تفاصيل قانون تسوية أوضاع الممولين.. خطوة جديدة لدمج الاقتصاد وتخفيف الأعباء الضريبية    إحالة أوراق قاتل شقيقه ونجل شقيقه فى الغربية إلى المفتي    باكستان تعتزم إطلاع مجلس الأمن الدولي على التوتر القائم مع الهند    الأمن يضبط المتهمين بسرقة بطاريات السيارات في الغربية    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتفقد سير العمل بملف التصالح المركز التكنولوجي بمدينة ببا    استشهاد فلسطينية في قصف الاحتلال منزلا في مدينة غزة    الصورة الأولي للطالبة المتوفيه إثر سقوطها من الطابق الرابع بكلية العلوم جامعة الزقازيق    قرار جمهوري بالموافقة على اتفاق بشأن تخلي بنك التنمية الإفريقي عن الليبور كسعر فائدة مرجعي    زيلينسكي: وقف إطلاق النار مع روسيا ممكن في أي لحظة    البحرين تدين الغارات الجوية الإسرائيلية المتكررة على سوريا    الزمالك يستأنف استعداداته لمجهة الاتحاد في كأس مصر للسلة    مصدر يكشف تفاصيل مفاوضات الأهلي مع المدافع الجزائري زين الدين بلعيد    من هو اللاعب كريم البركاوي الصفقة المحتملة للزمالك ؟    رئيس جامعة بنها يتفقد عدداً من المنشآت الجديدة بكفر سعد    ستبقى بيننا زمالة ومودة.. البلشي يشكر عبدالمحسن سلامة: منحنا منافسة تليق بنقابة الصحفيين    "عروض قتالية".. الداخلية تنظم احتفالية بتخريج الدفعة التاسعة من معاهد معاوني الأمن | فيديو وصور    بسبب الغش.. طالب ثانوي يطعن زميله بآلة حادة في أكتوبر    هل يجوز لي التعاقد على شراء كميات محددة من الحبوب الزراعية كالأرز والذرة قبل الحصاد؟.. الأزهر للفتوى يوضح    ما شروط الوقوف بعرفة؟.. الدكتور أحمد الرخ يجيب    «الرقابة الصحية» تعلن منح الاعتماد ل24 منشأة صحية وفقا لمعايير «جهار»    قلبك في خطر.. احذر 5 علامات إذ ظهرت على جسمك اذهب للطبيب فورا    الزمالك: نرفض المساومة على ملف خصم نقاط الأهلي    المخرج طارق العريان يبدأ تصوير الجزء الثاني من فيلم السلم والثعبان    الشرطة الإسرائيلية تغلق طريقا جنوب تل أبيب بعد العثور على جسم مريب في أحد الشوارع    الإدارة العامة للمرور: ضبط 37462 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    في يومها العالمي.. وزير الأوقاف: الصحافة الواعية ركيزة في بناء الإنسان وحماية الوعي    بيراميدز يتفوق على الأهلي بروح ال+90.. كيف ساهمت الأهداف القاتلة في صراع الصدارة؟    فيبي فوزي: تحديث التشريعات ضرورة لتعزيز الأمن السيبراني ومواجهة التهديدات الرقمية    كلية الآثار بجامعة الفيوم تنظم ندوة بعنوان"مودة - للحفاظ على كيان الأسرة المصرية".. صور    تشكيل ريال مدريد أمام سيلتا فيجو في الدوري الإسباني    إلغاء معسكر منتخب مصر في يونيو    الأهلي يدرس استعادة أحمد عابدين بعد تألقه مع منتخب الشباب    وكيل تعليم البحيرة يتابع التقييمات الأسبوعية بمدارس المحمودية    توريد 104 آلاف و310 أطنان قمح بصوامع أسوان    بدء اجتماع لجنة الإسكان بالنواب لمناقشة قانون الإيجار القديم    الصاروخ اليمني اجتاز كل منظومات الدفاع الإسرائيلية والأمريكية بمختلف أنواعها    مصادر: استشهاد 45 فلسطينيًا جراء القصف الإسرائيلي في 24 ساعة    نائب محافظ دمياط توجِّه بسرعة التدخل لدعم المتضررين من الأمطار    ضبط 800 كاوتش سيارات بدون فواتير بالشرقية    إصابة 3 أشخاص في حريق شقة سكنية بالمطرية    انطلاق القمة الخليجية الأمريكية في السعودية 14 مايو    الإييجار القديم.. ينتظر الفرج النائب شمس الدين: ملتزمون بإنهاء الأزمة