلال الحالة في سوريا من أجل التخلص من أوراق القوة العسكرية السورية لصالح إسرائيل. وهناك تسريبات غربية وإسرائيل تتحدث عن دور لدولة عربية في المخططات للتخلص من السلاح الكيماوي السوري. وبكل تأكيد كل هذا لصالح إسرائيل وأمنها. ومن الواضح أن أي دور عربي في السيطرة على السلاح الكيماوي السوري يندرج في إطار الأدوار الأمنية التي حرصت بعض الدول العربية على لعبها لصالح إسرائيل والغرب، تماماً كما يرسلون فرق أمنية لأفغانستان لمساعدة الولاياتالمتحدة على ضرب حركة طالبان. ما يريده الغرب اللافت أن الجدل حول مصير السلاح الكيماوي السوري يأتي في ظل الدعوات المتعاظمة في الغرب وإسرائيل للحفاظ على نظام الأسد وعدم التدخل لإسقاطه على اعتبار أن هذه هي أفضل ضمانة للاستقرار في المنطقة. ففي مقال نشره في صحيفة " إسرائيل اليوم " الإسرائيلية، يرصد البرفسور دانيل بايس، رئيس منتدى الشرق الأوسط، وأحد كبار الباحثين اليهود الأمريكيين الأسباب التي توجب على الغرب وإسرائيل الحفاظ على نظام الأسد واستمرار بقائه. ويقول بايس أن نظام الأسد علماني وغير أيدلوجي و" مانع " للفوضى، وسقوطه يعني حلول جماعات متطرفة محله تهدد استقرار المنطقة. ويضيف أن بقاء الصراع في سوريا مفتوحاً مفيد للغرب لأنه سيضعف القوى السنية والشيعية، في الوقت ذاته يكرس الصدع بين إيران والعرب، وهذا يمثل مصلحة عليا للغرب وإسرائيل، حيث أن تلاشي الصدع السني الشيعي يعني توجيه الأنظار للخطر المشترك المتمثل في إسرائيل؛ علاوة أن بقائه يجعل الولاياتالمتحدة قادرة على المناورة أمام الأطراف العربية. ويرى بايس أن من سيحل محل الأسد لن يتردد في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد إسرائيل، لذا فهو يشدد على ضرورة عدم تسليح " المتمردين " والامتناع عن تدشين مناطق حظر طيران، حيث يعتبر أن من يصفهم ب " المتمردين " السوريين هم: " إسلاميون أكثر تطرفاً من الأسد، وهم سيشكلون إضافة للإرهاب السني البربري "، على حد تعبيره. لذا فهو يرى أن على الغرب أن يتدخل فقط من أجل السيطرة على مخزون السلاح الكيماوي الضخم فقط لمنع وصوله للاسلاميين. قصارى القول يجب أن يكون لممثلي الثورة السورية كلام واضح وجلي في هذه المسألة، يجب ألا يتم استغلال الثورة السورية لنزع بواعث القلق والتهديد عن إسرائيل، التي تبقى العدو الأبرز والأشر لسوريا والعرب.