د. مازن النجار \n\n منذ أيام نشرت صحف بريطانية أن دراسة واسعة لإصابات في الدماغ يعانيها جنود بريطانيون عائدون من العراق وأفغانستان؛ ويخشى أن يكون آلاف منهم قد تأذوا عقلياً بعد تعرضهم لانفجارات بالغة السرعة. وتذكر التقارير أن نحو 20 بالمائة من الجنود وعناصر البحرية الأميركيين عانوا \"إصابات دماغية غير حادة\" مما يصيب رؤوسهم من صدمات أو موجات ارتدادية لتلك الانفجارات.\nوتنفذ وزارة الدفاع الأميركية برنامجاً واسعاً للفحص الدقيق لقواتها العائدة من ساحة المعركة، واكتشف أن هذه الإصابات ينتج عنها فقدان الذاكرة وإحباط وقلق. ونقل عن ليام فوكس، المتحدث باسم المحافظين، تساؤله عن تدني مستوى العناية المتاحة للجنود البريطانيين. تحدث هذه الإصابات لدى تعرّض الرأس لصدمة قوية أو وجود الجندي قرب انفجار كبير. وقال خبراء أن أفضل الخوذات وأحدثها لا يمكنها حماية الدماغ من موجات ارتدادية.\nبدورهم، يتعرض الجنود الأميركيون في العراق لأعباء وإجهادات وكروب فوق المعتاد في الحروب، نظراً لعدم كفاية القوات واضطرار القيادة السياسية والعسكرية إلى تغيير نظام تبديل الوحدات بما يطيل أمد وجودها في ميادين القتال أو إعادتها مرة أخرى إلى العراق رغم أنها أمضت هناك فترات خدمتها المقررة لها.\nاضطراب \"كرب عقب الصدمة\" (PTSD) يصيب الجنود بعد التعرض للإصابات أو صدمات القتال؛ ويتمثل باسترجاعات مفزعة من الذاكرة، والمراوحة بين التنميل (الخَدَر) العاطفي واندلاع الغضب والشعور بالذنب والاكتئاب. وقد يعاني بعضهم فقدان الذاكرة والقدرة على الانتباه، أو الأرق والقلق. وغالبا ما يقعون فريسة الإدمان على المخدرات والكحول في مرحلة لاحقة من حياتهم. بيد أن المعروف بشكل أقل هو أن اضطراب \"كرب عقب الصدمة\" يؤدي إلى صحة بائسة جسدياً كما هي بائسة نفسياً. \nيلاحظ الباحثون أن الجنود الذين يعانون من هذا الاضطراب، أكان ذلك بعد خبرة قتالية أو بدونها، كانوا أكثر عرضة للوفاة بأسباب خارجية كالحوادث والمخدرات والانتحار. أما الجنود الذين أصيبوا باضطراب \"كرب عقب الصدمة\" نتيجة القتال فقد كانوا كذلك أكثر عرضة للوفاة بأمراض القلب ، بل وللمفاجأة، بسبب مختلف أنواع السرطان أيضاً.\nأورد تقرير لمكتب المحاسبة العام التابع للكونغرس الأميركي أن إحدى الدراسات قدرت أن نحو 16 بالمائة من الجنود الأميركيين في العراق يعودون من هناك باضطراب \"كرب عقب الصدمة\"، رغم أن المسؤولين العسكريين يقولون أنهم لا يحتفظون بإحصائيات حول عدد الجنود الذين لا زالوا في الخدمة القتالية وتم تشخيصهم بذلك. فمعظم الجنود لا يتلقون فحوصات كشف جماعي.\nوكانت دراسة أخرى أجراها علماء الجيش الأميركي قد قدرت أن 18 بالمئة من الجنود الذين خدموا في العراق معرضون للإصابة باضطراب \"كرب عقب الصدمة\"، وهذه النسبة تترجم عددياً بأكثر من 60 ألف جندياً. وكلما زادت الاشتباكات بالنيران التي يخوضها الجنود يصبحون أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب. بينما يتنبأ خبير آخر -من محاربي فيتنام القدامى- أن مستويات اضطرابات إجهاد عقب الصدمة للجنود الأميركيين الذين خدموا في العراق ستماثل نفس المستويات لدى الجنود الذين قاتلوا في فيتنام.\nمن ناحية أخرى، ذكر تقرير آخر لمكتب المحاسبة العام أن وزارة شؤون المحاربين القدامى لم تستكمل تنفيذ التوصيات التي يقررها استشاريو الوزارة ذاتها، منذ عام 1985، وفقا لبعض الحالات، بخصوص تحسين معالجة \"كرب عقب الصدمة\"، كالتحقق من إجراء فحوصات كشف جماعي وتقديم المشورة الطبية.