دأب نظام مبارك البائد على زراعة حقول الألغام بين مكونات المجتمع المصري على المستوي السياسي عبر تفريق المعارضة وضرب بعضها ببعض، وعلى المستوي الإجتماعي عبر تمزيق النسيج الوطني بين المسلمين والمسيحيين؛ حتي يبدو للجميع أنه هو صمام الأمان للوطن والمواطنين عبر تسويق خرافة أن المسيحيين في حال ذهابه أو سقوطه سوف يأكلون من الذئاب الكاسرة –الإسلاميين– طبعا في تصور النظام المخلوع. سقوط الخرافة دمرت ثورة 25 يناير هذه الخرافة التي عاش عليها النظام زمنا طويلا، وأظهر الجميع مسلمين ومسيحيين ترابطا وتماسكاً منقطع النظير؛ فما ظهر في ميدان التحرير من تلاحم بينهم، وما شهدته المستشفيات من مصابين من كلا الطرفين في أثناء الثورة وما ضمته المقابر من الشهداء مثل الشيخ عماد عفت والشهيد دانيال أبلغ دليل علي مدي متانة وقوة الوحدة الوطنية التي ستظل خالدة بخلود مصر الغالية. عودة الوهم سقط نظام مبارك وعائلته ولكن بقي جسم النظام يبدي مقاومة مستميتة لمحاولة الحصول علي قبلة الحياة من خلال فوز أحد رموزه في إنتخابات الرئاسة ليستأنف دورته الإستبدادية القاتلة؛ وهذه الرموز تسوق نفسها بنفس أسلوب النظام البائد تحت دعاوي" الوطن في خطر، الوطن علي وشك الإفلاس، أمامنا أيام سوداء، التحديات قاسية، الإسلاميون سيحرقون البلد، الأخوة المسيحيون مهددون، قيم المواطنة في خطر..الخ بدأ البعض دون أن يدري يروج هذه المزاعم بأن المسيحيين سيصوتون للفريق شفيق أوعمرو موسي لأنهم لن يأمنوا علي مستقبلهم في حالة نجاح أي مرشح آخر من فريق الثورة!! وتكثفت هذه الدعاية الصفراء وسط المجتمع المصري حتى بدا للكثيرين أن دخول أحد رموز النظام البائد لجولة الإعادة سيكون بفضل الصوت المسيحي !! وهذا أمر خطير سيؤثر على وحدة النسيج الوطني المصري في المستقبل. تأمين المستقبل فمن الناحية الإجرائية وارد دخول عمرو موسي أو أحمد شفيق جولة الإعادة، وسيكون ذلك عائداً لتصويت جموع من المصريين منهم المسيحي والمسلم، ولكن نتيجة للمقولة الشائعة التي يسعي شفيق وموسي لترويجها وهي أن الصوت المسيحي قد حسم صوته لصالحهم سُيحمل الرأي العام مسئولية دخول أحدهم جولة الإعادة أو نجاح أحدهم لأصوات المسيحيين فقط، وعندها سيزايد المتعصبون ويقولون أن عودة نظام مبارك لحكم مصر يتحمل مسئوليته المسيحيون وحدهم، وهذا طبعا غير منطقي ولا واقعي؛ ولكن كما تعرفون الفتن تنشأ حيث يغيب العقل ويتشوه الوجدان، لذلك أنصح إخواني المسيحيين بحكم ثقتي في وطنيتهم وحبهم لوطنهم أن يسارعوا إلي تفكيك هذه الدعاوي حرصا منهم علي مستقبل مصر والوحدة الوطنية، في ذات الوقت دفاعاً عن أنفسهم حتي لا يتحملوا وزر عمل لم يفعلوه وفق الخطوات التالية : علي رأس الكنسية الأرثوذكسية أن تعلن أنها علي مسافة واحدة من كل المرشحين وأنها لم تدعم أحد من المرشحين؛ لأنها مؤسسة روحية لاشأن لها بخيارات أفرادها السياسية كما فعلت الكنسية الكاثوليكية المصرية، ومؤسسة الأزهر الشريف،قد وردت أنباء عن قيامها بذلك لكن لم تتأكد بشكل رسمي. علي الإخوة المسيحيين أن ينخرطوا في الحملات الإنتخابية للمرشحين بقوة وبكثافة كلُ حسب ما يرغب ويؤيد فالمسيحي الذي سينتخب مثلا أبو الفتوح أو صباحي أو محمد مرسي أو غيره عليه أن يشارك في حملاتهم الإنتخابية، ويلتحم بالمجتمع وسط جو من التواصل والتألف حتي يدرك المجتمع أن الصف المسيحي ليس كتلة واحدة مصمته وإنما شأنه شأن كل المصريين فيهم المؤيد لمرشحي الثورة وفيهم المؤيد لرموز نظام مبارك. علي الجميع أن يدركوا أن مستقبل الوطن مرهون بالتلاحم المجتمعي بين المسلمين والمسيحيين ونشر روح التسامح وعدم التعصب وليس بقوة السلطة ولا سطوة القانون، وأن المستقبل هو أن ننتج نحن المصريين نظاما يقطع مع ماضي مبارك البائد، وندرك أن المجتمع يستمد قوته من ذاته وليس من الرئيس أو النظام، فبالحب تبني الأوطان.