د.مازن النجار \n\n كشفت دراسة تجريبية جديدة أن الأطفال الأيتام والمتروكين، الذين تلقوا رعاية أسرية منزلية في بيوت كفلائهم، يبدون مهارات منطقية ولغوية وفكرية أفضل من نظرائهم الذين تربوا في ملاجئ الأيتام أو مؤسسات رعاية.\nتأتي هذه الدراسة، التي أجراها باحثون من كلية طب جامعة هارفرد الأميركية، كأحد أوائل البحوث العلمية التي تتناول أثر الرعاية الأسرية على تطور دماغ الطفل، وتنمية ذكائه وقدراته ووعيه الاجتماعي، وانسجامها الطبيعي مع فطرته.\nهذه الدراسة التي بدأت عام 2000 في بوخارست، عاصمة رومانيا، توضح أن الأطفال الذين يُنشّؤون في بيوت أسر تكفلهم -بدلاً من ملاجئ الأيتام- قد أحرزوا في سن الرابعة مستويات أو منحنيات ذكاء (IQ)، أعلى وبشكل ملموس من نظرائهم في دور الأيتام.\nجدير بالذكر أن رومانيا لم يكن بها نظام رسمي يقنن عملية قيام الأسر الراغبة بكفالة الأطفال الأيتام والمتروكين تحت إشراف الدولة، وهو ما يعرف بنظام التنشئة أو التربية (Foster System)، عندما بدأت الدراسة عام 2000. \nبين الملاجئ والمنازل\nشملت هذه الدراسة 136 طفلاً أعمارهم جميعاً تقل عن 31 شهراً، وكانوا موزعين على 6 مؤسسات لرعاية الأيتام. وكان الأطفال جميعاً بصحة جيدة. يقول الدكتور شارلز نِلسن، الباحث بكلية طب هارفرد وقائد فريق البحث، أن ما يرمي إليه الباحثون هو إخراج هؤلاء الأطفال من البيئات السيئة ووضعهم في بيئات جيدة.\nكشفت دراسة هارفرد أن الأطفال المقيمين مع الأسر الكافلة لهم قد سجلوا في المتوسط 81 في اختبارات منحنى الذكاء التي أجروها في سن 54 شهراً، مقارنة بمتوسط 73 للأطفال الذين أقاموا في مؤسسات رعاية الأيتام والمهملين.\nبيد أن الصغار الذين ينشؤون في أسرهم الطبيعية (البيولوجية) قد حققوا متوسط 109 في نفس الاختبارات، وهو ارتفاع في مستوى الذكاء قد يعني لبعض الأطفال الحد الفاصل بين التخلف العقلي والذكاء المتوسط.\nالاكتشاف الأهم في هذه الدراسة هو أن الأطفال الذين أخرجوا من ملاجئ الأيتام قبل سن الثانية قد أظهروا التحسن الأفضل في أدائهم العقلي بين جميع الأطفال. ولاحظ الباحثون أنه كلما طالت مدة مكوث الطفل في مؤسسات رعاية الأيتام كلما ساء أداؤه في اختبارات مستوى الذكاء.\nتأثيرات طويلة الأمد\nيعتبر آرون غرينبرغ، إخصائي حماية الطفل بصندوق رعاية الطفولة (يونيسف) التابع للأمم المتحدة، أن نتائج هذا البحث توفر دليلاً علمياً صلباً على التأثيرات طويلة الأمد لحرمان الأطفال من الرعاية الجيدة. الجزء الذي يثير الاهتمام هنا هو أهمية الرعاية الفردية للطفل وتأثيرها على تطوره إدراكياً ومعرفياً.\nوكانت دراسات سابقة أجريت على أطفال متروكين في دور الأيتام برومانيا خلال العهد الشيوعي قد كشفت عن التأثيرات البدنية والعاطفية على هؤلاء الأطفال، لكن لم يكن معلوماً إلا القليل عن الإيذاء العقلي أو الإدراكي الذي لحق بهم.\nيأمل الدكتور نلسن أن تستخدم حصيلة هذه الدراسة المنشورة بمجلة \"سيانس\" في توجيه سياسات البلاد الأخرى ذات الكتل السكانية الكبيرة نحو الأطفال المتروكين.\nوكانت أبحاث قد أجريت على القردة منذ عقود، قد وجدت أن مداعبة أو ملاعبة الأمهات لصغارها يؤثر إيجاباً على نمو أدمغة الصغار ومستويات ذكائهم، بحيث فاق نمو أدمغة نظرائهم الآخرين من صغار القردة الذين لم يحصلوا على نفس النوع من التنشئة.