\nممارسة شائعة\nوفي تقرير لمراسلة شبكة \"سي بي أس\" الأميركية، شارين ألفونسي، أفاد الأطباء العسكريون مؤخرا أنه تحت ضغط متطلبات الحفاظ على مستويات (أعداد) معينة من القوات المسلحة، يصبح من \"الممارسة الشائعة\" إعادة نشر (إرسال) جنود مصابين بأمراض عقلية في ميادين القتال. وكان بعض هؤلاء الجنود قد أمضوا شهوراً طويلة في العراق قبل أن يقوم أطباؤهم العسكريون بتشخيص إصابتهم باضطراب \"كرب عقب الصدمة\". وقد أرسل البعض إلى وحدات العلاج النفسي بمراكز العلاج.\nووفقا لنفس التقرير، أحد هؤلاء – مثلاً- أخذ منه سلاحه، واعتبر غير صالح لأداء مهامه العسكرية؛ فلا يحق له الاحتفاظ به. ثم أودع قيد الاحتجاز والمراقبة تحسباً من إقدامه على الانتحار\". وبعد عام أعيد إرساله إلى الرمادي بالعراق، في قلب المثلث السني، وأعيد إليه سلاحه. وهو لا يزال هنالك. وقد أرسل إلى أسرته رسالة تقول: \"يكاد رأسي ينفجر من الدماء المتورمة داخله، ومن عاصفة البرق التي حدثت داخل رأسي.\" وكتب إلى والده أن العلاجات المضادة للاكتئاب تجعل حالته سيئة، وربما يتوقف عن تناولها.\nالدكتور جون ويلسن، الخبير بصدمات القتال، يعتبر إعادة ذلك الجندي للعراق فكرة غير جيدة بتاتا. فهناك خطر حقيقي من دفع جنود يعانون من اضطراب \"كرب عقب الصدمة\" إلى الخطوط الأمامية يتمثل في أنهم بذاتهم عرضة لمخاطر، بل ويجعلون وحداتهم العسكرية عرضة أيضاً للمخاطر، وربما ينهارون تحت وطأة إجهادات القتال.\nواجه مخاوفك في الجبهة!\nجندي آخر نال أوسمة عسكرية، وأصيب إصابة بالغة في بغداد لدى تفجير عربة همفي كان يقودها بواسطة لغم أرضي، ولقي صديقه حتفه في الحادث، يلخص خبرته المؤلمة في هذه الأوضاع كما لو كان \"أسوأ يوم يمكن تخيُله هو في الحقيقة كل يوم\"؛ بل وتزداد الأمور سوءاً كل يوم؛ \"ولا ألوم إلا نفسي\"!\nأصبح ذلك الجندي مصابا بالاكتئاب وجنون الارتياب (بارانويا)، وشخّص الأطباء أنه مريض ويعاني من \"كرب عقب الصدمة\". ولكن بعد أربعة أشهر من ذلك التفجير المهلك، أعادوه إلى العراق. وأرسل الجيش رسالة بالبريد الإلكتروني لأسرته تقول أنهم يعلمون بمعاناته من ذلك الاضطراب لكن \"الأفضل لمصلحته\" أن \"يواجه مخاوفه\" ويعود إلى الجبهة.\nيعتبر د. ويلسن هذا القرار مفتقراً إلى المعقولية أو الفهم العملي السليم. فأن تضع أحداً بهذه الحال في الجبهة، وتقول له \"واجه مخاوفك\"، يتناقض مع كل المعرفة الطبية والعلمية الراهنة حول \"كرب عقب الصدمة\". يعتبر هذا الجندي أنه أعيد إرساله إلى العراق حتى تستكمل القيادة العسكرية أعداد الجنود اللازمة في صفوف قواتها هناك.\nوكانت دراسات طبية عديدة قد تناولت الآثار الضارة المتعددة للحروب على صحة الجنود، أمراضا ومعاناة لعقود قادمة، تجعلهم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والشرايين والبول السكري والسرطان أيضا. وهذه المشكلات من المرجح أن تصيب –على الأخص- الجنود الذين خبروا قتال حرب المدن، كالذي يحدث في العراق الآن.\nتعدد الارتباطات المرضية\nوقد تناولت بعض الدراسات بالتحليل سجلات وبيانات الأمراض والوفيات وكيفية الوفاة بالنسبة لجنود خدموا في فيتنام ولبنان وغيرهما. وأظهرت فروقا شاسعة في معدلات الوفاة بين مجموعة عانت أمراضا مستعصية نتيجة الضغوط والأمراض النفسية وتوفي أفرادها نتيجة ذلك ومجموعة أخرى توفي أفرادها طبيعياً، وذلك على مدى ثلاثة عقود بعد نهاية حرب فيتنام.\nووجدت دراسات أخرى ارتباطا بين الإجهاد (الكرب) وأمراض القلب، وهي المرة الأولى التي يثبت فيها هذا الترابط مع اضطراب \"كرب عقب الصدمة\"، بعد حدوثها بسنوات عديدة. بيد أن السرطان هو المفاجأة التي توقف عندها الباحثون، ولم يمكن تفسيره بالفروق بين الجنود في عادات التدخين.\nكذلك وجد الباحثون أن المصابين باضطراب \"كرب عقب الصدمة\" قد يشهدون على المدى البعيد تغيرات في مختلف ردود الفعل المناعية، ومستويات هرمون الإجهاد \"كورتيزول\" وكيماويات متل \"الأدرينالين\" و\"الدوبامين\" المسؤول عن انفعالات القتال والاشتباك.