تظل الحالة المصرية هي الأكثر تأثيرا وتحديدا لمسار موجة الثورات العربية، نظرا للثقل الديموجرافي لمصر من ناحية، ومن ناحية أخرى لوجود كافة تفاصيل المجتمعات العربية بشكل ما داخل مصر، من اسلاميين إلى قيادة عسكرية تحاول الحفاظ على وضعها، وانتخابات يختلف على شرعيتها وجدواها الكثيرين، وحراك يومي في الشارع. و نحاول هنا قراءة ما يحدث على الساحة المصرية عبر محاورة اثنين من الأكاديميين من داخل وخارج مصر. أولهما رباب المهدي أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الامريكية بالقاهرة والتي ترفض ترديد مقولة "سنة على الثورة"، وتستعمل في حديثها مقولة "سنة من بداية الثورة"، لأن هناك فارق كبير بالنسبة لها بين الجملتين، إذ توحي الأولى بأن الثورة بدأت وأنتهت، ونحن الان نحتفل بذكراها، ولكن بالنسبة لها الثورة لم تنته حتى نحتفل بالذكرى، وتصور أن الثورة كانت فقط في الثمانية عشر يوما الاولى فقط هو تصور ساذج ولا تاريخي، وأيضا لا سياسي، لأنه لا يوجد ثورة في التاريخ تستمر 18 يوم فقط، تحتاج الثورة لسنوات حتى يمكن أن تتكلم عن ما بعدها. رباب عندما اصدرت كتابها "مصر أوان التغيير" في 2006 نالت قدرا من السخرية من الوسط الاكاديمي حيث توقعت رباب أن تفرز الحركات الاحتجاجية التي كانت تحدث ساعتها تغييرا كبيرا يطيح بالنظام الحاكم في مصر، لكن بدا هذا أمرا بعيد المنال وسط الحالة القمعية التي كانت تسيطر على مصر. رباب ليست مجرد أكاديمية تعمل في مكتب مغلق، ولكنها ناشطة ايضا تعمل على الارض، وحاليا تعمل مع مجموعة من الناشطين الاسلاميين المستقلين على تطوير مفاهيم خاصة لما يمكن تسميته باليسار الاسلامي المصري. وثانيهما هو جينارو جيرفازيو الأكاديمي الإيطالي، وأستاذ درسات الشرق الأوسط بالجامعة البريطانية بالقاهرة، الذي يحاول طوال الوقت البحث عن المناطق المسكوت عنها في الحالة المصرية، عندما اراد إعداد أطروحته لنيل شهادة الدكتوراه، كان كل زملاءه يعملون من زوايا مختلفة على الحركات الاسلامية، كشكل وحيد للمعارضة في الدول العربية والاسلامية، ولكنه اختار العمل على تاريخ الشيوعيين كفئة معارضة تمتلك تصور للعالم يبدو اوسع بالنسبة له من تصور الاسلاميين واختار ايضا فترة السبعينات التي لم يحاول احد فتح ملفاتها من قبل، ليصدر كتابه بالعربية العام الماضي بعنوان "تاريخ الحركة الماركسية في مصر 1967 – 1981"، كأول دراسة شاملة لتاريخ اليسار المصري في تلك الفترة، على ان أهم ما يميز عمل جينارو سواء البحثي أو في دراساته ومقالاته هو تخلصه من النزعة الاستشراقية التي تصاحب أعمال الكثير من الباحثين الأوروبيين والأمريكيين، إذ يعمل جينارو بحب كبير لمصر وفهم عميق لخصائص حركة تاريخها. عندما كان جينارو يتحدث معي لم يكن يستعمل كلمات مثل "المصريين" أو "المجتمع المصري" ولكنه كان يتحدث ب"نحن" عندما يتحدث عن المصريين أو عن الثوار، وجهة نظر جينارو الآن تبدو مهمة إذ هو على احتكاك بالمقولات الدائرة في الاوساط الغربية عن الثورة المصرية، وايضا لمتابعته تفاصيل ما يحدث باهتمام، وبحب وهذا هو الاهم. ربما تقدم قراءة جينارو جيرفازيو، ورباب المهدي، قراءة مختلفة لما يحدث في مصر، قراءة تستوعب تفاصيل الداخل وأيضا الموقع الذي تقف فيه الثورة المصرية على الخريطة العربية والعالمية. كيف ترون التغيرات التي حدثت في مصر بعد عام على بداية الثورة ؟ جينارو جيرفازيو: لو نظرت فقط إلى القمة سيبدو الامر كما كان من قبل الثورة، تفاوضات ما بين المجلس العسكري والاحزاب القديمة والجديدة، وتحالفات، وصفقات سرية، مع الفارق أنّه بدلا من وجود مبارك يوجد تسعة عشر جنرالا.بينما الفارق الجوهري الذي أحدثته الثورة يظهر على مستوى الشارع ليس فقط في ميدان التحرير والميادين الأخرى ولكن هناك تعامل جديد تماما ما بين المواطن العادي والدولة، هناك حركة اضرابات واعتصامات واسعة النطاق في القطاع العام بشكل لم نره من قبل. فالاهتمام الشديد للتظاهر من جديد في 25 يناير الماضي دليل على قوة سياسة الشارع، وتعثر سياسة النخبة. وما أقصده ب"سياسة النخبة" و "سياسة الشارع" هو السياسة الأولى بمعنى الانتخابات والأحزاب سواء القديمة أو الجديدة أو ما بينهما - مثل "الحرية والعدالة" الذي يفترض أنه حزب جديد ولكن الاخوان جماعة قديمة- والسياسة الثانية أقصد بها ما يتم على الأرض من تظاهرات في الميادين أو حركات احتجاجية في مواقع الانتاج المختلفة. رباب المهدي: هناك حالة من الفوران الصحي فلأول مرة منذ قرون تدخل الجماهير المعادلة السياسية، ولا تصبح السياسة قاصرة على ما يسمى "السياسيين" سواء نظام أو معارضة، ويصبح للجماهير وجود عن طريق التظاهرات في الميادين، والاضربات والاعتصامات، والانتخابات، الآن تستطيع أن تتكلم عن شارع سياسي وفعل جماهيري وهذا هو أهم إنجاز للثورة. اللاعبون ولكن إذا تحدثنا عن اللاعبين الأساسيين على الساحة كيف تصنفيهم؟ رباب المهدي: هناك ما يسمى ب"القوى السياسية" المتمثلة في الاحزاب والائتلافات وقادة الرأي العام والشخصيات العامة، وهناك جماهير جزء منها مشتبك في إطار القوى السياسية، وجزء أخر غير مشتبك مع تلك القوى ولكنه يشتبك مع الفعل السياسي سواء برأي، أو بتواجد في الشارع، أو عبر الانتخابات، أو عبر الاحتجاجات الاجتماعية المحلية مثل قطع طريق السكك الحديدية، أو المشاركة في إضراب أو اعتصام. والطرف الثالث هو المؤسسة العسكرية وبقايا النظام، هناك تحالفات طوال الوقت، ومسارات تتقاطع ما بين هذه الأطراف، وأحيانا تتقابل، وفي أحيان أخرى تتناقض. ولكن بشكل اساسي التناقض هو ما بين المؤسسة الحاكمة بشكل عام وبين الأطراف السياسية. الفعل الجماهيري له منطق مختلف، احيانا يتعارض مع التقاء المؤسسة الحاكمة والقوى السياسية، وفي أحيان أخرى يتفق معه حسب منطق حركته هو وليس العكس، فهناك تصور خاطىء أن المجلس العسكري يجري صفقات مع أطراف سياسية بعينها وبالتالي هذه الاطراف تقوم بتدجين الجماهير، هذا تصور خاطئ. الحقيقي هو أن المجلس والمؤسسة الحاكمة بشكل عام تعقد اتفاقاتها مع قوى سياسية بعينها عندما يتفق مسارها مع هذه القوى، والجماهير حسب تقديرها لأجزاء من الاتفاق بمنطقها الخاص – وليس بمنطق الاتفاق – فأحيانا تعطي صك الغفران والموافقة لهذا الاتفاق، وأحيان اخرى لا. فالانتخابات البرلمانية