التزكية هي ما تشير إليه الآية الكريمة عن النفس الإنسانية: {قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها} والمكارم هى مكارم الأخلاق التي أشار إليها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله (إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق). وهو قول حقيق به عليه الصلاة والسلام وهو الذي قال فيه رب العالمين {وإنك لعلى خلق عظيم}. والعلاقة بين تزكيه النفس وإلزامها بمكارم الأخلاق وثيقة. ولعل اكثر ما نحتاجه في هذه الايام هو"حسن الخلق" الذى يصدر عن "نفس زكية" عرفت فلزمت، كما قال علية الصلاة والسلام لحارثة (رض)، وهو يسأله عن نفسه. ولعل الرسول (ص) كان يسأل السؤال الدارج على نحو "كيف حالك؟" ولأن وعي هذا الصحابي كان مشبعا بمعاني العبودية والحب والطاعة والتطلع إلى رحاب الله كانت إجابته "أصبحت مؤمنا"، فيسأله الرسول (ص): فما حقيقه إيمانك؟ وتكون الإجابة التي تصدر عن إنسان يخالط الدنيا ببدنه ونفسه معلقه بالسماء: "كأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنه يتزاورن فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضارون فيها" فتكون النصيحة ممن هو بالمؤمنين رؤوف رحيم كما وصفه ربه عز وجل: يا حارثه عرفت فالزم. ولعل أهم جانب في "جوانب التكوين" عند الأستاذ البنا رحمه الله هو الجانب الأخلاقي، فقد اهتم به اهتماما كبيرا، وأكد عليه بشده وكان رضى الله عنه يعتبر أن أهم مرحله في عمليه التغيير الاجتماعي هي مرحلة "الارتقاء الأخلاقي"، وكان يسميه "عصا التحويل"، أي كالعصا التى تحول خط سير القطار أو الترام من اتجاه إلى اتجاه آخر. خلق الله النفس وسواها تسوية بديعة. وأوضح لنا سبحانه وتعالى أن الإنسان يستطيع أن يزكيها أو أن يدسيها كما ورد في الآية الكريمة التى نسبت هذه المسألة للإنسان فالتسويه والإلهام بالفجور والتقوى له سبحانه وتعالى، أما التزكية والتدسية فتكمن في الإنسان الذى خلقه الله وأودع فيه أمانه التكليف وهي "الإرادة الحرة" في الاختيار. نفهم ذلك أيضا من قوله تعالى: {حتى يغيروا ما بأنفسهم}. فالإنسان بإرادته يستطيع أن يقوم بعملية التغيير، فيزيل السيئ ويحل محله الحسن. وتزكية النفوس كما ذكر علماؤنا وفقهاؤنا تكون بالعبادات وما يشابهها من أعمال صالحة، كالصلاة والصوم والإنفاق والذكر والتلاوة والتفكر والمحاسبة وذكر الموت. وكل ذلك يثمر بطبيعة الحال آجلا أو عاجلا ثماره على الجوارح فيتبدى "حسن الخلق" في السلوك والمعاملات مع الله ومع الناس. ومن المهم هنا أن نتذاكر بأن تزكيه النفس من فضل الله ورحمته. فقد جاء في الحديث الشريف (اللهم آت نفسى تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها). فما بين جهد يبذله العبد في التزكية والترقى بالنفس، وما بين دعاء إلى ولي النفس ومولاها يكون العمل والرجاء، {والذين اهتدوا زادهم هدى وءاتاهم تقواهم}، كما تقول الآية الكريمة. من الأهمية البالغة أن نعلم يقينا أن الأخلاق الإنسانية قابلة للتغيير والتعديل. نؤمن بذلك من هدي القران وسنة النبي (ص). فتذكر لنا الآيه الكريمة {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا...}، ويقول الحديث الشريف: (العفاف بالتعفف والصبر بالتصبر والحلم بالتحلم). ويذكر الإمام أبوحامد الغزالي في شرحه لحديث الرسول الكريم: (حسنوا أخلاقكم)، أن من البديهى العلم بأن الأخلاق الآدميه قابله للتغيير، إذا علمنا أن أخلاق الحيوانات قابلة للتغيير! وهو يرى أن الأخلاق مرتبطة بالدين والعقيدة ارتباطا كبيرا فيقول (ر): "إن الأخلاق لا يمكن أن تتم أو تتحقق إلا بالاعتقاد بالله وبصفاته وبخلود النفس والدار الآخره، وبأن الله يعلم كل كلي وجزئى.." وقريب من ذلك ما قاله ابن القيم من أن: "الدين الخلق فمن زاد عنك في الخلق زاد عنك في الدين ومن نقص عنك في الخلق نقص عنك في الدين". لا خيار لمن يرجو الله واليوم الآخر في مسألة "تزكيه النفس" و"حسن الخلق" أحق وأجدر الناس بهذا الفهم والعمل هم الدعاة إلى الله، كونهم قاموا إلى الناس يرجون لهم التغيير وفق هذه المبادىء والقيم: {.. كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الناس الكتاب..}، وقاموا إلى الدنيا يرجون صلاحها بنفوس زكية وأخلاق نقية. في هذا الوقت الهام لمستقبل بلادنا ومجتمعنا، نتذاكر ونتواصى بهذه المفاهيم مراجعة ومناصحة وتطبيقا. وأتوجه على الأخص إلى أبنائنا وبناتنا بهذا التواصي، كي يكونوا علامات مهتدية هادية لأقاربهم وزملائهم وأصدقائهم وجيرانهم. ولعل أجمل صورة يظهر فيها حسن الخلق هي صورة الشاب الخلوق والفتاة الخلوقة، وليس ذلك فقط بشاشةً وليناً وحسن عشرة وتعففاً، وهي أركان ركينة للأخلاق، بل يتبدى ذلك أكثر وأكثر في ضبط النفس والصدق في القول والعمل والأمانة في المعاملة والصلابة في الحق والشجاعة في الرأي والعدل مع النفس والناس والبر والتعاون مع كل الناس ممن يريدون الخير ويرجونه.