خلق الله عز وجل مخلوقات عديدة، وجعل لها صفات متباينة. فخلق البشر والملائكة والحيوانات، وجعل لكل مخلوق منهم صفات يتميز بها عن المخلوقات الأخرى، فخلق الملائكة وهي أجسام نورانية لها صفة الطاعة المطلقة، فقال تعالى إخبارا عن الملائكة: «لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون»، وخلق الحيوانات وجعل الشهوة هى الصفة المميزة لهم، وخلق الإنسان وجعله خلق وسطي بين الملائكية والحيوانية، فيخطئ مرة ويصيب أخرى، وذكر لنا الله أن العصمة للرسل،وأفضل الرسل هو رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. فذكر الله سبحانه أن النبي الكريم معصوم فيما بلغ عن ربه، فقال تعالى: «وما ينطق عن الهوى،إن هو إلا وحي يوحى»، أما ما ذكر عن النبي (ص) أنه ينسى الآية أحيانا، فهذا ليس نسيانا مطلقا مطبقا بمعنى أنه لا يتذكرها، كلا، بل هو قد قرأها وحفظها أصحابه، ودونها الكتاب، ولكنها عزبت عنه تلك اللحظة، فوقف يتذكرها، وهذه صفة بشرية، وكان لا ينسى إلا بمشيئة الله عز وجل كما قال تعالى: «سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله»، ومما شاء الله أن ينساه الرسول الكريم ما نسخت تلاوته من آي القرآن الكريم. أما ما اجتهد فيه النبي (ص) فإنه لا يقر إلا على صواب، ولذلك عوتب عليه الصلاة والسلام في شأن أسرى بدر كما قال تعالى: «ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض»، وعوتب في شأن عبد الله بن أم مكتوم، كما قال تعالى: «عبس وتولى أن جاءه الأعمى»، فكان النبي (ص) يعلن ذلك لأصحابه، ويحفظه لهم، ويتلوه عليهم، ويتعبدهم بتلاوته، ولم يعبأ بمقالة اليهود والمنافقين، ولا باضطراب ضعفاء النفوس، لأن دين الله أعظم من ذلك كله، وهذا من أعظم كمالاته التى حلاه الله بها، فقال تعالى: «وإنك لعلى خلق عظيم»، فالمعصوم من عصمه الهل عز وجل. ويُروى في السيرة مواقف كثيرة، عوتب فيها كبار الصحابة على أشياء وقعت منهم، ولم يقلل ذلك من قدرهم عند الله عز وجل، وشهد الله برضوانه عنهم، ومنها ماحدث من عمر بن الخطاب (رض) عندما وقف على المنبر خطيبا يرغب الصحابة الكرام في عدم المغالاة في مهور النساء، فاعترضت عليه امرأة قائلة: وماذا تقول في قول الله تعالى: «وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا»، فقال عمر (رض) «أصابت امرأة وأخطأ عمر»، وكذلك ماوقع من خطأ لخالد بن الوليد (رض)، وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد"، فهذه أخطاء بشرية لا بد لها أن تقع لأن من صفات البشر الخطأ والنسيان. أما صفات الكمال فهي الصفات التي ينفرد بها الله عز وجل. لذلك ليس لأحد أي صفة من صفات الكمال المطلق إلا رب العزة تبارك وتعالى، فله صفات الخلق والأمر والقدرة، ولا يستطيع أحد من خلقه أن ينازعه فيها، وليس لأحد أن يسأله عما يفعل كما قال تعالى: «لا يسأل عما يفعل وهم يسألون». أما ما نسمعه هذه الأيام عن إعطاء صلاحيات مطلقة للجنة العليا للانتخابات الرئاسية، وعدم السماح لأحد بالطعن على قراراتها، أو مراجعتها في أي قرار يصدر منها، فهذا يضفى عليها صفات ربانية، وكأنها معصومة من الوقوع في الخطأ، وحاشا لله أن يكون لأحد صفة مطلقة من صفات الله عز وجل، فمن الصفات الملازمة للبشر الخطأ والنسيان. فبالله عليكم .. كيف توضع المادة 28 من مواد الإعلان الدستوري، ويذكر فيها أنه لا يجوز الطعن على قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، وبالتالي لا يجوز الطعن على نتيجة الانتخابات، وإن شابها تزوير. إن الذي لا تطعن على أحكامه هو الله وحده عز وجل، وذلك لأن من صفاته الحكمة المطلقة، والعدل المطلق، فعندما يقال أنه لا يجوز الطعن على نتيجة الانتخابات، فكأننا أضفينا صفة العدل المطلق -التى يتفرد بها الله عز وجل- على أفراد اللجنة العليا للانتخابات، وهذا مما لم يجعله الله من صفات خلقه. ونحن نعلم أنه توجد درجات في النظام القضائي لمراجعة الأحكام الصادرة من القضاة في القضايا ونقضها مثل درجات محاكم الاستئناف والنقض. وكثيرا ما نرى من حكم عليه بالإعدام ثم حكم له بالبراءة في الاستئناف أو النقض. فالقاضي يصدر الحكم ثم يأتي قاضي آخر، فيلغي الحكم ويحكم بغيره، فالقاضي بشر يمكن أن تتأثر عواطفه بما حوله، ولا بد من مراجعته حتى تطمئن القلوب للأحكام الصادرة، أما الذي ليس هناك تعقيب على أحكامه فهو الله عز وجل، كما قال تعالى: «لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب». وكما قيل قديما: الرجوع للحق فضيلة، فوجب علينا أن نعود إلى الحق مادام تبين لنا شبهة خطأ فيما نقوم به، فنحصل على أجر طاعتنا لله عز وجل، ونطلب من الله العفو عن أخطائنا، كما علمنا سبحانه تعالى: «ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا»، فالنسيان والخطأ من صفات البشر، ولكن الإصرار علي الخطأ يورد المهالك.