زعموا أن ظاهرة اجتماعية رديئة انتشرت فى بعض دول الشرق كان مؤداها أنه .. بعد القبض على أحد عتاة الإجرام وإيداعه الحجز.. يقوم هذا البلطجى بإحداث إصابات شديدة فى جسده قبل مثوله أمام القضاء. ثم يتهم ضباط العسس (الشرطة) بتعذيبه. وهو ما كانوا يسمونه أنه «بطح نفسه على الحكومة». وبهذا «البطح» كان البلطجى يخلق واقعاً قانونياً جديداً - به بُعد أخلاقى وإنسانى، وهو الانتصار لحقوق الانسان من منتهكيها .. وهكذا كان يضلل القضاء ممثل المجتمع، ويبدد مجرى العدالة. ويُروي أن العسس فى هذا البلد قد تورطت- مرات لاتحصر- فى التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان وهو أمر مستنكر فى كل وقت .. والقضاء فيه قد وقع فى أخطاء مهنية أحيانا، وأن الانتصار لحقوق أى انسان- حتى ولو كان مجرما- لاقى من وعى أبناء المجتمع ما جعله واجباً فى كل وقت. وتلك كانت الثغرات التى بطح البلطجى بها نفسه على المجتمع لكي يبتزه أخلاقيا. وهكذا وباسم الحق.. يحاول البلطجى أن يضع الأنقياء من أبناء مجتمعه أمام خيار أخلاقى مصطنع، وهو إما الانتصار لحقه كإنسان أو الصدام مع فكرة القانون والعدالة والدولة ذاتها. الأكثر إيلاماً- كما يقول الراوي- من فعل هذا البلطجى كان فى سقوط قطاعات من المجتمع فى شَرَكِه، بأن أصرت على تسطيح هذا المشهد المركب، وارتهنت في ثنائية مؤداها إما أن البلطجى على حق ومن ثم الدولة على باطل وشر أو العكس. وهنا- يا أفاضل- كان دهاء البلطجى ومأساة الأنقياء، فهو قد أحال أبصارهم عن كونه أهلا لعقاب على جرمه الأول باعتباره أهلا لنصرة بدم كذب جاء به على وجهه-وكذلك أزاغ أبصارهم باستجلاب تاريخ الأخطاء المهنية فى القانون وفساد الشرطة عن خطورة هدم تلك المؤسسات بهدم الثقة المجتمعية فيها. وظلت هذه الفئة الصالحة ترتكب جريمة فى حق نفسها ومجتمعها قد تساوى أو تفوق فعله .. بأن تتحالف على القضية الصحيحة مع الحليف الخاطئ. ويذكرون أن الظاهرة استشرت، فتجاوزت فعل عتاة الإجرام حتى صارت .. سمة سياسية ومجتمعية .. حتى ضاع حق المجتمع أو كاد يضيع. وزالت هذه الدولة أو كادت تزول. إلى أن وعى أبناء المجتمع لها ولخطرها، فلم يسمحوا لأحد أن يستعميهم .. حين عرفوا أن خرق القانون من أجل إنفاذ السلطة هو خطيئة الدولة. كما أن خرق القانون من أجل إنفاذ الحق خطيئة المواطن .. وأن الاستبداد باسم الحق.. كالاستبداد باسم السلطة .. كلاهما استبداد. وكما كتب مالك بن نبى عن أن القابلية للاستعمار من قبل الشعوب المستعمرة أخطر من الاستعمار ذاته .. تقول هذه الحكاية أن القابلية للاستعماء من أبناء أى مجتمع .. أخطر عليهم من قدرات أى مستعمي لهم. ويختم الراوي بدعاء لسامعيه أن كفانا الله وإياكم شر «البطح» و«الاستعماء» .. فكروا تصحوا.