على قلب رجل واحد وفى لحظات مصيرية حقا بقدر ما تعبر عن الوطنية المصرية الجامعة- يلتف شعب مصر حول قواته المسلحة ويتصدى للمخطط الآثم لإسقاط الدولة، فيما بدت ثورة 25 يناير على المحك بعد وقائع يوم الأحد الحزين واستشهاد وإصابة عدد من جند مصر الذين حموا ثورة شعبها. وبدا ما حدث فى الساعات العصيبة يوم الأحد الحزين محاولة خطيرة من قوى الثورة المضادة وفائض الشر فى إطار مخطط اثم لاجهاض طموحات وامانى شعب مصر العظيم فى التحول الديمقراطى واقامة دولة الحرية والعدالة بقدر مابدا جزءا من المعركة الكبرى حول مستقبل مصر والمنطقة كلها. وكان رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف قد اكد فى كلمته للأمة الليلة الماضية ان "مايحدث فى مصر الآن ليس فتنة طائفية بل هو خطة متصاعدة لاسقاط الدولة وتفتيتها" مناشدا المصريين التنبه لهذه الأحداث "التى تكاد تكون مؤامرة لابعاد مصر عن اجراء الانتخابات المقبلة والتى ستحول مصر الى مصاف الدول الديمقراطية ". واعتبر شرف ان "هناك اياد خفية وراء هذا الحدث" مضيفا :"لكننا لن نتركهم" وسنقطع الأيدى التى تحاول تدمير مصر متعهدا بتطبيق القانون على كل من يخالفه ومن يحاول ان يشعل النار فى مصر. وتبدو الثورة المضادة مناط اهتمام تخصصات علمية واكاديمية متعددة فى مقدمتها علوم السياسة ، وتخصص دراسات علم الاجتماع السياسى حيزا كبيرا لموضوع الثورة المضادة فيما يقدم التاريخ العبر والدروس التى تؤكد خطورة الثورة المضادة وهو ما تجلى على سبيل المثال فى حالة الثورة الفرنسية ومحاولة اعادة النظام السابق . واولى الفيلسوف الألمانى الأصل هربرت ماركيوز اهتماما لافتا لقضية الثورة المضادة بطابعها التمردى فى مواجهة الثورة الأصيلة وفعلها الثورى الخلاق ،فيما رأى المفكر تيد جرانت الذى ولد فى جنوب افريقيا لأب من اصل روسى ومؤلف كتاب "روسيا من الثورة الى الثورة المضادة" ان اضفاء الطابع الاستبدادى الشمولى على الثورة الروسية التى اندلعت عام 1917 كان من تخطيط وفعل الثورة المضادة. وفى دراسة جديدة بعنوان "الثورة العربية المضادة"-لاحظ الباحثان الأمريكيان روبرت مالى وحسين اغا ان الثورة المصرية شأنها شأن الثورة التونسية احتفظت حتى فى ذروتها بطابعها السلمى والوحدة الوطنية غير انه منذ نجاح هذا النموذج الثورى المبهر فى المنطقة والعالم والمحاولات لاتتوقف عن اتخاذ مسار يتناقض مع هذا الطابع الفريد عبر سبل عديدة داخلية وخارجية من بينها السعى لاثارة واصطناع توترات طائفية وعرقية . واعتبر الباحثان اللذان عرفا بدراساتهما المشتركة المتعمقة حول الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط ان "هذه المحاولات التى تشارك فيها قوى قديمة وكانت تتمتع بالحظوة والنفوذ قبل الثورة" تستهدف زيادة شعور الجماهير بعدم الآمان وعدم الثقة فى المستقبل وهى ترى العنف والدم والتهديدات فى الشوارع. واضافا:وهكذا فان الجماهير التى انتشت بالثورة وتطلعت لتحسين اوضاعها وتحقيق مكاسب فى ظل التغيير نحو الأفضل لابد وان تشعر فى ظل مناخ الترويع والعنف بالاحباط وبالثمن الفادح الذى تدفعه يوميا جراء عدم الآمان وتراجع الاقتصاد ومن ثم فانها تتحول الى الشك العميق فى المستقبل ككل. وفيما افادت تقديرات لوزارة الصحة بسقوط عشرات القتلى والجرحى جراء احداث العنف امس الأحد بمنطقة ماسبيرو وقلب القاهرة-كان رئيس الوزراء عصام شرف قد اكد فى بيانه ان "الوطن فى خطر نتيجة هذه الأحداث المتلاحقة التى تعكس تربصا واضحا