قبل نهاية دور الانعقاد الحالى    إياد نصار: كريم عبد العزيز مجنون نجاح وهذه كواليس «المشروع x»    «أهل مصر» فى دمياط.. و«مصر جميلة» بالبحيرة    لبلبة: «بفهم عادل إمام من نظرة عنيه»    21 مايو في دور العرض المصرية .. عصام السقا يروج لفيلم المشروع X وينشر البوستر الرسمي    صادرات الملابس الجاهزة تقفز 24% في الربع الأول من 2025 ل 812 مليون دولار    رئيس الوزراء يتابع مع وزير الإسكان عددا من ملفات عمل الوزارة    خالد عيش: سرعة الفصل في القضايا العمالية خطوة حاسمة لتحقيق العدالة    «الشيوخ» يحيل تقارير اللجان النوعية بشأن الاقتراحات المقدمة من «النواب»    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعي سيدفع مليار شخص بالعالم إلى تنمية المهارات    حساب بنكي لتيسير عمليات التبرع لصالح مستشفيات جامعة القاهرة    وكيل صحة البحيرة: الإلتزام بإجراءات مكافحة العدوى ومعايير الجودة    كندة علوش تروي تفاصيل انطلاقتها الفنية: "ولاد العم" أول أفلامي في مصر| فيديو    الأوقاف تحذر من وهم أمان السجائر الإلكترونية: سُمّ مغلف بنكهة مانجا    في ذكرى ميلاد زينات صدقي.. المسرح جسد معانتها في «الأرتيست»    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها دون علمه؟ الأزهر للفتوى يجيب    الأزهر للفتوى يوضح في 15 نقطة.. أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شادي عمر الشربيني: تدمير الكيماوي السوري..سؤال النصر والهزيمة
نشر في البديل يوم 19 - 09 - 2013

تتلبد غيوم العدوان فوق سورية، والضربة الأمريكية خارج إطار الشرعية الدولية باتت قاب قوسين أو أدنى. فالرئيس الأمريكي باراك أوباما بات رهينة تهديداته التي توعد فيها النظام السروي بضربات عسكرية، و في حال لم يستطع التوصل إلى مخرج يحفظ ماء وجهه، فسيقدم على العدوان من منطلق "مجبر أخاك لا بطل" ، لكن فجأة ظهر المخرج الذي بدا أنه طوق النجاة للجميع، المخرج الذي سيبرر لأوباما تراجعه عن الضربة العسكرية ويبين أنه خرج بمكسب نزع سلاح سوريا الكيميائي مقابل وقف الضربة الأمريكية. ظهر هذا الأمر على هيئة المبادرة الروسية بوضع الأسلحة الكيميائية السورية تحت الرقابة الدولية، ثم قبول دمشق هذه المبادرة.
من الواضح أن المبادرة الروسية والموافقة الأمريكية لم تكن مفاجأة لأطراف كثيرة، وأن التقارير التي تكلمت عن أن أتفاق بين بوتين و أوباما قد جرى بشأن تلك المبادرة في كواليس قمة "مجموعة العشرين" كانت صحيحة، و ذلك ما أكده تقريبا بوتين بعد ذلك، عندما قال في تصريح أدلى به يوم 10 سبتمبر: " من المعروف جيدا أن سورية تمتلك كمية من السلاح الكيميائي، وأن السوريين كانوا دائما يعتبرونه كمقابل للسلاح النووي الإسرائيلي. الموقف الروسي بشأن هذه المسألة معروف جدا، فنحن ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل بوجه عام، نووية كانت أو كيمياوية. وفي ظل الظروف الراهنة في سورية تكتسب هذه المسألة أهمية خاصة، وفي لقاءاتنا على هامش اجتماعات قمة مجموعة العشرين ناقشت هذه المسألة مع الرئيس الأمريكي بالفعل. ولقد نوقشت هذه المسألة مرات عديدة من جانب الخبراء والمختصين والسياسيين، وأعني هنا مسألة وضع الأسلحة الكيمياوية السورية تحت الرقابة الدولية. وأكرر مرة أخرى أنني ناقشت هذه المسألة مع الرئيس الأمريكي على هامش اجتماعات مجموعة العشرين، واتفقنا على تفعيل هذا العمل وأن نكلف وزيري الخارجية الأمريكي ونظيره الروسي بالاتصال في ما بينهما و أن يحاولا تحريك عملية حل هذه المسألة".
