كتبت - رماح مفيد: فلسطينيو ال«48»، فلسطينيو الداخل، فلسطينيو الخط الأخضر، الفلسطينيون في إسرائيل، العرب في إسرائيل.. أنا من هؤلاء الذين تقوقعوا حد الاقتناع بأنهم أقلية في شرق أوسط عربي! تصنيف ذاتي وتعريف يختلف من مكان لآخر، ولأن هذه التعريفات تتقاطع مع تعريف الدولة لذاتها، على أنها دولة يهودية ديمقراطية، فأنا ومليون و200 ألف إنسان آخر مثلي سقطنا سهواً من جميع التعريفات والخرائط. بموجب قانون الجنسية في "إسرائيل" فإن سبب حصولي على هذه الجنسية هو أن أبي ولد في عام "النكبة" وأمي ولدت بعد ذلك بأربع سنوات فكنت أنا وإخوتي، ومثلنا مليون و200 ألف إنسان انطبق عليهم قانون الجنسية الذي شملنا فقط بسبب أجدادنا الذين ظلّوا من القلة القليلة في البلاد ونحن أحفادهم! هذه شروط الحصول على الجنسية الإسرائيلية، فينالها من ولد في فلسطين التاريخية، وما يسمى الآن "إسرائيل"، أو من ولد بعد النكبة، وبلغة القانون السائد "بعد قيام الدولة" ولم يحصل على جنسية أخرى وكان مواطناً إسرائيلياً. وهنا مفارقة أخرى، تحاول "إسرائيل" من خلالها زيادة عدد مواطنيها ذوي البشرة البيضاء أي "الأشكناز"، إذ تسمح لهم بالحصول على هوية مزدوجة، جواز سفر أجنبي وآخر إسرائيلي الأمر الذي يحرم منه باقي مواطني الدولة. وإذا ما نظرنا للقانون بعمق فإننا سنكتشف أنه مخصص بالأساس للعرب، لسلبهم الهوية الإسرائيلية، التي هي الوثيقة الوحيدة التي تمنحهم حق التواجد في بلادهم، وحدهم الأشكناز الذين يفضّلون الإبقاء على هويتهم الأجنبية، لما تمنحه لهم من امتيازات، على خلاف من تبقى من الفسيفساء البشري الذي يدعي اليهودية في معظمه، وليس سراً أن معظمهم يفضلها على الهوية الإسرائيلية ولكن لأن "إسرائيل" تسعى دوماً لاستقطابهم فإنها تنسق قوانين تناسبهم، وتناسبها أيضاً، لتسلب الفلسطينيين من "مواطنيها" كل أسباب الوجود (القانوني وفق شريعتها). إنها حلقة أخرى من مسلسل "التهجير القسري" الذي يتعرض له الفلسطينيون في هذه البلاد وإن تعددت أشكاله، وهي في ذلك تحاول إنقاذ نفسها من "خطر المد الديمغرافي" وهو ارتفاع عدد السكان العرب في البلاد لأن العرب ينجبون أطفالاً أكثر من اليهود، بل إن الفلسطينيين في الداخل ترتفع نسبة الشباب بين أبنائهم مقابل المكون البشري اليهودي الذي يشيخ، نظراً لأن اليهود لا ينجبون أكثر من طفلين في أغلب الحالات. ومن ضمن سلسلة القوانين التي تستخدمها "إسرائيل" لتحصين هيكل دولتها المتهالك كان قانون العودة الذي سنّ عام 1950، والذي يشمل فقط من أتوا ليؤسسوا وطنهم على جثث من قُتل من أجدادنا وفي بيوت من هُجِّر منهم، بل إن "إسرائيل" خصتنا بقانون معاكس، وهو قانون المواطَنة بمفهومها، وقانون منع لم الشمل بالمفهوم الفلسطيني. وبدا واضحاً قبل بضع سنوات أن حواجز جيش الاحتلال، وحدود جغرافية وهمية تبدأ من "الخط الأخضر" ولا تنتهي؛ لم تكن كافية لمنع امتداد الطبيعة، وإقناع الفلسطينيين بين هنا وهناك في الضفة أن عليهم تصديق أنهم يعيشون ضمن منظومة سياسية مختلفة، أولها أننا حملة الهوية الزرقاء وأنهم هناك حملة هويات خضراء وبرتقالية. كان لا بد لها من وضع قوانين لمنع هذا المد البشري، الذي وصفه شارون ذات مرة بأنه تطبيق حقيقي لقانون "حق