البعض يتعامل مع الانتخابات المصرية وكأنها دورة انتخابية في سويسرا، وكأنه يمكن العودة بكل براءة بعد أربع سنوات ببرنامج أفضل والفوز، وكأنه لا ثورة غير مكتملة (مبتسرة)، ولا عسكر مسيطرون، ولا نخب متعفنة، ولا فلول ضارية! قيمة الانتخابات والمسار الديموقراطي هي في كونها احتمالا رديفا للتخلص من العسكر ووضع مصر على سكة التاريخ. كانت قيمة الانتخابات في أنها قد ترفد ميادين الثورة، وتكمل مسارها الذي تعثر، والذي يتحمل وزر تعثره العسكر المخادعون، وآخرون التحقوا بالميادين أخيرا وغادروها أولا. بالنسبة لي شفيق هو النظام السابق، ومرسي هو معارضته التي تشكلت— رغما عنها لا بإرادتها— وفق سقفه وضمن مداه المتاح. لو كانت الثورة وصلت إلى الإخوان— كجماعة لا كأفراد على الهامش يضحون ويفرط غيرهم في تضحياتهم— لكانوا أولى بالدعم من غيرهم. ولم نتجرد من هوى التعصب، لنقع في تعصب مضاد. يعلم الله صدق قولي ويجهله الجاهلون. على كل حال، ستبقى هناك فئة تعرّف الإسلام ومصر من خلال الإخوان، بل وتطابق بينهم مطابقة تامة، وهؤلاء إخوتنا وأحبتنا، ولكن نصحهم واجب، وتنبيههم فرض. هؤلاء سيقعون فيما وقع فيه أفراد «حماس»، تلك التجربة التي وقعت في قطاع غزة على مرمى حجر من إخوان مصر، ولم يتعلموا منها شيئا كما يبدو. هؤلاء إما أن يتحولوا إلى متعصبين عميان يبررون كل ذنب، ويتفهمون كل خطأ، ويدافعون عن كل جرم، لأن من فعله جماعتهم المنزهة التي لا تخطئ. وإما أن يشكّوا بفكرهم ودينهم ويخرجوا من دائرة الإسلاميين، بل ويقعوا في براثن الإلحاد والعياذ بالله، كما وقع كثير من أعضاء الحركات الإسلامية الذين وُعدوا بالجنة على الأرض وبنزول الله وحلوله في التاريخ، ثم تبددت الوعود هباء وبقي السراب! من يريحه الشتم وينفس عن غيظه فليشتم. فأنا يعلم الله لم أدخل ساحة نقد الإخوان إلا عالما بضيق الأفق والاتهام في النوايا وسوء الظن. وأعلم أن دخول هذه الساحة خصم من الرصيد المعنوي عند كثيرين. لكن إذا لم يكن الإنسان صادقا في نقد أهله والقريبين منه، ومن يحيطون به، ومن يشاركونه التوجه الإسلامي العام، فإنه لن يكون إلا مرسخا للتعصب المذموم. وسيظل الكلام عن التنوير والتغيير والإصلاح كلاما لا يسمعه أحد، لأنه ببساطة لا يمس أحدا ولا يُشعر أحدا بأنه المقصود. وليس لي إلى غير الله حاجة ولا مذهب ولا اعتبار!