إن تسلسل الأحداث بعد ذلك يوحي بأن احتمالات الضربة الأمريكية تقل يوما بعد الآخر، و قال أوباما، لشبكة «إن بي سي»، "اعتقد أن ما نراه الآن هو أن تهديداً جدياً من الولايات المتحدة بشن ضربة عسكرية و بدعم محتمل من عدد من دول العالم، جعلهم يتوقفون قليلا للتفكير ويدرسون ما اذا كان يتحتم عليهم الاقدام على هذه الخطوة". وتابع "اذا فعلوا ذلك، فقد يشكل الامر اختراقا هامّاً. لكن علينا التشكيك لأن هذا ليس الاسلوب الذي رأيناهم يتصرفون بموجبه خلال السنتين الماضيتين".
وحرص الرئيس الاميركي في مقابلاته التلفزيونية الستّ على الاشارة الى أنه "بحث المسألة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة مجموعة العشرين الاسبوع الماضي في سان بطرسبورغ". وقال أوباما، لشبكة «فوكس نيوز»، "اذا كان بوسعنا بذل هذه الجهود الدبلوماسية والخروج بآلية قابلة للتطبيق من أجل التعامل مع الاسلحة الكيميائية في سوريا، فسنؤيد ذلك تماما".
كلام الرئيس الأمريكي يوحي و يشير إلى أن التهديد بالضربة الأمريكية قد أتى ثماره بالمبادرة الروسية لنزع سلاح سوريا الكيميائي و قبول سوريا بهذه المبادرة، لذلك لم يعد هناك داع لهذه الضربة و إن كانت اليد الأمريكية ستظل على الزناد لضمان جدية تنفيذ المبادرة، أي أن الأمريكي يقول أننا نزعنا أهم وأقوى أنياب الأسد السوري بدون أن نضرب طلقة واحدة. في حين أنه على الجانب الآخر هناك من يرى أن المقترح الروسي يراهن على إعطاء أوباما سلماً ينزل به عن الشجرة التي صعد إليها وهو يردّد علناً أنه غير واثق على الإطلاق من تصويت الكونغرس لمصلحة مشروعه العدواني على سورية، أي أن المقترح الروسي يمكن وصفه بأنه مناورة سياسية هجومية لتجنيب طرفي المعادلة آثار حرب مدمرة يعرف الجميع كيف تبدأ ولا يعرف أحد كيف تنتهي وهي مناورة تشقّ معسكر الخصم وتضعف زخمه العدواني مقابل جزرة تفكيك السلاح الكيماوي.
في الحقيقة فإن المسألة محيرة بالفعل، والضباب يحيط بها من كل جانب، فلا نستطيع أن نتبين من الرابح و من الخاسر بتنفيذ المبادرة الروسية ووقف العدوان الأمريكي على سوريا مقابل نزع سلاحها الكيماوي. من إحدى زوايا المسألة، يمكن القول أنه منذ بداية المطالبة بلجنة تحقيق دولية في استخدام السلاح الكيماوي في سورية، أن الهدف الرئيسي من تلك اللجنة هو التأسيس لانتهاك سيادة سورية من خلال تحويل لجنة التحقيق إلى لجان تفتيش كما في العراق سابقاً تمتلك صلاحيات الذهاب والإياب والدخول والخروج من وإلى أي منشأة مدنية أو عسكرية سورية بدون إذن من السلطات السورية، و أن الهدف الأميركي- الصهيوني من إثارة قضية السلاح الكيماوي في سورية بعد إثارتها في العراق من قبلُ هو تجريد دول المنطقة من أي سلاح استراتيجي يمكن أن يخلّ بميزان القوى مع الكيان الصهيوني ولهذا السبب تحديداً لن ترتاح أيّ لجنة تحقيق دولية في استخدام السلاح الكيماوي حتى يتم تجريد سورية من كل أسلحتها الاستراتيجية لا الكيماوية منها فحسب. وهذا ما يشكل جزءاً من استراتيجية الولايات المتحدة وحلف الناتو لتركيع سائر الدول المستقلة والخارجة على طوعها في العالم لا سورية فحسب ونزع سلاحها وقد قفز بان كي مون ممثل الخارجية الأميركية في الأمم المتحدة على المقترح الروسي ليطالب فوراً بتأسيس مناطق تشرف عليها الأمم المتحدة داخل سورية بذريعة التخلص من السلاح الكيماوي ما يكرس فكرة انتهاك السيادة الوطنية أعلاه. وعليه بدت المبادرة الروسية التي أطلقها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، و وافقت عليها سورية مبدئياً على لسان وزير خارجيتها وليد المعلم، لدى كثير من المناهضين للإمبريالية الأميركية و مشاريعها في سورية كأنها تمثل خضوعاً لمنطق الغطرسة والهيمنة الأميركي في حين كانت تتصاعد دعوات شنّ عدوان كاسح على سورية و تتزايد الحشود العسكرية الأميركية مقابل سواحلها.