بمقدراته". ورأى "ان هذه الأحداث عادت بنا الى الخلف خطوات والقت بظلال من الخوف والذعر على مستقبل الوطن". وقال شرف :"بدلا من ان نتقدم للأمام لبناء دولة حديثة على اسس ديمقراطية سليمة عدنا لنبحث عن الأمن والاستقرار والشك فى وجود اصابع خفية خارجية وداخلية تريد ان تقف امام ارادة الغالبية العظمى من شعب مصر ورغبتهم فى اقامة نظام ديمقراطى سليم". وعندما يحين الوقت لكتابة التاريخ الكامل لثورة 25 يناير وبعيدا عن اى غزل او شبهات تملق سيكون الدور الجليل للجيش المصرى فى حماية هذه الثورة احد اهم محاور الكتابة الأمينة والمنصفة للحقيقة فيما تتوالى بعض الاشارات المضيئة حول دور هذا الجيش الوطنى قبل اندلاع الثورة فى التصدى للفساد. واذا كانت عناصر الثورة المضادة قد سعت فى الأحداث التى عرفت ابان ثورة يناير "بموقعة الجمل" لارتكاب مذبحة ضد الثوار فى ميدان التحرير فانها قررت فيما يبدو الاقدام على خطوة اخطر عازمة على احداث فتنة طائفية تتسربل وتتخفى وراء اقنعة متعددة على امل تمرير مخططها الآثم لتمزيق النسيج المجتمعى المصرى. واذا كان بعض اصوات فائض الشر تبدو متشوقة لفتنة لاتبقى ولاتذر-تقول الطالبة الجامعية حنان كارم التى شاركت مثل ملايين المصريين فى ثورة يناير الشعبية اننا لن ننسى ان جيش مصر انحاز لمطالبنا المشروعة منذ بدء الثورة. ويشعر زميلها الطالب محسن هاشم بأن هناك جيوبا للنظام السابق راغبة بقوة فى وقف عجلة التغيير لكنه اعرب عن اقتناعه بأن ثورة مصر ماضية للأمام فى ظل التلاحم الوطنى بين الشعب والجيش. وربما بحكم دراسته للتاريخ-يقول فاروق توفيق ان جيش مصر هو الجيش الوطنى الذى لم يصوب اسلحته ابدا لصدور المصريين وانما كان المدافع الأمين عنهم وهى حقيقة تاريخية تدحض مزايدات ومغالطات تنطلق من جحور الثورة المضادة واوكار الشر الالكترونية. ورأى سامى عريان الذى يدرس الفلسفة انه على طريق التحول المصرى من الدولة الاستبدادية الى الدولة الديمقراطية فان الجيش الوطنى الذى لم يسع للسلطة ويريد تسليمها فى اقرب وقت ممكن يشكل الضمانة لحماية العبور الكبير للحرية والعدالة وهو الذى عبر من قبل مدعوما بشعبه قناة السويس فى يوم مجيد احتفلنا بذكراه منذ ايام قليلة. ومن هنا فان الجيش المصرى هو الحارس الأمين لعملية بناء دولة الحرية والعدالة على انقاض الدولة الاستبدادية التى تتعارض مع المعنى الحقيقى للأمن القومى وانتجت النفاق والانتهازية ونماذج بارعة فى التلون وركوب الموجات. ان مصر بثورتها رفضت هؤلاء الذين ساقوا المصريين صوب الألم وهم يتحدثون عن الأمل! .. وفى دولة الحرية والعدالة التى ينشدها المصريون فان الجيش هو حامى حمى الدستور كما انه فوق اى صراعات حزبية او فئوية او طائفية وهو الجيش الذى لم يتنكر ابدا لتاريخه وتراثه ولم ينس او يتناسى انه ابن الفلاحين والعمال او يتعالى عليهم فيما تستند عقيدته القتالية على ادراك قومى متكامل ويفهم أن الصراع فى عالم اليوم هو صراع ارادات. واذا كانت مصر الثورة تعيش لحظات ربما تكون الأخطر فى تاريخها المعاصر منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى وانهيار الامبراطورية العثمانية وفرض خرائط سايكس-بيكو الاستعمارية الغربية فان عقلها الاستراتيجى لايمكن ان يغفل عن التهديدات والتحديات المتعددة واستحقاقات مايجرى الآن فى المنطقة. وسيبقى ميدان التحرير رمزا خالدا لوحدة الشعب والجيش وانشودة وفاء ومجد لأرواح شهداء الثورة ..وغدا سيعلم الذين ظلموا اى منقلب ينقلبون