إذا اعتبرنا أن انتخابات 2011 هي أول انتخابات حقيقية منذ عام 1952، ومن ثم فهي تعكس المزاج الحقيقي للناخب المصري، فإن كثيرًا من الدلالات الواضحة سوف تقفز إلى السطح، بدايةً فإن سؤال الهوية في مصر هو سؤال مراوغ، وليس في محله على الإطلاق، ومن ثم فإن هوية مصر الإسلامية هي بديهة عقلية لا تحتاج إلى إثبات، وأن الخيار الشعبي المصري هو مع الإسلام، وأن أي انتخابات سوف تأتي بالإسلاميين، سواء كانوا جيدين أو رديئين، فمثلًا لو افترضنا أن هناك أحزابًا إسلامية وشخصيات إسلامية رديئة، جاهلة أو متعصبة أو انتهازية، وأخرى علمانية عالمة ومنفتحة ومبدئية، فإن الناس سوف تختار الإسلاميين فورًا، لأن هذا وجدان الناس، ربما يكون هذا سلوكًا غير سوي، ولكن هذه هي الحقيقة!!. المهم أن الخيار دائمًا سوف يكون بين الإسلاميين أنفسهم، فيمكن أن يختار الناس الأفضل من الإسلاميين، أو الأكثر تنظيمًا أو الأكثر وعيًا وصاحب البرنامج الأفضل، إلا أن الناس لن تختار علمانيًا مهما كانت درجة تفوقه أو نزاهته، لأن الأمر يتصل بالهوية والوجدان. عودة إلى نتائج الانتخابات المصرية، فقد حصل حزب الحرية والعدالة على 40 % من الأصوات وحزب النور السلفي على 25 % من الأصوات وحزب الوسط على 6 % من الأصوات، وهذا معناه أن الإسلاميين قد حصلوا على 71 % من الأصوات، الأمر الذي يقود حتمًا إلى إمكانية وضع الدستور أو تغيير قانون بأغلبية الثلثين، فليس هناك ثلث معطل مثلًا. وهذا مسئولية أمام الله، فالناس قد اختاروا الهوية الإسلامية لمصر، ولا ينبغي التنازل عنها تحت أي مسمى. إذا تأملنا في نتائج الإسلاميين أنفسهم، نجد أن نسبة 40 % من الأصوات لصالح الإخوان هو أقل من المتوقع، لأن الإخوان هي الحركة الوحيدة المنظمة في الساحة المصرية، وهي ذات نضال وتاريخ منذ عام 1929، أي حوالي ثمانين عامًا مستمرة، وقد تعرضوا لظلم واضطهاد تاريخي، خاصة منذ عام 1952، وهو يضيف لرصيدهم، ثم إنه ليس هناك أي قوة سياسية حقيقية على الأرض تمتلك المال والتنظيم سواهم. ومن ثم فإن النتيجة أقل مما كان مأمولًا منهم، وينبغي أن يأخذوا هذا في اعتبارهم. أما السلفيون الذين حصلوا على 25 % من الأصوات، فهم قد أدَّوْا أداءً مُرْضيًا، فليس لهم تنظيم قوي، ولا قيادات هرمية، بل هو تيار أفقي، يمكن أن يكون عدده كبيرًا، ولكنه ليس تنظيمًا قادرًا على إدارة معركة انتخابية بكفاءة، ومن ثم فإن ما حققوه يدل على قوتهم، وأن هذه القوة إذا ترجمت إلى تنظيم من أي نوع، فإنهم مرشحون للتقدم بقوة، وهذا بالطبع تحدٍّ حقيقي للإخوان. أما حزب الوسط، فقد أخذ ما يستحق تقريبًا، وإن كان عليه في المستقبل أن يراهن على الإسلاميين المستقلين، وعلى الجمهور العادي، الذي لا يرتاح مثلًا إلى الإخوان أو السلفيين، ولكنه يتمسك بهوية مصر الإسلامية. ومع مزيد من التأمل في نتائج الانتخابات، نجد 15 % لقائمة الكتلة، وهو تجمع لأحزاب معينة، مثل التجمع والمصريين الأحرار... الخ، وهو قد حصل على أصوات المسيحيين المصريين بأوامر من الكنيسة، إلى جانب أصوات مسلمين تعاطفوا مع مرشحين مسلمين على قوائم الكتلة بحكم العلاقات الأسرية أو الجهوية أو غيرها، وبديهي أن 15 % أكبر من كتلة المسيحيين التصويتية، لأن المسيحيين في مصر 6 %، ومع تكثيف الذهاب إلى صندوق الانتخابات بأوامر ودعم من الكنيسة، فإن نسبتهم التصويتية سوف ترتفع قليلًا. أيًا كان الأمر فإن تصويت المسيحيين للكتلة المصرية حرم الوفد من أصوات كثيرة، وجاءت نتيجة حزب الوفد بالتالي 11 %، لتعلن الوفاة التاريخية لحزب الوفد، التي تأخر الإعلان عنها كثيرًا. أثبتت الانتخابات أن مصر ليس بها إلا الإسلاميون، والصوت المعادي للإسلاميين، وأن بقية الأحزاب هي أحزاب لقيطة لا قيمة لها. من نتائج هذه الانتخابات يمكننا أن نتوقع شيئًا من السيناريوهات المستقبلية، فلقد راهن أعضاء النظام القديم الذين لا يزالون يمسكون بتلابيب السلطة بشكل أو بآخر، على فلول الحزب الوطني، وعلى قاعدة الانتماء العائلي والقبلي والوجود الخدمي، وكذا على حزب الوفد، ولقد أعطى الشعب المصري درسًا هامًا في هذا الصدد؛ فقد انتهت فلول الحزب الوطني تمامًا، وضعف الوفد إلى درجة مزرية، وهذا يعني أن المراهنة على أمر من هذا النوع قد بات وهمًا خالصًا. انتهت مرحلة مبارك عمليًا بهذه الانتخابات، ولعبة السياسة باتت تقول إما ديكتاتورية وإما إسلامية، وليس هناك خيار ثالث، وإما أن يراهن أذناب النظام القديم الذين لا يزالون في السلطة على الخيار الجزائري، وهذا صعب، أو الخيار الباكستاني، بمعنى إمساك الإسلاميين بالسلطة في الداخل مع جعل الجيش يتحكم في السياسة الخارجية والأمن القومي، وهو أمر محفوف بالمخاطر، نظرًا لوجود إسرائيل على حدود مصر، ونظرًا لوجود حماس في قطاع غزة، وهي من الإخوان المسلمين، وليس من السهل على إخوان مصر تجاهل حماس أو الوقوع في صفقة على حسابها، أكثر من هذا أن حماقة إسرائيل جزء من تكوين أي ظالم، وإسرائيل ظالمة، وسوف ترتكب حماقات، وهذا لن يجعل موضوع غزة وفلسطين باردًا طوال الوقت. المسألة شديدة التعقيد، وعلى الإسلاميين أن يمتلكوا الجرأة والشجاعة والخيال لإدارة هذه المرحلة الصعبة، لأن نجاحهم سوف يقرب عصر الخلافة الإسلامية الراشدة، وصعود العالم الإسلامي من جديد في عالمية إسلامية ثانية، وفشلهم يعني الشوشرة على المشروع الإسلامي إلى مدى غير قصير، والله الموفِّق والمستعان. المصدر: الإسلام اليوم