جاء خروج المجلس العسكري من المشهد السياسي المصرى بهذا الشكل الانهيارى- ليس فقط- ليعلن عمليا اختفاء آخر رمز رسمي ينتمى لنظام مبارك، ولكن ليخرج معه من المشهد قدرا هائلا من المماحكات السياسية والمتاجرة والتدليس باسم الثورة .. وأوهام أخرى فى إعادة انتاج النظام البائد. كان قَدر هذا المجلس أن يكون سببا فى حسم معركة الثورة حين التمس شرعيته في الانقلاب ضد مبارك من ثورة شعبية حقيقية، طهرته بماء الوطنية حين انحاز لها. لكن ما لبث أن 'انتحر' المجلس العسكرى تاريخيا، حين انقلب على نفسه لينهي فرصه فى دخول تاريخ كان هو أحد صناعه. وأبى على نفسه الا أن يبقى عنوانا لانعدام الخبرة السياسية رغم احترام الخبرة المهنية، وأن يسوقه سوء تقديره - قبل سوء نواياه - الى مصير لم يتصوره له أعتى أعدائه. لم يحرم المجلس العسكري-بأدائه المترهل- نفسه فقط من شرف العبور بمصر وانتقالها الثوري الأول، لكنه أعطى فرصة لطامحي السلطة في استغلال الإطار الأخلاقي لثورة شعب، مطية للتزاحم عليها، وأن يكون توحد المطالب ضد سوء أدائه أحد أسوأ مشاهد الابتزاز الأخلاقي التي تم الاتجار فيها باسم مبادئ الثورة في سوق السلطة. لكن قدر الله أن تنتهي تلك الأسطورة- أسطورة طموحات ومؤامرات العسكري- التي ارتهنت بها الثورة والثوار، واختلطت بها ميادينها بميليشيات سياسية محشودة بأوامر السادة بحجة مناهضة المجلس الآثم أو أخرى تهرول له طالبة النصرة، مع ثوار أنقياء احتشدوا بخفق قلوبهم ووطنيتهم. الآن مع خروج الطرف صاحب الصخب الأعلى من الساحة السياسية المصرية، آن للاعبيها أن يعرفوا أنه باتت للعبة السياسية قواعد واحدة يتساوى فيها الجميع دون أن ينتظر البعض نصرة ال«مخلص» أو يلقى البعض الآخر التبعة على «المتآمر» .. فالمخلص/المتآمر بقي لمدة عام و نصف يقدم كل الدلائل على أنه «طاحونة هواء» وحين لم يصدقه أحد.. انتحر! نحن كما نحن منذ اليوم الأول للثورة .. لا مخلّص لنا إلا «العمل المجتمعى والسياسي الجاد»، وفق قواعد تنافسية شريفة. ولا متآمر علينا إلا تصديقنا بأن «طواحين الهواء»-مهما بلغ تنظيمها- قادرة على أن تهزم إرادتنا. ولا عدو لنا الا «الاستبداد» .. وكل عام أنتم أكثر حرية.