تعكس رواية رواية "حق العودة"، للروائي الهولندي اليهودي ليون دي ونتر، المنشورة باللغة الهولندية، هواجس أو كوابيس تنتاب الكثيرين في إسرائيل والغرب عموماً حول النهاية القادمة لا محالة لمشروع الكيان الصهيوني، والسيناريوهات التي قد ينتهي إليها أو ينتهي بها هذا الكيان. تصف رواية "حق العودة" رؤية سياسية، وتدور أحداثها في المستقبل، وتحديداً في 2024 بمدينة تل أبيب، حيث تقلصت مساحة دولة إسرائيل إلى مدينة محصنة. هناك في هذه البقعة من الأراضي المقفرة يقع مكتب برام مَنهايم الذي يديره ليساعد الآباء في البحث عن أبنائهم المفقودين. كان الدافع وراء تخصص برام مَنهايم في هذا النشاط شخصي في المقام الأول فقد اختفى ابنه منذ ستة عشر عاما. كما كان مَنهايم يعمل أيضا متطوعا في خدمة الإسعاف. بعد إحدى الهجمات على موقع حدودي، يكتشف مَنهايم أن حياته في سبيلها لأن تشهد تغيراً كبيراً مرة أخرى، حيث يكتشف أن ابنه قد يكون أحد المتورطين في هذا الهجوم. في الرواية يقول بطل الرواية مَنهايم أن: "التضامن... ينبثق عن المصير الذي يشاركهم (طلابه وزملاءه ووالده) فيه، والفكرة التجريدية العظيمة التي كانت تتمثل في هذا البلد (إسرائيل). إنني لا أستطيع أن أحرر نفسي منه، حتى لو أردت ذلك". يرى دي وينتر أنه ليس قادراً على تغيير العالم بما يكتبه من مقالات لذلك يحاول أن يفعل هذا من خلال رواياته. في رواية "حق العودة"، لا يدع دي وينتر مجالاً للشك في أنه ما لم يتمكن اليهود من اقتلاع الفلسطينيين من وطنهم، فلسوف يحدث العكس بالتأكيد. وهو يرى أن المسلمين سيكون لهم اليد العليا على كل حال أينما كانوا وفي أي مكان في العالم. تعكس هذه الرؤية موجة الإسلاموفوبيا السائدة في الوقت الحاضر في الغرب. هذا الخوف من المسلمين لا يعبر عنه البطل الرئيس في الرواية (برام مَنهايم)، وإنما والده وصاحب الشركة التي يعمل بها وزملاؤه في العمل. تبتعد هذه الرواية عن التقاليد الأدبية الهولندية، بل تحاكي روايات الإثارة الأمريكية وهذا النوع الأدبي لا يدع الكثير من المجال للغموض أو الألغاز وإنما يتخذ مجاله مباشرة إلى مقصده الرهيب. تصف الرواية إسرائيل في المستقبل حيث تقلصت إلى منطقة لا تتجاوز تل أبيب مع الجزء الشمالي من صحراء النقب، بما في ذلك مفاعل ديمونة بعد أن انسحبت من الشمال والجنوب ومن القدس، لتصبح مجرد حارة يهود (غيتّو) كبيرة محصنة. كان انهيار إسرائيل ناتجاً عن الضغوط الخارجية المتمثلة في القصف الصاروخي المستمر الذي تسبب في رحيل العائلات الإسرائيلية، وأيضا بسبب التآكل الداخلي؛ حيث تحول عرب اسرائيل واليهود المتدينون المتشددون بعيداً عن الجوهر اليهودي العلماني للدولة، ومن ثم تفضيلهم لمغادرة إسرائيل إلى أماكن أخرى أكثر أمناً واستقراراً في العالم. وتركوا وراءهم اليهود ممن لهم سجل إجرامي، وكبار السن، ومجموعة أخرى مفتونة بأن تكون جزءاً من سفر الرؤيا (الحافل بنبوءات تدور حول آخر الزمان)، وأولئك الذين