إن الكل يعرف ما حدث لصدام حسين والعقيد القذافي بعد أن قاما بتسليم أسلحة الردع لديهما، وإذا افترضنا أن واشنطن قبلت المبادرة الروسية، يمكن لهذا أن يتحول بسهولة إلى نظام تفتيش قاسٍ على النمط العراقي، إضافة إلى ذلك، باعتبار أن واشنطن لن تتخلى عن أجندتها الحقيقية – تغيير النظام – هناك إمكانية أن تقوم أمريكا بضرب سوريا في أي وقت بعد ذلك بحجة "معاقبة" أي مخالفة من قبل دمشق، سواء كانت فعلية أم غير ذلك، عبر الجواسيس المعتادين الذين يتم تسريبهم إلى آلية المفتشين. أي على نمط: "إن تذمرتم قصفناكم".
و لكن في الحين ذاته، يمكن النظر إلى المبادرة الروسية على أنها ، نزع فتيل الحرب الأميركية على سوريا. لقد كشف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الاستحقاقات المترتبة على روسيا، لقاء القبول السوري الإيراني بالمبادرة الروسية للتخلّص من الأسلحة الكيميائية السورية؛ فقد أعلن ما يلي:
أولاً، أنّ "تخلّي سوريا عن سلاحها الكيميائي يكتسب مغزى فعلياً فقط عند تخلي أميركا عن استخدام القوة". وهو ما يعني التزاماً واضحاً ومحدداً بأمن سوريا كحليف استراتيجي في مواجهة الولايات المتحدة و الغرب.
ثانياً، أنّ "سوريا كانت تعتبر سلاحها الكيميائي في مقابل السلاح النووي الإسرائيلي". و هو ما يعني أن النووي الإسرائيلي بات مطروحاً على طاولة البحث، ما سيكون، على المدى البعيد، جزءاً من أي تسوية شاملة في المنطقة، لكنه، على المدى القريب، سيكون مطروحاً في أي مفاوضات حول الملف النووي الإيراني.
