سقط رئيسان بالثورة. واستنتج رئيس آخر أنهما سقطا لأن الجيش تخلى عنهما. وعندما طالبه الناس بإصلاح حكمه، فكر في نفسه : "ولكن الجيش معي. لألف سبب بعضها يمكنني أن اشرحه وبعضها اخجل ان اتفوه به. المهم أن الجيش معي, وما دام الجيش معي لن اقوم بأي إصلاح ولن اسقط". وأمر بإطلاق النار لوأد الثورة في مهدها، لأنه لا شعب يصمد أمام جيش يطلق النار. وصدق الرئيس، لا شعب يصمد بالتظاهر سلميا طول سنة ونصف أمام إطلاق النار. فماذا كانت النتيجة؟ حمل الناس السلاح وتحول هو من رئيس إلى طرف في طريقه الى سقوط طويل وشاق. ومن جديد طرح أمامه الخيار إما أن يتنحى ضمن اتفاق نقل سلطة تدريجي أو يسقط باستمرار الثورة. ففكر "ليست هذه خياراتي، سوف اطرح عليكم خيارات أخرى: إما أن يقبلني الناس، بما فيهم حلفائي كما انا، أو فلتحرق البلد؟، إما أن تبقى مزرعة لي، أو فليأخذوها أكوام حجارة وجماجم". علينا ان لا ننسى، أن هذه الخيارات الجهنمية هي ما تفتق عنه عقل الحاكم، وليس عقل الشعب. ***** تمر لحظات معتمة تظهر فيها قطاعات اجتماعية أسوأ ما فيها: روح انتقامية، هيجان جماعي غرائزي لا يضبطه مبدأ أو أو قيمة، أو حتى هدف ما أيا كان، عصبيّات متخلّفة، نرجسيات فردية يتحدث فيها كل فرد باسم الشعب لمجرد أنه يرغب ان يكون دكتاتورا صغيرا ولو على شخصين، وأمام الميكرفون، يفتي غبي جاهل متخلف بفرض الجزية على أهل الذمة وبقطع الرؤوس، ويثبت أنه لا يفضل النظام القائم بشيء بل ربما يزيد على استبداده تخلفا. هذا ما يحصل حين يرتفع عن المجتمع غطاء الدولة من دون تحقيق البديل في نظام المواطنة ونظام المؤسسات، إما بسبب عدم شرعية نظام الاستبداد , أو بسبب تحوّله إلى طرف في الصراع. في مثل هذه اللحظات تبرز أهمية القيادة السياسية التي تضع الأهداف وتنطق بخطاب التحرر وتتحدث لغته، ولا تتملق جمهورها، ولا تخفي العيوب بحثا عن شعبية رخيصة.