الأصل أنَّ القرآن غير قابل لإصابة الإنسان بالملل، حيث إنَّ نظمه وأسلوبه يجعلانه متجددًا على الدوام، فقد يقرأ الإنسان السورة أو الآية في الصباح فإذا عاد لقراءتها في المساء فإنَّه يشعر وكأنَّها قراءة جديدة، وأحيانًا يشعر الإنسان القارئ للقرآن إذا مضت على قراءته أيام وعاد إلى ما قرأ فكأنَّه لم يقرأها إلا تلك الساعة؛ لأنَّ القرآن المجيد يحرص على أن يكون جديدًا في كل لحظة، لتدوم العلاقة بينه وبين قارئه، وتستمر فلا يمله، ولكنَّ الإنسان محل النسيان، ويحب التغيير، والتنوع فيما يقرأ وفيما يسمع وفيما يشاهد، فذلك جزء من طباعه. وقد ورد أثر عن ابن مسعود جاء فيه: "ملّ أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ملة، فقالوا يا رسول الله حدثنا ..." أي تكلم معنا بشكل عادي عن أخبار الأمم خارج القرآن الكريم، فنزل قول الله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ (الزمر:23). يقول ابن مسعود: "ثم ملوا ملَّة أخرى، فقالوا: يا رسول الله "قص علينا ..." أي قصصًا مثل قصص الأنبياء وغيرهم، فنزل قوله تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ (يوسف:3). فإذا صح هذا الأثر في أسباب النزول فذلك يعني أنَّ القرآن المجيد كان حريصًا على أن لا ينشغل أحد من المؤمنين إلا به، فإذا مالت نفسه إلى الأحاديث أيًّا كان نوعها فعليه أن يقرأ أحسن الحديث كتاب الله، وإذا اشتاقت نفسه لسماع قصص أو تاريخ أمم أو أخبار الماضين، أو استقاء الدروس والعبر، فعليه بالقرآن، يجد فيه أحسن القصص. وإذا كان الإنسان باحثًا عن الإثارة، فأي إثارة أهم وأكبر من أن تقرأ شيئًا يقشعر منه جلدك ويلين، وينقلك إلى عوالم رحبة واسعة لا عهد لها بها، وذلك لئلا ينشغل المسلم بغير القرآن. ويتأكد الأمر في شهر رمضان أكثر لأنَّه شهر القرآن، وبالتالي فإنَّ هذه المسلسلات الهابطة منها وغير الهابطة والأفلام والمسرحيَّات تدخل في باب إشغال الناس عن القرآن المجيد بالذي هو أدنى؛ ليترك الناس الذي هو خير لهم في دنياهم وأخراهم، فليتقي الله جميع أولئك الذين ينفقون من رمضان إلى رمضان أعمارهم في إنشاء هذه المسلسلات لإشغال الناس عن القرآن وحرمانهم من أنواره وهدايته، وليتقي الله أولئك الذين ينفقون أموالهم وأوقاتهم في إعداد هذه الأمور، سائلين العلي القدير أن يهدينا جميعًا إلى ما يحبه ويرضاه آمين آمين آمين.