ترفض رباب المهدي أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الامريكية مقولة "سنة علي الثورة"، وتستعمل في حديثها مقولة "سنة من بداية الثورة"، لأن هناك فارق كبير بين الجملتين، اذ توحي الثانية بأن الثورة بدأت وأنتهت، ونحن الان نحتفل بذكراها، ولكن بالنسبة لها الثورة لم تنته حتي نحتفل بالذكري، وتصور أن الثورة كانت فقط في الثمانية عشر يوما الاولي فقط هو تصور ساذج ولاتاريخي، وايضا لاسياسي، لأنه لا يوجد ثورة في التاريخ تستمر 18 يوماً فقط، تحتاج الثورة لسنوات حتي يمكن أن تتكلم عن ما بعدها. رباب عندما اصدرت كتابها "مصر أوان التغيير" في 2006 نالت قدرا من السخرية من الوسط الاكاديمي حيث توقعت رباب ان تفرز الحركات الاحتجاجية التي كانت تحدث ساعتها تغييرا كبيرا يطيح بالنظام الحاكم في مصر، لكن بدا هذا أمرا بعيد المنال وسط الحالة القمعية التي كانت تسيطر علي مصر. رباب ليست مجرد أكاديمية تعمل في مكتب مغلق، ولكنها ناشطة ايضا تعمل علي الارض، وحاليا تعمل مع مجموعة من الناشطين الاسلاميين المستقليين علي تطوير مفاهيم خاصة لما يمكن تسميته باليسار الاسلامي المصري بداية كيف توصفين الساحة المصرية الان بعد مرور سنة علي بداية الثورة؟ هناك حالة من الفوران الصحي فلأول مرة منذ قرون تدخل الجماهير المعادلة السياسية، ولا تصبح السياسة قاصرة علي ما يسمي "السياسيين" سواء نظام أو معارضة، ويصبح للجماهير وجود عن طريق التظاهرات فيالميادين، والاضرابات والاعتصامات، والانتخابات، الان تستطيع أن تتكلم عن شارع سياسي وفعل جماهيري وهذا هو أهم انجاز للثورة. ولكن اذا تحدثنا عن اللاعبين الاساسيين علي الساحة كيف تصنفييهم؟ هناك ما يسمي ب "القوي السياسية" المتمثلة في الاحزاب والائتلافات وقادة الرأي العام والشخصيات العامة، وهناك جماهير جزء منها مشتبك في اطار القوي السياسية، وجزء أخر غير مشتبك مع تلك القوي ولكنه يشتبك مع الفعل السياسي سواء برأي، أو بتواجد في الشارع، أو عبر الانتخابات، او عبر الاحتجاجات الاجتماعية المحلية مثل قطع طريق السكك الحديدية، او المشاركة في اضراب او اعتصام. والطرف الثالث هو المؤسسة العسكرية وبقايا النظام، هناك تحالفات طوال الوقت، ومسارات تتقاطع ما بين هذه الاطراف، واحيانا تتقابل، واحيان اخري تتناقض. ولكن بشكل اساسي التناقض هو ما بين المؤسسة الحاكمة بشكل عام وبين الأطراف السياسية. الفعل الجماهيري له منطق مختلف، احيانا يتعارض مع التقاء المؤسسة الحاكمة والقوي السياسية، واحيان أخري يتفق معه حسب منطق حركته هو وليس العكس، فهناك تصور خاطيء أن المجلس العسكري يجري صفقات مع أطراف سياسية بعينها وبالتالي هذه الاطراف تقوم بتدجين الجماهير، هذا تصور خاطيء الحقيقي أن المجلس والمؤسسة الحاكمة بشكل عام تعقد اتفاقاتها مع قوي سياسية بعينها عندما يتفق مسارها مع هذه القوي، والجماهير حسب تقديرها لاجزاء من الاتفاق بمنطقها الخاص وليس بمنطق الاتفاق فأحيانا تعطي صك الغفران والموافقة لهذا الاتفاق، وأحيان اخري لا. فالانتخابات مثلا سبقها اتفاق بين جزء كبير من القوي السياسية وبين المؤسسة الحاكمة علي أهمية اجراء الانتخابات، والجماهير أعطت موافقتها لهذا الاتفاق ولكن من منطقها الخاص، فالقوي السياسية تريد الوصول للحكم، والمجلس يريد تدجين الفعل الثوري، الجماهير وافقت علي هذا الاتفاق بمنطق له علاقة بارادة التغيير. اذا تناولنا نقطة أخري مثل دور المؤسسة العسكرية في السياسة، هذه مسألة لم تحسم الجماهير بعد رأيها فيها، والاطراف السياسية لازالت تلعب علي موقفين، الاول مع وجود المؤسسة العسكرية والاخر ضد هذا الوجود والجماهير لم تحسم انحيازها إلي أي موقف. في ظل هذا الوضع كيف ترين القادم؟؟ بداية دعنا نقول انه في الحالات الثورية من الصعب جدا التنبؤ بما سيحدث، لا في مثل هذه الحالات ما يحكم الموقف هو الفعل الجماهيري، وهذا الفعل له منطق مختلف غير قابل للتنبأ علي عكس مثلا ما يسمي بالانتقال الديموقراطي التفاوضي، في هذه الحالة لديك المؤسسة الحاكمة والقوي السياسية يتفاوضون معا ومن الممكن ساعتها قراءة تصرفات الطرفين والتنبأ بما يمكن ان تفعله الاطراف المختلفة، فمثلا لو كنا في حالة انتقال ديموقراطي كان من الممكن القول ان القوي الاكبر هي قوي محافظة مثل الاخوان المسلمين وبالتالي يمكن توقع مجموعة أمور، لكن الجماهير الان هم احد أطراف المعادلة المصرية، ولا يستطيع أحد ادعاء السيطرة علي هذه الجماهير، وبالتالي هذا يصعب عملية التنبؤ بما سيحدث. ولكن ما أراه له علاقة باستمرار هذا الفعل الجماهيري، فالتصور المنتشر الان عند القوي السياسية المؤطرة في احزاب، والمؤسسة الحاكمة أن الانتخابات ستكون هي البديل للفعل الجماهيري، وهذا تصور قاصر فالانتخابات ستكون جزء من اشكال المشاركة المتعددة للجماهير، وبالتالي ستكون هناك فورات واشكال من التدخل الجماهيري تغير الحسابات طول الوقت، فالتسلسل المنطقي الخاص باقامة انتخابات مجلس الشعب التي سيتبعها انتخابات رئاسية وصولا الي "الاستقرار" لن يحدث، فنحن أمامنا من ثلاث إلي خمس سنوات من الحراك الواسع، ونتيجة الثورة ستحسب كمحصلة نهائية لهذا الحراك بأشكاله المختلفة من انتخابات الي احتجاجات. لذا يبدو تصور ان الاسلاميين بعد ان يحققوا الاغلبية في البرلمان ستصبح بأيديهم مقاليد الحكم يتصرفون به كما يشاءون هو تصور بالغ السذاجة، ربما كان هذا ممكنا في حالة الانتقال الديموقراطي التفاوضي، ولكن في الظرف الحالي لا يمكن، بل اني اتصور ان البرلمان القادم لن يكمل مدته، وايضا الرئيس القادم لن يكمل مدته الرئاسية. ولكن عدم الاكمال هذا سببه ان انفجار جماهيري جديد ام تناقض بين الطريق الذي سيسلكه البرلمان او الرئيس القادم وبين المؤسسة العسكرية وبالتالي يتم الاطاحة به؟ اظن ان السبب في حدوث ذلك ان القوي السياسية الموجودة ليست علي مستوي اللحظة الراهنة، وبالتالي تتصور ان اللاعب الرئيسي أمامها هو المؤسسة وأعني بها المؤسسة الحاكمة والتي تشكل المؤسسة العسكرية قلبها، ولديها تصور ان القوي الاسلامية قادرة علي السيطرة علي الفعل الجماهيري، وبالتالي عقد صفقات فيما بينها ولكن هذا لن يحدث. النقطة الاخري أن القوي السياسية التي دخلت البرلمان هي قوي محافظة بالمعني السياسي، وبالتالي لن تستطيع القيام بتغيرات اقتصادية جذرية تستجيب لتطلعات الجماهير. قبل ذلك كان من الممكن الركون الي غياب تأثير الجماهير ولكن لاننا نمر بحالة ثورية فإن لم تستطع الوفاء بهذه التوقعات سينتفضون ضدها. والقوي السياسية الموجودة حاليا سواء المدنية منها والتي في اغلبها ليبرالي، والاسلاميون لن يستطيعوا الوفاء بهذه التوقعات، وبالتالي سيكون هناك فعل جماهيري مضاد. وماذا عن الخسائر...هل اصيب الفعل الجماهيري بخسائر خلال العام المنصرم؟؟ لا اظن ذلك مطلقا..هناك تصور مفاده ان الثورات تأخذ منحني صاعد طوال الوقت وفي خط مستقيم وهذا ليس حقيقيا، طوال الوقت هناك تقدم وعثرات، وصعود وهبوط، وهذه العثرات تتحول الي مخزون خبراتي تنطلق منه الناس فيما بعد. بالطبع هناك مشكلة اساسية وهي غياب التنظيم الجماهيري الثوري، مازال التنظيم الجماهيري الوحيد هو التنظيم الموجود قبل الثورة وهو القوي الاسلامية وهذه القوي محافظة وبالتالي غير قادرة علي قيادة ثورة، والقوي الثورية لم تستطع أن تنظم نفسها والجماهير من ورائها بحيث يصبح فعلها اكثر تأثيرا، ومفتاح نجاح هذه الثورة يكمن في هذه النقطة، فهل ستستطيع القوي الثورية تنظيم نفسها من اجل خوض معركة طويلة النفس وليس اعتصاما لمدة عدة ايام..هذا سؤال، ان ظلت القوي الاكثر تنظيما هي القوي الاصلاحية المحافظة ستحدث صراعات وعثرات لكن نتيجتها النهائية لن تكون في حجم تطلعات أو امكانيات هذه الثورة. الامر الذي يؤدي الي... هذا سينتج اصلاحات في الاخير، بالتأكيد هناك تغيير جذري قد حدث، وهناك امكانيات لتغيرات جذرية حتي تحت قوي اصلاحية مما يمكن ان ينتج شكل نظام سياسي مختلف تماما، ولكن الثورة بالتاكيد تسعي لاحداث تغيير في هياكل القوي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن لم تستطع القوي الثورية تنظيم نفسها، فلن يحدث هذا التغيير الهيكلي لصالح هذه الجماهير.