مثلا سبقها اتفاق بين جزء كبير من القوى السياسية وبين المؤسسة الحاكمة على أهمية إجراء الانتخابات، والجماهير أعطت موافقتها لهذا الاتفاق ولكن من منطقها الخاص، فالقوى السياسية تريد الوصول للحكم، والمجلس يريد تدجين الفعل الثوري، الجماهير وافقت على هذا الاتفاق بمنطق له علاقة بإرادة التغيير. الرابحون جينارو جيرفازيو: لا يود الكثير عند الحديث عن المكتسبات التي حققتها الثورة أن يتحدث عن "الجانب الآخر" فبالتأكيد قيادة الجيش ربحت الكثير من الثورة، فالآن بات معروفا أن العسكر كانوا ضد مخطط التوريث، وأذكر أنه قبل عام كنت أفكر في رد فعل قيادات الجيش في حال مضى مبارك في مسلسل توريث نجله، خاصة بعد التزوير الكامل لانتخابات 2010، وتحفظ الجيش لم يكن مرده كما يقول البعض بشكل سطحي أن جمال ليس عسكريا، فقيادات الجيش حاليا ليسوا عسكريين بمعنى قادة حروب، بل هم شيء آخر، فمنذ نهاية عصر السادات وخلال عصر مبارك كله أبعدت القيادات العسكرية عن السياسة، خصوصا بعد المشير أبو غزالة الذي يمكن اعتباره القائد العسكري الاخير الذي كان له دور سياسي، وهو ما اعتبره مبارك منافسة فأزاحه، وبعد ذلك تحولت قيادة الجيش إلى ما يشبه مجموعة تدير شركة، وتهتم بالحفاظ على المكاسب أكثر من ممارسة السياسة مباشرة. ومعارضة الجيش للتوريث كانت بشكل أساسي لأن جمال ومجموعته شكلوا نخبة غير تقليدية متأثرة بالعولمة، وتعمل على تطبيق وصفات الليبرالية الجديدة، من أواخر التسعينات، ومع 2003 – 2004 بدأ هذا التطبيق يأخذ شكلا سافرا، وبالتالي بدأ يؤثر على وضعية تلك القيادات. الأن نجح الجيش في كسر هذه الخطة، بمعنى آخر استطاع العسكر تغيير المرشح المقبل للرئاسة بدون تغيير حقيقي للنظام. ولكن إذا كانت قيادات الجيش قد ربحت التخلص من مخطط التوريث فمن ناحية أخرى التدخل في الشأن السياسي بدون خبرة أو تخطيط له مشاكل كثيرة كما يظهر من أداء المجلس خلال العام المنصرم. فريق آخر ربح من الثورة وهم الأخوان الذين استطاعوا بعد عقود من العمل غير الشرعي، الحصول على الشرعية ودخول البرلمان، وايضا بروز التيار الإسلامي الأكثر تشددا وهم السلفيين وهو ما بدا مفاجئا للبعض الذين ظنوا اختفاء هذا التيار خصوصا بعد حربهم الطويلة ضد الدولة منذ نهايات عصر السادات وحتى حادث الأقصر في أواخر التسعينات. خسائر ثورية إذا تحدثنا عن الخسائر..هل ترى أن الجماهير أو الشارع خسروا شيئا خلال هذا العام؟ جينارو جيرفازيو: بالطبع..في الأيام الأولى وحتى آخر فبراير كانت سياسة الشارع الثورية هي المسيطرة على البلاد، ولكن التفّ قادة الجيش على هذه الحالة بالاستفتاء...الذي كان أول كسر للحركة الجماهيرية، لأننا كنا نمرّ بما يسمى الشرعية الثورية وليس شرعية القانون، والشرعية الثورية تتيح لك مساحات أوسع لتغيير النظام القديم، لذلك كنت أقول في الخارج وقتها إنه يجب رفض الاستفتاء حتى لا تكسر الشرعية الثورية، والشرعية القانونية يمكن أن تأتي بعد فترة، فمثلا محاكمة مبارك بالشرعية القانونية من الممكن ان تنتهي ببراءته بينما الشرعية الثورية أمر مختلف، ونتائجها أكثر حسما وحدثت في كل الثورات الكبيرة بعيدا