يعول بعض خصوم الإخوان والتيار الديني في مصر على إمكانية انقلاب الرأي العام المصري ضد الإخوان والتيار الديني قبل الانتخابات التشريعية المقبلة – والتي قد تعقد قبل نهاية العام الحالي - على غرار ما حدث في شهري مارس وأبريل من العام الحالي وأدى إلى ضعف أداء مرشح الإخوان في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية (الرئيس محمد مرسي)، والذي لم يفز فيها بأكثر من ربع أصوات الناخبين مما سبب إحراجا كبيرا له ولجماعته. ويرى خصوم الإخوان أن الرأي العام المصري يرفض سيطرة تيار واحد على السلطة، والإخوان لديهم حاليا الرئاسة وسيرفض المصريون منحهم البرلمان في نفس الوقت، كما أن الإخوان لم يدخلوا في شراكة حقيقية مع أي تيار سياسي حتى الأن ولا يبدو أنهم عازمون على ذلك في المستقبل المنظور. أضف إلى ذلك وجود قطاعات بالرأي العام المصري تخشى صعود التيار الديني بشكل عام، والأداء الضعيف لأحزاب التيار الديني وخاصة بعض نواب حزب النور السلفي بالبرلمان الذين سلط عليهم الإعلام كثير من الأضواء. وهي عوامل لو تم التركيز عليها قد تؤدي لتأليب الرأي العام المصري على الإخوان مرة أخرى وربما إحراجهم كثيرا في الانتخابات التشريعية المقبلة، فهل هذا ممكن؟! في البداية وكقاعدة عامة، أعتقد أن الظروف السياسية لا تتكرر، فكل انتخابات تأتي بظروفها والواضح أن الرأي العام المصري يمر بتحولات سريعة وكبيرة في الفترة الحالية، كما يبدو لي أن بعض مظاهر السخط ضد التيارات الليبرالية واليسارية بدأت في الظهور في أوساط الرأي العام المصري مؤخرا للأسباب التالية: أولا: عدم تنقية التيارات الليبرالية واليسارية في مصر من العناصر المحسوبة في خانة العداء الثورة والتشدد، مثل الفلول والمتحولين وبعض العناصر شديدة الكراهية للتيار الديني في مصر والتي تكاد تفضل الانقلاب على الديمقراطية على السماح للإخوان بالحكم. ترك المتحولين والفلول وأنصار شفيق ودعاة الكراهية يتحركون بحرية في أوساط التيارات الليبرالية واليسارية في مصر ودون عزلهم بوضوح وبشكل واضح وكافي يضر بالتيارات الليبرالية والمصرية المساندة للثورة كثيرا ويحملهم ما لا يحتملون ويهز ثقة الرأي العام المصري فيهم. فبعض فئات الشعب المصري تعجز عن التمييز بين الإخوان والسلفيين، وبعضهم أيضا يعجز عن التمييز بين الجماعات الليبرالية واليسارية الداعمة للثورة والفلول والمتحولين المحسوبين على الليبراليين واليساريين أو التيار العلماني في مصر ودعاة الكراهية. ثانيا: تعاني التيارات الليبرالية واليسارية في مصر حاليا من مشكلة يمكن تسميتها "كثير من الجعجعة قليل من الطحن"، فهي منقسمة بلا أحزاب كبيرة وبلا سياسات واضحة ولا حلول لمشاكل المصريين، ومع ذلك تصدر ضجيجا حاليا للغاية. أضف إلى ذلك الطبيعة النخبوية لبعض تلك التيارات وضعف تواجدها في الشارع المصري، وهذا يعطي الرأي العام المصري انطباعا بأنه يسمع جعجعة كثيرة لأبناء تلك التيارات (شكاوى واتهامات وصوت عالي) ولا يرى طحن أو طحين (سياسات وأحزاب ومؤسسات وتواجد بين الناس)؟! ثالثا: مصر مقدمة على انتخابات تشريعية لا رئاسية، هذا يعني أننا لن نكون أمام الاختيار بين ثلاثة أو عشرة مرشحين، بل سنكون أمام آلاف المرشحين، وأن كل دائرة سوف تختار من يمثلها، وفي الغالب سوف تميل لاختيار شخص تعرفه منذ فترة وتثق فيه، وقد تنجح الدعاية المضادة للإخوان في بعض المناطق التي يتوافر فيها بديل غير إخواني مناسب وقوي ومعروف للناس، أما في غياب هذا البديل فقد يقرر المواطن العادي التصويت لمن يعرفه ويخدمه بغض النظر عن انتمائه الحزبي. رابعا: فوز محمد مرسي بالرئاسة يعطي الإخوان ميزة نسبية، فلديهم مسئول تنفيذي على أعلى هرم السلطة في مصر وأي نجاحات سيقوم بها ستحسب لهم، ونجاحه مؤخرا في عزل قادة العسكر نموذج لإنجاز كبير يصب في صالح الإخوان نسبيا لأن الصراع مع دولة العسكر مازال مستمرا فوجودهم أكبر بكثير من سيطرتهم السياسية التالية لثورة 25 يناير، ولكن في النهاية عزل قادة العسكر مثلا إنجازا كبيرا ومفاجئا لمرسي في عيون المصريين والعالم. ويبدو لي أن مرسي في طريقه لتحقيق بعض النجاحات، فالسلطة تتركز في يديه ويمكنه الاستعانة بمن يشاء لتنفيذ أجندته وقد استعان ببعض الخبرات المشهود لها بالنزاهة مثل الأخوين مكي في وزارة العدل وفي منصب نائب رئيس الجمهورية، كما أن مرسي لن يتأمر ضد نفسه وضد الإخوان بإضاعة الفرصة وتبديدها في ممارسات سياسية خاطئة. وهذا يعني أن بعد شهرين من الأن ولو استمر الحال على ما هو عليه، سوف يرى المواطن العادي أن حكم الإخوان أمرا عاديا ويحمل بعض الفائدة، وأن السماء لم تقع على الأرض بعد وصول إخواني لمنصب الرئاسة كما هدد البعض. هذا يعني أن الهجوم على الإخوان لن يكفي كاستراتيجية، وأن خصوم الإخوان في حاجة لاستراتيجية مختلفة – كما اشار كثير من الكتاب الليبراليين واليساريين الجادين في مصر مؤخرا. الليبراليون واليساريون في مصر في حاجة عاجلة لاستراتيجية تقوم على توحيد الجهود وبناء المؤسسات والتواجد بين الناس بسرعة ولأطول وقت ممكن والتقرب إليهم والتسابق على الفوز باهتمامهم، ولو حدث ذلك لأصبحت مصر هي المستفيدة ولشعر المواطن بقيمته بعد الثورة وأن الثورة جعلته هو لا السطلة والكراسي موضع الاهتمام وهدف الأحزاب والسباق السياسي بينها، والله أعلم. ----------------------------------------------------------------------------------------------- يمكن التواصل مع الكاتب عبر: alaabayoumi.blogspot.com