ما تقوله دمشق هو أن الأسلحة الكيماوية، بالنسبة لها، مجرد تفصيل ليس إلا – فهي عديمة الفائدة في الميدان. المهم في الأمر هو الجيش العربي السوري المكون من 250,000 مقاتل، بالإضافة إلى الدعم المقدم من إيران و خاصة روسيا – مثل أنظمة صواريخ "ياخونت" أو صواريخ "إس-300″ (وحتى "إس-400″). إن تدمير الأسلحة – في حال موافقة دمشق – هو اقتراح طويل الأمد، يمكن أن يدومَ سنوات، واشنطن التى صنعت 31 ألف طن من الأسلحة الكيماوية خلال حقبة الحرب الباردة، أطلقت برنامج بمليارات الدولارات للتخلص من مخزونها عام 1997 ولم تنه المهمة حتى الآن. و في ذلك الوقت, من المحتمل أن تتم هزيمة الجماعات المسلحة بشكل كامل. فالمبادرة الروسية تتيح تلافي حرب عدوانية تدميرية تشنها الولايات المتحدة على سوريا، و هو ليس بالأمر البسيط لأنه يعني قطع الطريق على عملية قتل وتدمير واسعة كانت ستلجأ إليها أميركا واسرائيل في سياق الحرب رغم ما تمتلكه منظومة المقاومة من أدوات الردع ومن قدرة على تسديد الضربات المؤلمة للكيان الصهيوني وللأسطول الأمريكي المعتدي وللقواعد الأمريكية في المنطقة. قرار أوباما بالعدوان كان نذيراً بإشعال حريق عالمي هائل ورهيب من حيث نتائجه وخسائره، حيث يخلف وراءه مئات آلاف الضحايا و ملايين المشردين و يلحق بالبنية التحتية السورية خراباً كبيرا وهي حاصل جهود وعرق وتضحيات الشعب السوري على امتداد السنوات الأربعين الأخيرة، و بالتالي فإن منع هذه الحرب و إيجاد الاطار السياسي الرادع لنزعة الحرب العدوانية الأمريكية يمثل بذاته انجازاً لشعوب المنطقة والعالم قاطبة.
الكثير من المحللين المتابعين عن كسب للشأن السوري و للصراع ما بين محور المقاومة و الحلف الأمريكي – الإسرائيلي، يقولون بأنهم لم يفاجئوا بالمبادرة الروسية، لكن ما فاجأهم هو توقيتها، فقد كان هناك يقين بأن الأمريكيين ليسوا في وارد اطلاق الحرب لأن الحرب ان وقعت فستكون مدمرة للجميع وسيكون الشرق معبد شمشون .. ولكان حظ اسرائيل وأساطيل أميركيا وقواعدها وحلفائها من الدمار سيكون هائلا وسيكون كارثة في المنطقة بكل معنى الكلمة وقد تتدحرج الحرب الى تطاحن اقليمي عنيف جدا .. والأمريكيون لم يعودوا قادرين على تقبل حروب من هذا النوع الطاحن الواسع الانتشار و بلا نهاية حتى لو انتصروا فيها بكلفة باهظة .. حتى أن البعض شبه تصريح لافروف بأن روسيا لن تدخل الحرب بتصريح محتال شهير لابريل غلاسبي سفيرة أمريكا في العراق التي طمأنت صدام حسين الى أن الولايات المتحدة لا شأن لها بالنزاع العراقي الكويتي في اشارة ضوئية خضراء لدخول الكويت و استرجاعها .. و ما إن دخل أوباما الخطوط الحمراء حتى أصبح غير قادر على التراجع الى الخطوط الخضراء و البرتقالية .. و اذ بالمخرج يأتي من المعلم ..و من موسكو.. و بالسلاح الكيماوي..
الأمريكي، في هذا التحليل، تنفس الصعداء لأنه لم يرد انجاز الضربة .. فالأميركي وفق ذاكرة قريبة جدا عندما يشتهي الحرب و يدرك أنه منتصر فيها فانه لا توقفه عروض و لا تنازلات .. و بالعودة إلى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، سنجد أن العراقيين والرئيس صدام حسين في الأسابيع الأخيرة لحكمه عرض على الأمريكيين امتيازات مثيرة بالنفط و الاستثمارات ليتجنب الحرب .. بل و قبل الحرب بأيام قليلة استجاب لطلب الأمريكيين بتدمير الصواريخ العراقية ذات المدى الذي يتحاوز 150 كيلومترا كي لايتهم بأنه يترك ممرا واحدا للحرب .. ولكن الأمريكي أراد كل شيء .. ليحطم كل شيء .. اراد بالأحرى رأس العراق وجيشه ودولته وهيبته وهما الضمانة لأي نهوض ووحدة اراضي في المستقبل .. وكان أول شيء فعله تحطيم الجيش العراقي وحله وتحطيم وحدة الاراضي العراقية ووحدة الشخصية العراقية التي انشطرت الى مكونات سنية ومكونات شيعية وكردية ووو .. وكلها منفصلة نفسيا بعد أن كانت توائم سيامية تتعايش و لا تنفصل ..