عن القوانين والدساتير الموضوعة في النظام السابق الذي خرجت الثورة ضده بالأساس. فاستطاع المجلس العسكري عبر الاستفتاء كسر طريق التحول الثوري، وهذا امر قابل الحدوث ولكن في مصر وقع مبكرا جدا. الأمر الثاني الذي كسر به المجلس الحالة الثورية هو خلق حالة من الاستقطاب بين الاسلاميين والمدنيين، بالطبع التناقض موجود من قبل ولكن مع الاستفتاء تجذر هذا الاستقطاب تماما، فالإسلاميون انسحبوا من الميادين وفضلوا شرعية القانون. والثوار شاركوا أيضا على قدر استطاعتهم، ولكن المشكلة في الاستفتاء لم تكن "لا" أو "نعم"، ولكن في الاستفتاء هو نفسه الذي كان يجب رفضه آنذاك، والمضي قدما قدر المستطاع في الشرعية الثورية. بالطبع أنا أتكلم كباحث وهو وضع يختلف عن الواقفين في الميادين، ولكن من مارس الماضي رأينا كيف انسحب الإسلاميون وفضلوا الجري وراء الحملة الانتخابية. وهكذا خرجنا من الحالة الثورية للجماهيرية، لنرجع مرة أخرى الى سياسات النخبة، بالتأكيد هناك اختلاف، فعدد الناشطين قبل الثورة لا يقارن بعدد لن أقول بعدد المسيسين ولكن المتعاطين مع الشأن السياسي، ولكن العامل الأساسي في الحالة المصرية الذي يمنع إصدار أحكام هو أن الوضع لازال يتحرك ومن الصعب تماما القول ان الثورة انتهت، وأيضا يصعب التنبؤ بما هو قادم، ولكن يمكن القول بثقة أن الثورة بتفاعلاتها لازالت مستمرة. رباب المهدي: لا أظن ذلك مطلقا..هناك تصور مفاده أن الثورات تأخذ منحى صاعدا طوال الوقت وفي خط مستقيم وهذا ليس حقيقيا، طوال الوقت هناك تقدم وعثرات، وصعود وهبوط، وهذه العثرات تتحول إلى مخزون خبراتي ينطلق منه الناس فيما بعد. بالطبع هناك مشكلة أساسية وهي غياب النتظيم الجماهيري الثوري، مازال التنظيم الجماهيري الوحيد هو التنظيم الموجود قبل الثورة وهو القوى الاسلامية وهذه القوى محافظة وبالتالي غير قادرة على قيادة ثورة، والقوى الثورية لم تستطع أن تنظم نفسها والجماهير من ورائها بحيث يصبح فعلها أكثر تأثيرا، ومفتاح نجاح هذه الثورة يكمن في هذه النقطة، فهل ستستطيع القوى الثورية تنظيم نفسها من أجل خوض معركة طويلة النفس وليس اعتصام لمدة عدة أيام..هذا سؤال، وإن ظلت القوى الأكثر تنظيما هي القوى الإصلاحية المحافظة التي ستحدث صراعات وعثرات لكن نتيجتها النهائية لن تكون في حجم تطلعات أو امكانيات هذه الثورة. رباب المهدي: هذا سينتج إصلاحات في الأخير، بالتأكيد هناك تغيير جذري قد حدث، وهناك إمكانيات لتغيّرات جذرية حتى تحت قوى إصلاحية مما يمكن أن ينتج شكل نظام سياسي مختلف تماما، ولكن الثورة بالتعريف تسعى لاحداث تغيّر في هياكل القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن لم تستطع القوى الثورية تنظيم نفسها، فلن يحدث هذا التغيير الهيكلي لصالح هذه الجماهير. المرحلة الساخنة في ظل هذا الوضع كيف ترون القادم؟ رباب المهدي: بداية دعنا نقول إنه في الحالات الثورية من الصعب جدا التنبؤ بما سيحدث، لأنّ في مثل هذه الحالات ما يحكم الموقف هو الفعل الجماهيري، وهذا الفعل له منطق مختلف غير قابل للتنبؤ على عكس مثلا ما يسمى بالانتقال الديموقراطي التفاوضي، في هذه الحالة لديك المؤسسة الحاكمة والقوى السياسية يتفاوضون معا ومن الممكن ساعتها قراءة تصرفات الطرفين والتنبؤ بما يمكن أن تفعله الاطراف المختلفة، فمثلا لو كنا في حالة انتقال ديموقراطي كان من الممكن القول إن القوى الأكبر هي قوى محافظة مثل الاخوان المسلمين وبالتالي يمكن توقع مجموعة أمور، لكن الجماهير الآن هي أحد أطراف المعادلة المصرية، ولا يستطيع أحد ادعاء السيطرة على هذه الجماهير، وبالتالي هذا يصعب عملية التنبؤ بما سيحدث. لكن ما أراه له علاقة باستمرار هذا الفعل الجماهيري، فالتصور المنتشر الآن عند القوى السياسية المؤطرة في أحزاب، والمؤسسة الحاكمة أن الانتخابات ستكون هي البديل للفعل الجماهيري، وهذا تصور قاصر فالانتخابات ستكون جزءا من أشكال المشاركة المتعددة للجماهير، وبالتالي ستكون هناك فورات وأشكال من التدخل الجماهيري تغيّر الحسابات طول الوقت، فالتسلسل المنطقي الخاص بإقامة انتخابات مجلس الشعب التي سيتبعها انتخابات رئاسية وصولا الى "الاستقرار" لن يحدث، فنحن أمامنا من ثلاث إلى خمس سنوات من الحراك الواسع، ونتيجة الثورة ستحسب كمحصلة نهائية لهذا الحراك بأشكاله المختلفة من انتخابات الى احتجاجات. لذا يبدو تصور أن الإسلاميين بعد أن يحققوا الأغلبية في البرلمان ستصبح بأيديهم مقاليد الحكم يتصرفون به كما يشاؤون هو تصور بالغ السذاجة، ربما كان هذا ممكنا في حالة الانتقال الديموقراطي التفاوضي، ولكن في الظرف الحالي لا يمكن، بل إني أتصور أن البرلمان القادم لن يكمل مدته، وأيضا الرئيس القادم لن يكمل مدته الرئاسية. جينارو جيرفازيو: كنت أتوقع أحداثا شبيهة بما حدث في محمد محمود، في يناير لأن مطالبات الفئات الكادحة في المجتمع والتي قامت بالثورة بشكل أساسي لم يتحقق منها شيء حتى الآن. ولكن حتى الآن، وبعد مرور لحظتين بلغ فيهما هذا التناقض بين رغبات الشارع، وسياسات النخبة اقصى مدى له وأخذ شكل الصدام بين العسكر والمتظاهرين في أحداث محمد محمود، ومن بعدها مجلس الوزراء، البعض كان يتوقع ان يؤدي هذا التناقض ساعتها الى حدوث تغيّر في صالح الشارع، كأن ينسحب الجيش ويسلم السلطة إلى المدنيين، ولكن هذا لم يتم، رغم التأييد الشعبي الذي ظهر في تلك الفترة للشباب الذي يحارب الأمن. بعد ذلك رجعنا الى الايقاع العادي، الى وهم الانتقال الديموقراطي، وانسحب الاهتمام من مركز الأحداث. لا اعرف حجم الناس الذين يمكن أن يشاركوا في حدث جديد يمكن ان يذهب بالتناقض بين "سياسة الشارع" و"سياسة النخبة" إلى نقطة أبعد، ضد النظام الجديد الذي هو في حقيقته نفس النظام القديم في صورة مختلفة. وفي الفترة من نوفمبر حين وقعت أحداث محمد محمود حتى الآن، حدثت الانتخابات وأصبحت واقعا جديدا شارك فيه الملايين، وستتمسك الأطراف الفائزة الإخوان والسلفيون بخارطة الطريق التي وضعتها قيادات الجيش. لذلك فمن الصعب توقع من سيبقى في جانب "الانتقال الآمن" للسلطة عبر البرلمان، ومن سيحاول الدفع بالأمور بشكل ثوري، ولكني أتوقع أن تكون الفترة القادمة حتى الانتخابات الرئاسية ايا كان موعدها فترة ساخنة. (المصدر: arabicbabelmed.net – بقلم: محمد فرج وتصوير: سيد داود)