لا يريدون سوى البقاء والدفاع عن إسرائيل، بصرف النظر عما سوف يحدث. هذه هي الخلفية التي أعدها ليون دي وينتر لتدور فيها أحداث روايته. ينصب التركيز الأساسي على بطل القصة برام مَنهايم، وهو في الأصل يهودي هولندي هاجر إلى إسرائيل عندما كان في الثامنة عشرة من العمر، ليصبح في عمر مبكر أستاذاً جامعياً معتبراً يُدرّس تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب. وتبدأ مأساته في 2008 عندما يقرر الانتقال إلى الولاياتالمتحدة ليصبح أستاذاً جامعياً هناك. وفجأة يختفي ولده البالغ من العمر أربعة أعوام. عندها ينهار زواجه، وتتوقف حياته، ويصيبه مس من الجنون، ليصبح رجلاً مخبولاً يتجول هائما على وجهه في أنحاء الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلى أن يجده والده ويعيده إلى تل أبيب مرة أخرى. وتمر السنوات حتى نصل إلى عام 2024، ويصبح برام مَنهايم مديراً لمكتب يساعد الآباء في البحث عن أطفالهم المختفين في هذا الغيتّو اليهودي المسمى إسرائيل. بعد الهجوم المدمر على أحد المواقع الحدودية، يكتشف برام أن من نفذ هذا الهجوم هو أحد الشباب اليهود الذين اختفوا في نفس الفترة التي اختفى فيها ابنه، فيتجدد أمله في العثور على هذا الابن المفقود الذي يبدو أنه انضم إلى مجموعة من الصبية اليهود الذين تم اختطافهم وتدريبهم ليكونوا انتحاريين مسلمين –على حد قول دي وينتر- أبناء يهود يعودون إلى إسرائيل لقتل آبائهم. أحدثت هذه الرواية ضجة كبيرة عندما نشرت في ألمانيا حيث أتهم بعض النقاد دي وينتر بأن رؤيته القاتمة لمستقبل إسرائيل تدعم وتحرض المزيد من الأصوات التي تجادل في أن قيام إسرائيل كان خطأ في المقام الأول. ورداً على هذه الاتهامات، يوضح دي ونتر قناعاته وانتمائاته الشخصية، مشيراً إلى أنها ليست دائماً متطابقة مع انتماءاته بصفته روائي، ويؤكد أنه معجب بالمشروع الصهيوني ومؤمن بالحتمية التاريخية لبناء ملاذ آمن ليهود أوروبا، كرد فعل على موجة معاداة السامية التي اجتاحت أوروبا في القرن التاسع عشر. يرى ليون دي ونتر أن قيام إسرائيل كان مغامرة لالتقاط الأنفاس؛ بيد أنه لم يحدث في فراغ جغرافي أو ثقافي أو تاريخي، وإنما تم في فترة كان فيها العالم الإسلامي يفيق ببطء من الضربات المتلاحقة التي وجهتها إليه القوى الأوروبية الضخمة، والتي بدأت باجتياح نابليون السهل لمصر في 1798، وببحث المفكرين العرب والمسلمين عن إجابات السؤال حول سبب انهار عالمهم. آنذاك ثار الكثير من الجدل حول قيام دولة يهودية في فلسطين، ويرى دي وينتر أن هذا الاسم أطلقه الرومان على المنطقة لأنه لم يكن يوجد قبيلة عربية تسمي فلسطين حتى وقت قريب. لكن دي وينتر يؤكد أنه لو كان الأمر بيديه، لكان اختار منطقة أخرى من العالم، ليقيم فيها دولة إسرائيل، مثل سورينام المستعمرة الهولندية السابقة أو ولاية مونتانا أو ولاية نيومكسيكو بالولاياتالمتحدة، أو حتى أي منطقة أخرى يكون في باطنها بعض الذهب والنفط.