وحدث هذا أيضا مع الراحل معمر القذافي الذي لم يكن تحت ضغط عسكري وكان أقرب الى التنازل المجاني ودون مواجهة واستجاب لكل ما طلب منه .. وكانت النتيجة أن الأمريكي اقتلعه واقتلع جماهيريته وثورة الفاتح ومشاريعه الافريقية وغير الافريقية ..
أي أن امريكا في النهاية إذا أردت الحرب، و تأكدت من نتائجها، فإنها تركض إليها، ساحقة بقدميها كل ما يمكن أن يقدم لوقفها أو تفاديها…
فإذا كان الأمر كذلك، فما الذي دفع إذا سوريا للتخلي عن سلاحها الكيميائي…؟؟!!
إن القيادة العسكرية والسياسية السورية تجري كل عام تقييما للوضع العسكري مع الجوار عموما وتحديدا مع اسرائيل .. و يقوم عدد من الضباط الكبار والسياسيين بحضور تلك الاجتماعات التي تقدم فيها المعلومات و تعرض على شكل محاضرات يتوالى فيها المتحدثون .. وهناك سؤال يجب على التقرير نصف السنوي الاجابة عنه، و هو عن ثبات التوازن الردعي بين الجيش السوري ومحيطه العسكري وبالذات اسرائيل.. وكان ذلك معتمدا على اعادة تقييم نوعية السلاح و الدفاع الجوي والردع الصاروخي و غيره و كمية المخزون الكيماوي و أنواعه ووسائل ايصال القذائف الكيماوية الى الداخل الاسرائيلي .. ولكن التقارير في السنوات التي أعقبت عام 2006 كانت تشير الى تناقص تدريجي في قوة الردع السورية الرئيسية (الكيماوية) قياسا بقوة الردع الاسرائيلية الكائنة بالسلاح الذري الذي يعتبر رادعا ثابتا لا يتغير .. و كانت الدراسات السورية والايرانية والروسية تشير الى معلومات ومعطيات قيام الاسرائيليين بمشروع تحديد فعالية السلاح الكيماوي عبر نشر كميات كبيرة من الأقنعة الواقية للسكان و خاصة في الاماكن المكتظة .. وحسب نسبة نمو توزيع الاقنعة فان من المحتمل أن يحصل معظم الاسرائيليين على أقنعة واقية بحلول عام 2016 .. و أن نسبة كبيرة من سكان المدن قد تم تأمين أقنعة لهم فيما بقيت القرى والمستوطنات النائية تفتقر الى الاقنعة ..لأن الافتراض المنطقي هو أن الضربات الكيماوية ستستهدف قلب المدن لإحداث الخسائر والصدمة والرعب ..
وأشارت تلك التقارير الى معطى آخر وهو أن الغازات الكيماوية ثقيلة نسبيا و لا ترتفع الى الطبقات العليا ولذلك سيبقى سكان المرتفعات والأبنية الطابقية العالية نسبيا بمنأى عن تأثير الغاز .. و هذه عوامل جعلت التأثير الردعي للسلاح الكيماوي يتراجع عبر السنوات الاخيرة وهذا مرده للجهد الاسرائيلي في تقليص احتمال تأثيره على السكان .. و تابعت المراقبة الدقيقة لمحور سورية ايران وحزب الله ذلك في المناورات الداخلية الضخمة الاسرائيلية والتي تبين في التحليل الاستخباري ان جزءا كبيرا منها كان الاستعداد لتلقي ضربة كيماوية (و ليس لضربة صاروخية فقط) و جعلت منها الاستعدادات الوقائية أقل فاعلية .. وفي تقديرات وحسابات مناورات الجبهة الداخلية الاسرائيلية الأخيرة فإن الخسائر كانت بحدود 1000 ضحية .. ورغم أنه تقليل واضح للخسائر المتوقعة فانه كان يعكس حقيقة أن هناك امكانية للسيطرة على حجم الخسائر بالسلاح الكيماوي .. وكان هذا التقدير قائما على مواجهة هجمات كيماوية بشكل رئيسي .. و خلصت دراسات الردع السورية الى أن الردع الكيماوي رغم اهميته لم يعد بنفس السوية بل خسر نقاطا كثيرة لصالح تفوق الردع الذري الثابت .. الردع الذري يحب أن يقابله ردع من نفس السوية. لا أقل.. لأنه في عام 2020 سيكون السلاح الكيماوي شبه محيد في معادلة الصراع مع اسرائيل .. و تم لذلك تفعيل الردع بالإمطار الصاروخي لتعويض تناقص الردع الكيماوي … الردع الكيماوي قد يصح في بلد غير متأهب لها مثل تركيا أو فرنسا أو الأردن.. و لكن لن يضرب السوريون الشعب التركي مثلا بالسلاح الكيماوي اذا ما اندلعت الحرب بينهما طبعا ..و هو كان مخصصا فقط للرد على التهديد الذري الاسرائيلي لمنعه من التفعيل ….
