\r\n رسمياً تقول إسرائيل إن الهدف هو وضع حد لإطلاق الصواريخ على بلداتها الجنوبية، وفي هذه الحالة ألم يكن بمقدور إسرائيل تحقيق هذا الهدف برفع الحصار المفروض على غزة الذي كانت تشترطه \"حماس\" لتمديد الهدنة ووقف إطلاق الصواريخ؟ لكن إسرائيل لم ترغب في تلبية الطلب خوفاً من أن يُفسر على أنه انتصار ل\"حماس\"، كما أن الغرض الحقيقي للدولة اليهودية، الذي لم يعد خافياً على أحد، ليس أقل من تدمير \"حماس\" وتفكيك حركتها التي ساهمت هي نفسها في صعودها قبل أكثر من عشرين عاماً لمواجهة نفوذ \"منظمة التحرير الفلسطينية\" ذات التوجه العلماني. غير أنه إلى جانب تلك الأهداف التي يسوقها البعض هناك رغبة إسرائيلية ملحة في استعادة قوة الردع بعدما تعرضت لانتكاسة واضحة في حرب 2006 مع لبنان. \r\n \r\n فهل إسرائيل قادرة على تحقيق تلك الأهداف؟ ألا تخاطر الدولة العبرية بالظهور وكأنها خرجت منهزمة من حملتها العسكرية على غرار ما حدث مع \"حزب الله\"؟ وهل يمكن تحقيق نصر شامل وواضح على\"حماس\"؟ ثم ألا تعطي إسرائيل الانطباع للرأي العام الدولي وكأنها تسعى إلى سحق بذرة صغيرة بمطرقة ضخمة عبر الاستخدام المفرط للقوة؟ وأخيراً ألن تساعد الضربات الجوية التي يتعرض لها قطاع غزة على تعزيز القوى السياسية ذاتها التي تسعى إسرائيل إلى إضعافها؟ أما فيما يتعلق بالصواريخ التي تطلقها \"حماس\" على إسرائيل فلا شك أنها مثيرة للرثاء أكثر من أي شيء آخر سواء على الصعيد العسكري، أو حتى السياسي، ورغم ما تلحقه تلك الصواريخ أحياناً من خسائر مادية وبشرية، فإنها بعيدة كل البعد عن تركيع إسرائيل، ولن تغير شيئاً في موازين القوى المائلة على نحو سافر لصالح إسرائيل. والأكثر من ذلك أن الصواريخ التي تطلقها \"حماس\" لا تساهم سوى في دفع الرأي العام الإسرائيلي نحو الراديكالية وإضعاف معسكر المعتدلين المدافعين عن السلام، فهل الهدف هو فعلا تقويض العملية السلمية، ليبدو وكأن إسرائيل من خلال عمليتها العسكرية في غزة تسقط في فخ التشدد وتبديد أي فرص للسلام؟ \r\n \r\n الصواريخ التي تطلقها \"حماس\" لا تساهم سوى في دفع الرأي العام الإسرائيلي نحو الراديكالية وإضعاف معسكر المعتدلين المدافعين عن السلام. \r\n \r\n \r\n أياً كان الأمر تدرك إسرائيل أنه لتجنب أي احتمال لإضعاف المعتدلين من الفلسطينيين لا بد من دحر \"حماس\" وإلحاق هزيمة واضحة بها من خلال إرغامها على طلب وقف فوري لإطلاق النار، وهو أمر يصعب تصوره دون حصول \"حماس\" على المقابل، وإلا كان إعلاناً للاستسلام لن تقبل به الحركة أبداً. ويمكن لإسرائيل في إطار تصعيدها السعي إلى تدمير \"حماس\" كلياً واستئصالها من قطاع غزة، إلا أنه قبل المضي قدماً في مسعاها على الدولة العبرية تصديق دعايتها الخاصة حول الحركة الإسلامية، وأنها فعلًا تنظيم إرهابي كما تصفها الولاياتالمتحدة وينجر وراءها الاتحاد الأوروبي أيضاً. لكننا نعرف جيداً أن \"حماس\" ليست هي \"القاعدة\". وعلى غرار \"حزب الله\" اللبناني لن تؤدي الحرب الحالية على غزة إلا إلى تقوية الحركة وتعزيز موقفها. وتعتقد إسرائيل اليوم كما اعتقدت في حربها على لبنان أن استهداف السكان وقصف بيوتهم وتعريضهم للقتل كفيل بتحريضهم على قادتهم سواء كانوا من \"حزب الله\"، أو من \"حماس\" بدلا من انقلابهم على قوة الاحتلال ليثبت وبشكل قاطع فشل هذه الفكرة في لبنان، وربما كان مآلها الإخفاق أيضا في غزة. ففي فلسطين كما في جميع بقاع العالم يكون رد الفعل الأولي والمباشر لأي شعب يواجه الاعتداء الالتفاف حول القيادة ومؤازتها في وقت الشدة، وفيما تقول إسرائيل إنها تريد إزاحة \"حماس\" من الساحة لتقوية فرص المعسكر المعتدل تنسى أن أفضل دعم يمكن تقديمه لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، هو منحه الوسائل التي يستطيع بواسطتها إقناع شعبه بأن خياره الاستراتيجي القائم على المفاوضات وإدانة العنف سيحرر أرضهم ويجلب لهم السلام. \r\n \r\n وقد تنبأ يوسي بيلين في عام 2006 بفوز حركة \"حماس\" بعدما حذر المسؤولين الإسرائيليين من عدم انخراطهم الجدي في مفاوضات حقيقية مع محمود عباس، وهو ما ما كان بالفعل ليأتي فوز \"حماس\" بأغلبية المقاعد البرلمانية في المجلس التشريعي الفلسطيني مدوياً وصادماً في الوقت نفسه، وحتى بعد المشاركة في مؤتمر \"أنابوليس\"، لم يجنِ الرئيس عباس أي مكاسب للقضية الفلسطينية. ولا ننسى أيضاً أنه بهذه الخطوة العسكرية، وضعت إسرائيل مصر، وهي إحدى الدول العربية القليلة التي وقعت على اتفاق سلام معها، في موقف محرج للغاية. \r\n \r\n لكن ما هي الأخطار التي قد تتعرض لها إسرائيل جراء قصفها العنيف لقطاع غزة؟ \r\n \r\n على المدى القصير، لا توجد أية أخطار في ظل غياب أية فرصة للرد العسكري المماثل للفلسطينيين على إسرائيل، وأمام الموقف الحذر للدول العربية الذين نأوا بأنفسهم عن التدخل، ثم اكتفاء الدول الغربية بتدبيج بيانات الشجب والإدانة، إلا أن ذلك لا يعني بأن إسرائيل لن تخسر سياسياً، فهي ستضعف العرب المعتدلين الذين يسعون بكل جد للتفاوض معها وستجيش المشاعر الشعبية الغاضبة إزاء صور القتلى الفلسطينيين، ناهيك عن تدهور صورة إسرائيل لدى الرأي العام الدولي في ظل ارتفاع عدد الضحايا وسقوط المزيد من القتلى. وفيما يلفت البعض الانتباه إلى تزامن قصف غزة مع الاحتفالات بعيد ميلاد المسيح والتنافض الصارخ بين الحدثين، يجدر التذكير أيضاً أن مأساة غزة جاءت بعد أيام قليلة من وفاة منظر صراع الحضارت، \"صمويل هانتنجتون\"، الذي يبدو أن ما يجري حالياً يؤكد الكثير من مقولاته. \r\n \r\n \r\n