العودة"، فكان أن سن قانون المواطَنة الذي يمنع الشبان (مواطني إسرائيل) من الزواج والإقامة في الدولة العبرية مع الزوج أو الزوجة التي يختارونها إذا كانوا فلسطينيين من الضفة والقطاع. ورغم أن هذا القانون يتعارض مع القانون الأساس لحرية الإنسان ورغم اعتراض خمسة من قضاة محكمة العدل الإسرائيلية عليه من أصل أحد عشر قاضياً، من قضاة محكمة العدل العليا؛ إلا أنه تم سن هذا القانون وهو ساري المفعول منذ عام 2003، بموجبه يُسمح لم الشمل لمن تجاوز عمره من الرجال سن ال35 عاماً ومن الإناث سن ال25 عام فقط. وفق الإحصائيات الأخيرة فإن القانون يمنع 130 ألف أب وأم فلسطيني الهوية، وقع أحدهم خارج "الخط الأخضر" والآخر داخله، من لم شمل عائلاتهم حيث يضطر الأب إن كان من الخارج للقيام بزيارات مكوكية وغير قانونية لعائلته، وإن اعتُقل في إحدى هذه الزيارات – وغالبا ما يحدث- فإنه يوضع في السجن ستة أشهر ويدفع غرامة مالية تصل الى بضعة آلاف من الشواقل، يطيب لي أن أسميها غرامة الانتماء. هو صراع البقاء إذن.. الصراع من أجل الحصول على الهوية، وإن كانت هذه الهوية تلزمنا هنا، ونصارع لأجلها في مواقع مختلفة داخل فلسطين التاريخية بفعل الاحتلال وبهدف البقاء؛ فإننا بسببها أيضاً نُمنع من زيارة معظم الدول العربية، التي تقف موقف العداء من "إسرائيل" وهي بالتالي تشملنا كضحية وجاني في الوقت ذاته، فإن كانت "إسرائيل" ترى فينا خطراً ديموغرافياً، فإن الدول العربية ترى فينا خطراً أمنياً، ولم تتكلف الأخيرة عناء التعريف بنا فكيف لها أن تسمح لنا بدخولها؟. وحدها السعودية تسمح لنا بدخولها لأداء فريضة الحج والعمرة، وذلك بعد أن نستبدل هوياتنا الزرقاء في الأردن بجوازات سفر أردنية مؤقتة بهدف أداء فريضة الحج، وإن كنت أسأل نفسي وأنا أكتب هذه السطور: مَن غيرنا يُمنع من زيارة هذه الدول إذا كانت الإسرائيليون يدخلون إلى أي مكان يريدونه بجوازات سفر أمريكية؟! وأخيراً أختم بقانون المهزلة.. كما يطيب لي أن أصفه، وهو قانون "حمل الهوية"، فمثلاً إن أوقفك شرطي ولم تكن بحوزتك الهوية - حتى وإن منحته رقم الهوية وأنت تعلم أنه بواسطة جهاز الحاسوب في سيارته أو عبر الخلوي الذي يحمله يمكنه التأكد من شخصك - فإنك تغرّم بغرامة مالية مقدارها 500 شيكل (حوالى 150 دولاراً أمريكياً). وأخيراً إن كانت "إسرائيل" تستخدم جهاز التعليم لصهر هوية مشتركة للفسيفساء البشري فيها –غير العرب- لخلق عامل مشترك بينهم، عنوانه العريض "الخوف من العرب"، وبالتالي شرعنة قتل العربي والفلسطيني، كما كُشف مؤخرا في أبحاث إسرائيلية، فإنها خصّصت جهاز التعليم العربي في البلاد لتعزيز الانتماءات الطائفية والدينية لتفرق بيننا. وهي في الوقت ذاته تسلبنا حق معرفة تاريخنا الوطني أو دراسة الأدب العربي الذي يعزز الانتماء لهويتنا العربية والفلسطينية، ورغم ذلك فإن الفلسطيني وهو يحيي الذكرى الرابعة والستين لنكبته فإنه لا يزال يتمسك بهويته ولا يزال قادر بعد على خلق تاريخ جديد استمرار لتاريخ الأجداد لا بديل له، بداية من يوم الأرض وصولاً إلى هبة القدس والأقصى، كلاهما أثبت أن الهوية الفلسطينية تنموا في داخلنا لا على الأوراق القانونية!. التقرير ينشر بالتزامن مع "الجزيرة توك"