في مدينة الرقاب بمحافظة سيدي بوزيدالتونسية، ركض مجموعة من المتظاهرين نحو شاحنات للجيش للإحتماء بها هربا من مطاردات فرق مكافحة الشغب، فجأة وجدت قوات الشرطة نفسها وجهاً لوجه أمام جنود الجيش، الذين صوبوا رشاشاتهم نحو قوات الشرطة وأجبروهم على وقف المطاردة. بُهتت قوات الشرطة وتقدم ضابط كبير منهم غاضباً نحو كتيبة الجيش ليطالبها بتسليم المتظاهرين، والسماح لهم باعتقالهم، غير أن جنود الجيش كانت لديهم أوامر برفض ذلك ومنع الشرطة من ملاحقة الثائرين، فكان جوابهم إشهار السلاح في وجه ضابط الشرطة، وسط فرحة كبيرة من الثوار ودهشة أكبر من أفراد الشرطة التى إنسحبت من المكان. واليوم الثلاثاء 13 ديسمبر 2011 وقف قائد الجيش الجنرال " رشيد عمار" يؤدي التحية العسكرية أمام أول رئيس منتخب بعد الثورة المنصف المرزوقي، في دلالة على تسليم الجيش للسلطة كما وعد، فهل يأتي اليوم قريباً ويوقف المجلس العسكري المصري مناوشاته مع الثورة ويسلم لها السلطة؟. بين عمار وطنطاوي " لقد انتهيت يا بن علي!"، قالها الجنرال " رشيد عمار"، للرئيس المخلوع الهارب "زين العابدين بن علي"، قبيل أيام قليلة من فراره من البلاد. رفض بن علي نصيحة الجنرال، بل مضى أبعد من ذلك باقالته ووضعه تحت الإقامة الجبرية، غير أن الجنرال لم يستسلم، وأمر دبابات الجيش فحاصرت قصر قرطاج الرئاسي ولاحقت عائلة الرئيس المخلوع فاعتقلت أفرادها على الحدود والمطارات قبل فرارهم. أما السيناريو في مصر فكان أبعد من ذلك، نزلت مدرعات الشرطة العسكرية إلى ميدان التحرير ورفض الثوار التفاوض وتوجسوا خيفة من نوايا المشير وشركاه؛ فشدوا رحالهم إلى قصر العروبة حيث يختبئ الرئيس المخلوع، هنا أمر المشير باستدعاء طائرة هليكوبتر عسكرية على وجه السرعة ونقل المخلوع وعائلته إلى شرم الشيخ، وتفرغ بعدها لمناورة الثوار وتعطيل انتقال السلطة طوال أحد عشر شهراً. عمار يقلب الطاولة: هناك لغز كبير لا يوجد جواب واضح له إلى حد الأن في تونس، وهو كيف استطاع الجنرال رشيد عمار قائد جيش البر أن يقلب الطاولة على بن علي في الساعات الأخيرة قبل رحيله رغم وضعه تحت الإقامة الجبرية. سيناريوهات عديدة طرحت في هذا المجال، فالعديد من المصادر تقول أن الجنرال رشيد عمار عاد بفضل الوزير الأول محمد الغنوشي، والذي قام بعد لحظات من هروب "بن علي" خارج البلاد عبر طائرته الخاصة باستدعاء الجنرال رشيد عمار، وعهد له بمهمة حفظ الأمن في البلاد عن طريق إعلان حالة الطوارئ وقيادة البلاد من خلف الستار، في الوقت الذي يسعى فيه الغنوشي للانتقال إلى الوضع الجديد وفق أسس دستورية. السيناريو الآخر الذي يرجح أن يكون الأقرب الى الصحة في نظر المراقبين يتمثل في أن الجنرال رشيد عمار والذي وضع تحت الاقامة الجبرية في الأيام الاخيرة قبيل هروب بن علي، استطاع عن طريق نفوذه في المؤسسة العسكرية أن ينتصر في الساعات الأخيرة لرغبة "الثورة الشعبية" عن طريق التخلص من الإقامة الجبرية التي فرضت عليه وأن يقوم بتحريك قواته من أجل الاستجابة الى رغبة الجماهير. ولا يستبعد المرجحون لهذا السيناريو أن الجنرال رشيد عمار لم يكن راضيا على البيان الذي تلاه الوزير الأول محمد الغنوشي ليلة 14-15 يناير، والذي كان يقول فيه بأنه يعوض الرئيس بن علي بصفة وقتية طبقا للمادة 56 من الدستور، وهو ما كان يعني ضمنا أن غياب بن علي مؤقت واحتمال عودته قائم، ولذلك، وبعدها بأقل من 12 ساعة، خرج للإعلام رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع ليعلن أنه هو الرئيس بالنيابة طبقا للمادة 57 من الدستور التي تنص على ذلك في حال غياب الرئيس الدائم. وما يدعم هذا السناريو ما تقوله العديد من المصادر من انه عشية يوم هروب بن علي في 14 يناير 2011، قامت قوات من الجيش بحصار للقصر الرئاسي و لمطار قرطاج، واستطاعت أن توقف هروب العديد من أفراد عائلة بن علي و زوجته ليلي الطرابلسي، وعندما دخلت قوات الامن العسكري قصر قرطاج تبين أن الرئيس غادره منذ ساعة تقريبا عبر طائرة مروحية إلى مطار قرطاج ومن المطار إلى جهة غير معلومة في ذلك الوقت. الجيش والثورة: قام الجيش التونسي طوال الأيام الاخيرة قبيل انتصار الثورة بالانتشار في العديد من المناطق الحساسة في المدن دون أن يتدخل من أجل فض المتظاهرين أو اطلاق النار نحوهم، وهو ما أعطى صورة إيجابية عن دور الجيش التونسي والتحامه بالشعب وبانتفاضته، بعدها ظل على الحياد حتى تم انتخاب برلمان ورئيساً مدنياً للجمهورية دون إملاءات او وثيقة فوق دستورية. وتتكون القوات العسكرية التونسية من حوالي 35 الف جندي، وهو عدد متواضع مقارنة بالأعداد الضخمة من قوات الأمن الداخلي والقوات الخاصة التي أنشأها بن علي، والتي يقدرها المراقبون بحوالي 300 ألف عنصر، وهو ما يفسر الصعوبات التي يجدها الجيش في فرض الأمن أمام مليشيات النظام السابق التي يرجح تورطها في أعمال النهب والسلب التي شهدتها البلاد بعد هروب بن علي.