أصدق المجلس العسكرى في رغبته تسليم السلطة. وأصدق الرئيس المنتخب في رغبته تسلم صلاحياته غير منقوصة. وأصدق كل الوطنيين الصادقين منا الراغبين فى إنهاء عملية التسليم والتسلم في أسرع وقت. لكن أرجو أن نصدق جميعا التاريخ والمنطق الذي يقول أن التسليم المراسمى أو الإجرائي أو القانوني شيء، وانتقال مركز قوة الحكم و شرعيته الحقيقية من مستحق إلى مثيله شئ آخر. فمن غير الوارد أن المؤسسة العسكرية الحاكمة (وهنا لا نتحدث عن المجلس العسكرى) القائمة على السلطة بشرعية حقيقية مكتسبة من خلال قبول شعبي، تم بناؤه على مدار ستين عاما، وإن تآكل أو انحسر في أوقات، سوف تقبل أن تنقل كامل عصب سلطتها إلى مؤسسة مدنية، حتى وإن كانت مؤسسة الرئاسة ذاتها في أسابيع أو أشهر. وإن قبلت لما استطاعت. لن يحدث ذلك فى عام أو اثنين، لكنه سيبقى نضال مجتمعي فكري وثقافي قبل أن يكون سياسيا، قد يمتد من خمس سنوات إلى عشر سنوات. ولأن المؤسسة العسكرية لا ترى أنها تسلم سلطة، قدر فهمها أنها تنقل ولايتها على الشعب من داخل إطارها إلى الشعب ذاته والذي يلزم أن يثبت في المقابل قدرته على إفراز نخبة حكم مدنية جديدة منه تتجاوز النخبة الحالية التي خبرتها المؤسسة العسكرية، ولا تشعر المؤسسة بأهلية تلك النخبة. يعني ببساطة: قبل أن يفرز الشعب المؤهلين الحقيقين المدنيين القادرين علي القيام بأمره، فلن يوجد هناك انتقال حقيقي للسلطة، وسيبقى تسليما مراسميا أو إجرائيا في أحسن الأحوال. فكروا تصحوا! ***** إن شاء ولم يأبى! خطاب الرئيس المنتخب محمد مرسي اليوم يعطيه الفرصة لأن يتلمس أولى خطواته نحو أن يكون قائدا "تخلق" من رحم الثورة. هذا إن شاء هو ذلك الخير و لم يأباه لنفسه! فإنه اذا "تخلق" بقيم و"معنى الوطن" الذي يجمع ولا يبدد .. فقد شاء لنفسه هذا الخير وفاز. أما إذا أراده وطنا غير ذلك، فقد أبى وأهدر فرصة قد تكون أخيرة له وليست أخيرة للوطن..! ندعو الله أن يهيئ له من أمره رشدا. ***** التدافع المخلص هوالتوافق الحقيقي! في الحديث الذي لا ينتهي عن التوافق والاصطفاف، يخطئ من يحاول أن ينمط كل المتنوع أو ينتظر توافقا متوهما نكون فيه كلنا على رأي واحد في كل مسألة وأي مسألة فى حياتنا. فالمجتمعات الإنسانية تتوافق ولا تتفق بالضرورة. والمجتمعات الصحية تخلق التوافق الحقيقي وتحميه، لكن من خلال التدافع الوطني المخلص. رؤيتنا المختلفة للحياة، التي يريدها كل منا، سيدفع بعضها عن بعض ويكف خيرُ بعضها شرورَ بعضها الآخر. وإذا أردنا توافقا حقيقيا، يلزم أن نقر باختلافنا، ونتعلم كيف نقره ونديره، لكي نجنى ثمار تنوعنا وتدافعنا .. توافقا وقوة. ((وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)).