\nكما لاحظوا وجود علاقة مباشرة بين مقدار تعرض الجنود للقتال وبين الانخفاض في مستويات هرمون الإجهاد. فازدياد الوفيات بين المصابين باضطراب \"كرب عقب الصدمة\" يبين أن الإجهاد (الكرب) يقتل، ولكن التأثير الأكبر بكثير بين جنود خاضوا القتال فعلا يظهر أن هناك شيء ما سيء، على نحو خاص، يُصاحب هذه الظواهر، وقد يعود الى مستويات هرمونات الإجهاد والضغوط النفسية.\nخبرة إسرائيلية!\nوكانت أبحاث سابقة أخرى قد خلصت إلى نتائج مماثلة من حيث الارتباط الواضح بين اضطراب \"كرب عقب الصدمة\" وبين أمراض القلب والشرايين لدى المحاربين القدامى في الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية، وصراعات كرواتيا ولبنان. والحقيقة أن هذه النتائج لا تنفرد بها فرق البحث الأميركية فحسب. فقد نشر فريق بحث إسرائيلي من جامعة تل أبيب نتائج دراستهم لصحة جنود إسرائيليين شاركوا في احتلال لبنان عام 1982.\nوجد الباحثون أن الجنود الإسرائيليين المصابين باضطراب \"كرب عقب الصدمة\" هم الآن أكثر عرضة بمقدار الضعف للإصابة بارتفاع ضغط الدم والقرحة والبول السكري، وأكثر عرضة بخمسة أضعاف لأمراض القلب والصداع، مقارنة بالذين لم يصابوا بذلك الاضطراب. فهو الآلية الرئيسة التي ينتقل عبرها المحاربون القدامى من الصدمة إلى الصحة البائسة.\nوالمرجح أن الحرب الأخيرة على لبنان وإخفاقاتها وخسائرها -غير المسبوقة- ستكون أبلغ ضررا بصحة الجنود الإسرائيليين من سابقاتها، نظرا لاتساع نطاق المفاجآت والصدمات وأساليب القتال التي تعرضوا لها خلال خمسة أسابيع من حرب عصابات مرهقة.\nعندما كانت الإدارة الأميركية تعد الذرائع والخطط لغزو العراق قبل نحو خمسة أعوام، ردد القادة الأميركيون كلمتي "Shock & Awe" أي \"الصدمة والترويع\" اللتين اعتبرتا مفتاح تقويض النظام العراقي السابق وجيشه وصولاً لانتصار ساحق للغزو. لكن الواقع أن عشرات آلاف الجنود من الأميركيين وحلفائهم سيعودون إلى بلادهم مثقلين بأعباء \"الصدمة والكرب\"، التي ستحيل حياتهم إلى بؤس نفسي وجسدي لعقود طويلة قادمة.\n\n الجنود البريطانيون العائدون من العراق يعانون أمراضا دماغية غامضة (27. 10. 07) الخوذات لا يمكنها أن تحمي الدماغ من الموجات الارتدادية\nقالت صحيفة غارديان إن وزارة الدفاع البريطانية بدأت في دراسة واسعة حول إصابات في الدماغ يعاني منها الجنود البريطانيون العائدون من العراق وأفغانستان وسط تخوف من أن يكون آلاف الجنود تأذوا عقليا بعد تعرضهم لانفجارات سريعة للغاية.\nوذكرت أن حوالي 20% من الجنود وعناصر البحرية الأميركية عانوا من \"إصابات دماغية غير حادة\" بسبب ما يصيب رؤوسهم من صدمات أو بسبب الموجات الارتدادية لتلك الانفجارات.\nوقالت الصحيفة إن وزارة الدفاع الأميركية تنفذ برنامجا واسعا للفحص الدقيق للقوات الأميركية العائدة من الجبهة الأمامية من ساحة المعركة، وقد اكتشف أن مثل هذه الإصابات ينتج عنها فقدان الذاكرة والإحباط والقلق.\nونقلت الصحيفة عن الدكتور ليونيل جارفيس مدير السياسات الصحية بوزارة الدفاع البريطانية أن بريطانيا تقوم بكل ما بوسعها لتحسين وسائل تشخيص ومعالجة هذا الوضع, وتتقدم في هذا المجال بالتوازي مع الأميركيين.\nعناية أفضل\nلكن الصحيفة نقلت عن ليام فوكس المتحدث باسم حزب المحافظين المعارض قوله إن علينا أن نتساءل مرة أخرى عن حصول الجنود الأميركيين على عناية أفضل من تلك التي يحظى بها قرناؤهم البريطانيون.\nالصحيفة نبهت إلى أن مثل هذه الإصابات عادة ما تحدث عندما يتعرض الرأس لصدمة قوية أو يوجد الجندي في مكان قريب من انفجار كبير.\nونقلت عن خبراء قولهم إن أفضل الخوذات وأحدثها لا يمكنها أن تحمي الدماغ من الموجات الارتدادية.