هذا الكلام معناه أن الحرب المقبلة مع اسرائيل لن يغيرها التفوق الكيماوي كما كان الحال والتخطيط في الثمانينات عند استعمال عنصر المفاجأة والتهديد به ضد اي تهديد ذري حيث الجبهة الداخلية الاسرائيلية لم تكن مستعدة اطلاقا ..
و لمعرفة كيف أديرت عملية التفاوض على السلاح الكيماوي بين الروس والسوريين مؤخرا علينا الدخول في باطن العقل الاستراتيجي السوري .. وذلك بالاطلاع على خطوط الرئيس حافظ الأسد الاستراتيجية في السياسة و الحكم .. فعندما طرح الرئيس الراحل حافظ الأسد مشروع التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل و أقام ترسانة كيماوية كان يؤسسها على مبدأ وينستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني في الاستقلال بالمظلة الوطنية الرادعة .. أي السيف في يدك وليس في يد حليفك ..
طبعا لم يكن هناك مشروع سوري للتخلي عن السلاح الكيماوي السوري بل بدأ البحث عن تعويض لتراجع القدرة على التوازن مع الرادع النووي منذ عامين تقريبا.. و عند حدوث التطورات الاخيرة .. فوجئ الجميع بأن التفاوض على السلاح الكيماوي كان اسرع مما كان متوقعا .. ببساطة قام المعلم بعرض السلاح الكيماوي على العربة الروسية للتفاوض الطويل بثمن باهظ .. ولكن الثمن الذي تلقاه بقي سريا للغاية الا أنه ظل منسجما مع المبدأ التقليدي القديم للسياسة السورية وهو أن (لا أحد يمسك مظلتنا الا أيدينا ..المظلة التي ليست ملكنا لا تحمينا الى الأبد .. ولن نترك اقدارنا بيد غيرنا حتى حلفائنا) لأن أي تغير في الطقس لدى الحلفاء أو تغير في أولوياتهم قد يعني أن المظلة ستسحب .. ومن نافلة القول أن اي تهديد ذري لسورية لن يكون اي حليف مضطرا للدخول في مزايدات رد التهديد الذري بجسمه وشعبه ..
لذلك فالحديث الآن على أن العالم سيعرف قريبا أن أهم صفقة تمت بين السوريين و الروس على الاطلاق قد تمت منذ أيام .. و بأن السلاح الكيماوي قد تم بيعه بثمن كبير حيث ستخرج بموجبها أسلحة روسية لم تخرج حتى الآن من مخازنها الروسية ولعل أهمها هو صاروخ اس 400 الذي يتسرب أنه دخل الصفقة .. وهو الجيل الذي لم يطور الروس بعده الا اس 500 الذي بقي مقتصرا على الجيش الروسي ..وهذا صاروخ سيجعل السوريين سادة سماء الشرق الأوسط لعقدين قادمين .. و يؤكد بعض العارفين أنه قد تم التوقيع على بروتوكول آخر في غاية السرية بين الروس والسوريين .. و لا يعرف طبعا نوع هذا الرادع الذي وصفه البعض بأنه الأفضل على الاطلاق والأذكى على الاطلاق .. ويردد البعض في الكواليس بأن التحالف السوري الروسي الايراني أظهر أنه أصلب مما كان يتوقعه أحد ..وان الأزمة الكيماوية قربت السوريين أكثر الى التوازن الاستراتيجي الحقيقي ..
…………….
