كثيراً ما يشكو الآباء والأمهات من إفراط أبنائهم في ممارسة ألعاب الفيديو، إلى حد ما يصفونه "إدماناً" بسبب العطب الذي يحدثه في حياتهم ونفسيتهم وعلاقاتهم بأسرهم وأدائهم الدراسي والاجتماعي والرياضي، وهو توصيف كان يتحفظ عليه بعض من الإخصائيين في الصحة النفسية والعقلية الذين يطبقون معايير محددة في تشخيص وقياس حالات الإدمان، وصولاً إلى علاجها، وفقاً لبروتوكولات وأساليب العلاج السائدة في أوساطهم. بيد أن دراسة جديدة، أجراها باحث أكاديمي مختص بسيكولوجية الإدمان، ومهتم بأثر وسائط الإعلام على الأسرة، قدمت دليلاً علمياً على وجود أنماط باثولوجية مرضية للإدمان على ممارسة ألعاب الفيديو، تحاكي أشكال الإدمان المعروفة الأخرى، بين أفراد عينة تمثل الشبان الأميركيين من شريحة المراهقين والأطفال، مما يعطي صدقية إضافية لادعاءات الأهل حول ‘إدمان' أبنائهم لألعاب الفيديو. استخدم الباحث نتائج استطلاع قومي أجرته مؤسسة هاريس الأميركية لأبحاث الرأي العام بين عينة ممثلة لشريحة الشبان والمراهقين، وقد شمل الاستطلاع حوالي 1200 فرداً مستطلعاً، تتراوح أعمارهم بين الثامنة والثامنة عشر عاماً. معايير اللعب المرضي ووفقاً لنتائج هذا الاستطلاع المسحي القومي لهذه الفئة العمرية، وجد البروفسور دوغلاس جنتايل، أستاذ علم النفس المساعد بجامعة أيوا، أن حوالي 8.5 بالمائة من الشبان المشاركين في العينة المستطلعة، هم لاعبون مدمنون، طبقاً لمعايير تعريف القمار المرضي المعتمدة، مما يدمر حياتهم الأسرية والاجتماعية والمدرسية والنفسية، نظراً لعاداتهم الإدمانية في ممارسة ألعاب الفيديو. يشير البروفسور جنتايل، وهو يشغل أيضاً مدير وحدة الأبحاث في المعهد القومي للإعلام والأسرة بمدينة مِنيابوليس بولاية منيسوتا، إلى أنه رغم استخدام الجمهور لتعبير "إدمان"، فقد درج المعالجون والأطباء والإخصائيون بعلم النفس غالباً على توصيف هذه الحالات باعتبارها "استخداماً باثولوجياً" أي مرضياً. (الباثولوجيا هي علم دراسة وتشخيص الأمراض). بيد أن هذه الدراسة هي أول دراسة تسجّل أن الممارسة الباثولوجية المرضية (الإدمانية) لألعاب الفيديو بلغت واحداً من بين كل عشرة شبان تقريباً. والمقصود بالاستخدام الباثولوجي لألعاب الفيديو، ما يفعله الشخص بهذه الألعاب إلى درجة أن تدمر وظائف حياته وأنماط معيشته وسلوكه. وهذا يتجاوز بالطبع مجرد الإكثار من ممارستها إلى إيذاء حياة هذا الشخص بطرق متعددة. أعراض الإدمان القياسية قام الباحث بإجراء تحليل لبيانات أو معطيات استطلاع هاريس الذي كان قد أجري بمطلع عام 2007، وعقد مقارنة ‘تشخيصية' لعادات اللاعبين المستطلعين حول ممارسة ألعاب الفيديو بأعراض الإدمان المعتمدة أكاديمياً ومهنياً في "الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية في حالات القمار المرضي". وبحسب هذا المرجع المعتمد، يتم تصنيف اللاعبين علمياً أو طبياً كحالات "باثولوجية" مرضية إذا ظهرت عليهم ستة أعراض من إجمالي أحد عشر عرضاً. فمثلاً، ظهر أن اللاعبون