ربما لن تعجب سطورى التالية أيا من الطرفين الذين سأوجه لهم خطابي، وربما تكون سطورى أيضا مجروحة عند الكثيرين لانتمائى لجماعة الإخوان، ولكنها تعليق على مشادات يوم الجمعة الماضية، راجيا منها المساهمة في كسر حالة الاصطفاف والاستقطاب الموجود، والمستفيد الوحيد منها هم اعداء الثورة، والوحيد الذى سيتضرر منها هو الثورة التى نتحدث جميعا بحبنا لها.سطور أقرب إلى تعريف سأقدم به الاثنين فى حال اجتمعا على مائدة حوار، وبالتأكيد لا أعنى بسطورى المغاليين فى الجهتين. رفيقى الثائر ...هل تعرف من هو فرد الإخوان؟ لست أحدثك هنا عن قيادة جماعة الإخوان ولا مكتب إرشادها ولا سياسييها، ولكن أكلمك عن فرد الإخوان الذى يقف جوارك كتفا بكتف فى المسيرات، وبات لجوارك فى أيام التحرير، وحماك بجسده فى موقعة الجمل، وتقدمت أمامه فى وجه القنابل والرصاص المطاطى. الفرد الإخوني ليس بالضرورة سياسيا قادرا على التحليل وقراءة المشهد ووضع السيناريوهات وفك طلاسم المؤامرات والصفقات. هو فقط إنسان مصرى بسيط كغيره يحلم بوطن عزيز حر وله سيادة وإرادة، ويتمنى أن تتحقق نهضة هذا الوطن من خلال مشروعه الإسلامى الوسطى الحضارى الذى يرى فيه خير مصر وسعادة أهلها. يعلم أن جماعته صادقة النية مخلصة فى أهدافها، لا تبحث أبدا عن مصالح شخصية لأفرادها، وأنها قدمت الكثير والكثير من التضحيات والعذابات والشهداء على مدار أعوام وأعوام منذ نشاتها واستشهاد البنا وحتى ثورة يناير واستشهاد أبناء الجماعة. فى كثير من المواقف إذا سألته عن رأيه قبل صدور قرار الجماعة فستجده متفقا معك، ستجده تقطع قلبه كمدا وهو يريد النزول للتحرير أيام محمد محمود ومنع بحجة أن نزول الإخوان سيزيد الدماء بحورا. ستجده يرفض صارخا وثيقة عنان وينتظر الإجابات، ستجد نفسه تهفو للنزول للتحرير معترضا على المجلس العسكرى، ويهتف من صميم قلبه يسقط يسقط حكم العسكر، ويتمنى مصر قوية ويرجو لو لم تغير الجماعة موقفها وتدفع بمرشح للرئاسة. هو يتنازل عن رأيه لقرار الجماعة لأنه يثق فيها، يثق فى قيادة الجماعة بأنها صاحبة بذل وتضحيات وسجن واعتقالات أيام عبد الناصر والسادات ومبارك، وبالتأكيد فهى لن تبحث عن عرض دنيوى ولن يحركها إلا الصالح العام، ويوقن أنه ليس أهل سياسة ليقلب الأمور، وتغيب عنه كثير من المعطيات والكواليس فيرمى هذه التبعة الثقيلة لأخذ القرار على عاتق قيادته التى يحبها ويثق فيها. إن كنت رفيقى الثائر تتأذى مرة من بعض قرارات الجماعة، فإبن جماعة الإخوان يتأذى أحيانا من بعض القرارات ثلاث مرات: مرة حين يسمع القرار الذى يتمنى غيره، ومرة حين يتحمل لوم وتعنيف واتهامات هى نتائج قرار لم يشارك فى اتخاذه، ومرة ثالثة حين يدافع عن قرار هو ليس مؤمن به ولكنه بما يعتبره نبل الأخلاق يدافع عنه احتراما لما يظنه واجب الشورى وضريبة الالتزام الحزبى. يرى أنه يحصد أصوات الشعب فى الانتخابات البرلمانية والنقابية، وأن من يدعون الديموقراطية ينقلبون عليها ولا يحترمون إرادة الشعب. يُذكر أمامه الآخر فتستدعى ذاكرته بعض الشخصيات التى تستقوى بالعسكر، وترى أن حكمهم أفضل لها من حكم الإخوان، ومن يدعون لمبادئ فوق دستورية ووضعيات خاصة للجيش فى الدستور. يتعجب لدرجة تحرق كبده ألما وحسرة أن ترفع الأحذية فى وجهه ووجه جماعته وأن يسمع هتافات بإنه خائن للميدان وبائع للثورة وناسياً لدماء الشهداء، ويقُذف بالحجارة وتكسر زجاج أتوبيساته وتفتح رؤوس أطفاله وأطفال إخوانه، ويتلقى السباب بكلمات يعف لسانه عن ذكرها حتى للظلمة والطغاة، كل ذلك وهو يعلم يقينا ما فى داخله من صدق حب لهذا الوطن، وأن هذه الثورة هى حلمه الذى لم يكن يبيت لياليه آمنا خوفا من مداهمات أمن الدولة إلا بعد قيامها، وأن الشهداء الذى يتهم ببيع دمائهم إنما كان يوما بصدق –ولازال—يتمنى أن يلحق بهم شهيدا، وسقط بين يديه وأمام عينه إخوانه من شهداء الإخوان. أخى الإخوانى .. هل تعرف من هم الثوار ؟ لست أكلمك هنا عن المتلونين من بعض الشخصيات والنخب، والذين يدعون أنهم حماة الثورة وفى ذات الوقت ارتموا فى أحضان العسكر بطلبهم بقائه فى السلطة، أو بمحاولة إعطائه خصوصيات فى الدستور.هم ليسوا بالضرورة ينتمون لحزب أو أيدلوجية، فبعضهم أيدلوجيته الوحيدة هى حرية مصر، وكثير منهم لا يعرف الاشتراكية أو الناصرية أو الليبرالية أو العلمانية. كل واحد فيهم إنسان مصرى، نشأ فى جيل تمرد على وضع مصر تحت سلطة ديكتاتورية، وتحرك يوم 25 ربما استجابة لدعوة على صفحة "كلنا خالد سعيد" أو لكلمة حماسية سمعها هنا أو هناك، أو لرؤيته لما حدث فى تونس وأن مصر أولى بذلك، يؤمن أن مصر لا بد أن تستكمل حريتها لتقف على طريق الاستقلال والإرداة والكرامة. وقف بعضهم منذ قديم فى وجه مبارك صارخين فيه "كفاية"، ومنادين في "6 إبريل" بتصعيد الإضراب والعصيان المدنى فى وجهه، ومحملينه بشكل مباشر مسئولية الأحداث، فى وقت كانوا يرون فيه الإخوان برغم كل ما يتعرضون له من اضطهادات لا يتحركون للتصعيد أو للصدام، ولا يقتربون من شخص مبارك. يرون الإخوان يستغلون الدين لتسويق مشاريعهم ومرشحيهم، ويخشون أن يكون الإسلاميون أكثر ديكتاتورية من النظام الذى حلموا سنينا بإزاحته، باستخدامهم الحق الالهى فى تمرير ديكتاتوريتهم وقمعهم لمعارضيهم، فتكون الثورة قد ذهبت بديكتاتور وأتت بآخر. تعزز مخاوفهم ممارسات لجماعة الإخوان سواء مواقفها من الرأى الآخر داخلها وتعاملها مع النقد، وتصريحات بعض قياداتها ومتحدثيها التى شعروا منها بإستعلائية ونرجسية ، وقدرتهم على الاستشهاد بأحاديث وآيات إذا تغير موقفهم، ويُلبسون شوراهم وقراراتهم ثوب الربانية والوحى. يرى الإخوان يتباكون لطفل جرح رأسه ويصرخون لأتوبيس تكسر زجاجه، ولكنهم سكتوا عن الدماء تسيل فى محمد محمود، وسكتوا عن إلقاء الجثث فى القمامة حينها، ولم يحركوا ساكنا والفتاة تسحل وتعرى فى مجلس الوزراء. يؤمن أنه ورفاقه يتحركون على الأرض ويتقافزون يمينا وشمالا لفضح العسكر ولاستكمال لحرية مصر، ويحصد الإخوان بعد ذلك كل المكاسب فى الانتخابات البرلمانية والنقابات، وكأنهم يزرعون ثمن الحرية والإخوان من يحصدون ثمرتها. يرون الإخوان يسعون للسيطرة على كل السلطات البرلمان والحكومة والهيئة التأسيسية، وأخيرا خلفوا وعدهم وتقدموا للترشح للرئاسة، وفى ذات الوقت لا زالت الجماعة تؤكد أنها لا تسعى لسلطة، وكل تحركاتها هى لحصد كل مراكز السلطة. يرى الإخوان يخافون الصدام ويخاصمون الميدان، ويعودون إليه من جديد حينما يصبحوا فى خطر أو تتهدد مصالحهم، ويطلبون من الجميع التوحد معهم فيما يعتبرونه قضية الإخوان الخاصة، فى وقت كانت الإخوان تتعامل معهم بتعالى ومرة تتهمهم بأنهم يوقعون بين الشعب وقواته المسلحة، وأخرى تسكت عن اتهامات العسكرى لهم وحبسه لنشطائهم، وثالثة يرونها تتهمهم بانهم أناريكون فوضويون أو "بانديتيون" مخربون. نزل وقدم دمه فى يوم 25 يناير وفى يوم 28 وظل متقدما الصفوف مقدما روحه فى محمد محمود ومجلس الوزراء، ولا زال على استعداد لتقديم روحه لتتحرر مصر، وتفقأ عينه وتكسر عظامه، وفى ذات الوقت يتهم بأنه يبحث عن مصلحة شخصية وأنه يسعى لل"شو" الإعلامى. ربما أردت التصفيق حينما قرأت ما كتبته عنك، وتمنيت لو رفعت حذاءك فى وجهى حينما قرأت ما كتبته عن الآخر، ولكن هذا حقا ما أعرفه عن هؤلاء وهؤلاء، حاولت أن أكون محايدا حتى فى عدد الكلمات التى كتبتها فى كل تعريف، وأتمنى إن كنت صدقتنى فى نصف المقال فصدق نصفه الآخر، ليس لتغير رأيك فى الآخر، ولكن لتعرف كيف يفكر علك تقدر مواقفه، ولعلنا نبنى على ذلك لما هو قادم وتحتاج فيه مصر من جديد لوحدتنا.