في السطور الماضية تعرضنا لوجهتي نظر من زوايا مختلفة بشأن انضمام سوريا نزع سلاح سوريا الكيماوي…
التحليل الأول ينطلق من زاوية أن سوريا مقبلة على السيناريو العراقي، حيث يتم نزع كل أسلحتها التي تستطيع ردع العدوان و تترك في العراء كفريسة للنسر الأمريكي المنقض، الذي لن يعدم اختراع الحجج و تلفيق الأدلة لضرب سوريا و غزوها مثلما فعل بالعراق، أو كفريسة سهلة بدون سلاح رادع أمام الجيش الإسرائيلي…
أما الثاني فيتحدث عن أن سوريا ربحت هذه الجولة من المعركة بتفاديها للتصعيد و الضربة الأمريكية، مقابل إلقاءها بورقة الكيماوي التي بدأت تفقد قدرتها الردعية منذ سنوات مضت إلى أن تصبح عديمة الفائدة في المستقبل القريب، وبذلك يكون قد ابتلع اوباما الطعم مضطرا لكونه كان يبحث عن اي وسيلة للنزول من الشجرة التي اصعد اليها قهر!
ثم إن هذه الخطوة هذه تحتمل في سياقها اجبار الكيان الصهيوني للخروج من مصونية البقاء بعيدا عن رقابة منع انتشار اسلحة الدمار الشامل؟!
التنازل عن الكيميائي ليس انتصاراً، لكنه أصبح، في لحظة ما من الصراع، الثمن الذي يجب دفعه لتجنب الحرب الشاملة، وضمان الانتصار السوري على الإرهاب و التقسيم، والحفاظ على سوريا المقاومة.
إن هذا التحليل يرى أن الأمر مختلف بشكل جوهري عن ما حدث مع العراق، فعملية نزع السلاح الكيماوي السوري لن تكون خاضعة للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، و هذا ما سعت إليه أمريكا وفرنسا وأجهضته موسكو بالضربة القاضية: لا قرار تحت الفصل السابع في مجلس الأمن، حتي يمكن أن تأخذ امريكا ذلك تكأة لضرب سوريا تحت أي حجة، ثانيا، فإن سوريا ليست بمفردها و معزولة مثلما كان الأمر مع العراق، فسوريا تقف صامدة ضمن حلف قوي يضم إيران و روسيا و الصين، و هذا الحلف أثبت صلابة متناهية في الدفاع عن دمشق، و لن يسمح بتكرار قصة العراق مع سوريا، لأن ذلك يعني الاعتداء على أمنه القومي و فتح الباب لتهديدات وجودية لدول هذا الحلف.
فإذا كان صحيحا بان الغرب قد يكون تمكن من سلاح ردعي دمشقي افترض انه الوحيد الذي بيد الاسد، فان الصحيح ايضا بان هذا الغرب قد شرعن بكلتا يديه نفوذا ايرانياروسيا في اعالي البحار هو الاول من نوعه منذ قرون… و من شنغهاي الى القصير، وهي رحلة طريق الحرير التاريخية الشهيرة، ثمة بصمات ستظهر آثارها شيئا فشيئا ترسخ مع الايام واقع معادلات دولية جديدة ستكون ابرز ملامحه انكسار الاحادية الامريكية لأول مرة و إلى الابد وظهور قطبين جديدين على المسرح الدولي لا فكاك منهما الدب الروسي والاسد الايراني.
في النهاية لا يملك كاتب هذه السطور الجزم بآيا من التحليلين أكثر صدقا وأكثر قدرة على استشراف المستقبل، فذلك متروك للقارئ بالدرجة الأولى، و إن كان يمكن أن يقول ان من المبكر الجزم بمن الذي أنتصر و من الذي هزم، و أن الأمور لم تحسم في هذه الجولة من الصراع، و أن هذه التسوية تحمل من الفرص بقدر ما تحمل من المخاطر، و أيضا يمكن القول أن هناك موازين قوى تحركت، و الأمور لم تعد الآن كما كانت في الماضي ملكا لطرف واحد يتحرك فيما يشبه فضاء الكامل و يفعل ما يشاء، هذه الموازين المتغيرة ظهر تأثيرها واضح في الصراع السوري الدائر الآن، و يبقى أن تقديم مقاربة لفهم هذه التغيرات هو أفضل وسيلة لقراءة اتجاهات رياح تغيير بدأت تهب على المنطقة، و هذا ما سنحاول مقاربته في مقالات قادمة بإذن الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.