لا أدري لماذا لا يتعامل المحللون مع البديهيات ويبحثون عن تبرير أو تحليل ظاهرة ما، مع أن الظاهرة طبيعية وبديهية لا أكثر ولا أقل. وترى البعض مثلاً يسأل عن هوية مصر، وكأن مصر دولة غير معروفة وشعب ظهر فجأة . إنه سؤال مراوغ، فمصر إسلامية وهذا أمر واضح للعيان .أو يتحدث البعض عن أسباب فوز الإسلاميين في الانتخابات مع أن هذا لا يحتاج إلى تفسير. فإذا كنت أمام شعب مسلم الدين إسلامي الحضارة والثقافة، فإن أي انتخابات حرة سوف تأتي بالإسلاميين، أما القياس على أوضاع معينة ظهرت فيها أحزاب في الثلث الأول من القرن الماضي فهذا كان عقب سقوط الخلافة، وخروج الأمة مذهولة من هذا الحدث الجلل والخطير، وما أن تستعيد – وقد استعادت – الأمة توازنها حتى عاد الأمر إلى سابقة أواصله، فكانت الأحزاب الإسلامية هي التعبير الطبيعي والحقيقي عن وجدان الأمة . نحن هنا لا نقول أن الأحزاب الإسلامية تقية وطاهرة ومعصومة، ويمكن لمن شاء أن ينتقدهما، فهم بشر يخطئون ويصيبون، ومنهم المثالي والانتهازي والنفعي والمبدأي . ولكن في النهاية فإن الشعب سيختار من هو متاح أمامه من الأحزاب الإسلامية أياً كانت ولن يختار أحزاباً علمانية أياً كانت أيضاً، لأن هذا ضد ثقافة الشعب وحضارته ووجدانه وتراثه . كنت أقول دائماً للعلمانيين في الندوات، أنه بصرف النظر عن الرأي في المشروع الإسلامي، وحتى أياً كان الرأي في الأحزاب الإسلامية، فإن الشعب وجدانه إسلامي، ومن شاء أن يحظى بثقة الشعب فعليه بالخطاب الإسلامي، وإلا فالبديل أن يتم غسل أدمغة الشعب وتغيير وجدانه وثقافته، وهذا يحتاج على الأقل لأكثر من ألف عام، وربما لن ينجح أيضاً، وأن أي مشروع للنهضة سيفشل تماماً إذا لم يستند إلى الوجدان الإسلامي، ولاستكمال المنطق، فإن من يحقق مشروع النهضة هو الإنسان، وهذا الإنسان ليس مصمتا بل هو عميق الثقافة والحضارة، وإذا تجاهلت هذا كان الفشل والتراجع هو المصير . وفي المقابل فإن المشروع الإسلامي لن ينجح لمجرد أن الشعب إسلامي بل يحتاج إلى جهد وعرق وتفكير ورجال صادقون يحملونه أي البداية الصحيحة هو الاستناد على وجدان الناس والعمل بجدية أيضاً، ولا يصلح جزء من هذا الأمر دون الجزء الآخر . نأتي إلى الانتخابات المصرية . الطبيعي أن يفوز الإخوان والسلفيين، ولو كان الإخوان أو السلفيون محملين بالأخطاء والخطايا، فإن الشعب سيختارهم حتى تظهر اتجاهات وأحزاب إسلامية أخرى ولن يختار العلمانيين مهما كانوا .الأمر لا يحتاج إلى جهد كبير لفهمه، فقد فاز الإسلاميون في أي مكان من الدول العربية والإسلامية تمت فيه انتخابات نزيهة، في تونس والمغرب وقبل ذلك في تركيا، أما الحديث عن تجارب مثل الأردن وباكستان فالأمر محكوم إما بالملك أو العسكر، أي أنها مساحة ضيقة من الحرية . كان الشعب المصري ولا يزال إسلامياً حتى النخاع، شاء من شاء وأبى من أبى، وكذلك الأمر في كل الدول العربية والإسلامية، والشعوب تعبر عن نفسها وقبل ذلك فازت جبهة الإنقاذ في الجزائر ب 80 بالمائة من أصوات الناخبين وحدث انقلاب عسكري . إذا كنتم تريدون الحرية وتؤمنون بها، فإن الأحزاب الإسلامية هي التي ستفوز . فإما حكم إسلامي، وإما ديكتاتورية وعليكم أن تختاروا .أما إذا كانت الأحزاب الإسلامية لا تعجبكم، فاصنعوا أنتم أحزاباً إسلامية أخرى، وانزلوا بها إلى الشارع وإلا فلا فائدة . مرة أخرى: الشعب المصري إسلامي حتى النخاع، وعلى الجميع التعامل مع الحقائق الصلبة وليس الهروب منها أو التعالي عليها .