المدمنون المستطلعون يمارسون اللعب لمدة 24 ساعة أو أكثر أسبوعياً، أي ضعف متوسط مدة لعب غير المدمنين. كما يقتني هؤلاء المدمنون غالباً أجهزة ألعاب فيديو بغرف النوم، ويعانون أيضاً مشكلات عدم الانتباه بفصول الدراسة، ويُحصّلون درجات أو تقديرات مدرسية متدنية، ويعانون من مشكلات صحية أكثر من غيرهم، كما أنهم أكثر تعرضاً للشعور بالإدمان وارتكاب السرقة لإرضاء رغباتهم وعاداتهم الإدمانية. من جهة أخرى، وجدت دراسة البروفسور جنتايل أن اللاعبين المدمنين أكثر تعرضاً أو احتمالاً بالضعف لأن يُشخصوا أيضاً بمشكلات عدم الانتباه، كاضطراب نقص الانتباه أو اضطراب نقص انتباه مترافق مع فرط النشاط. من جانبه، فوجئ الباحث بهذا الكم الكبير نسبياً من الشبان الصغار الذين أظهروا أنماطاً مرضية لممارسة ألعاب الفيديو، وتنطبق عليهم معايير وسمات الإدمان. وكان الدكتور جنتايل قد بدأ الاهتمام بدراسة إدمان ألعاب الفيديو في سنة 1999 لأنه ابتداءاً لم يكن مقتنعاً بوجود ذلك الإدمان. في سياق هذه الاهتمام، شارك الباحث في تأليف كتاب أكاديمي بحثي حديث يتناول مشكلات الصحة النفسية ذات الصلة بألعاب الفيديو بين الأطفال والمراهقين، وصدر بعنوان "تأثيرات ألعاب الفيديو العنفية على الأطفال والمراهقين: النظرية والأبحاث والسياسة العامة"، الناشر: مطبعة جامعة أكسفورد، 2007. الأساس المرضي المشترك افترض الباحث أن الآباء والأمهات أطلقوا على هذا الاختلال السلوكي ‘إدماناً' لأنهم لم يفهموا لماذا يقضي أطفالهم وقتاً طويلاً في اللعب. لذلك، عمد الباحث إلى استخدم مقاييس القمار المرضي وكيفية إضراره بحياة المقامرين المدمنين، وفوجئ بأن عدداً كبيراً من اللاعبين يرقى سلوكهم لمستوى الإدمان المرضي. يرى البروفسور جنتايل أنه برغم ما قدمته هذه الدراسة من أدلة علمية إضافية صلبة على وجود حالة "إدمان" لألعاب الفيديو بالمعنى الأكاديمي، لا تزال هناك حاجة مؤكدة لمزيد من البحث والدراسة، لأجل تحديد أو الوصول إلى أفضل سبل العلاج. بالنسبة لهذا الباحث، لا يزال هناك الكثير مما ينبغي استكشافه. فليس معروفاً بعد من هم اللاعبون الأكثر تعرضاً لمخاطر واحتمالات الوقوع في شَرَك الإدمان، وما إذا كان ذلك جزءاً من نمط مرضي أوسع يضم اضطرابات عقلية أو نفسية أخرى. أهمية ذلك أن بعض هذه الاضطرابات تشترك مع غيرها في أساسها المرضي أو ما يسمى بالمشترك الاعتلالي (co-morbidity). فمثلاً، قد يكون إدمان ألعاب الفيديو عرضاً من أعراض مرض الاكتئاب، أو نتيجة اضطراب نفسي آخر. لذلك، يحتاج الإخصائيون والمعالجون لفهم هذا النمط من الاعتلال المشترك بين الحالتين، لأن ذلك من شأنه أن يساعد في تحديد كيفية التعامل مع الإدمان. يُذكر أن هذا الباحث لا يزال يواصل دراساته في هذا المجال البحثي، ويجري حالياً دراسات طولية وسريرية للوقوف على عوامل ومخاطر الإصابة والأعراض الموجودة لدى الشبان الذين يمارسون اللعب المرضي. ويشار إلى أن حصيلة هذه الدراسة قد قبلت للنشر بدورية "العلوم السيكولوجية" المتخصصة.