وفي خطاب مارتن لوثر كينج تحت عنوان « لدي حلم» قال بالحرف الواحد ( حلمي أن أطفالي الأربعة سيعيشون يوما ما في بلد لا يحكم عليهم بلون جلودهم بل بمضامين شخصياتهم, وبهذه العقيدة يمكننا تحويل المشاحنات والمشادات في بلدنا الى سيمفونية رائعة من الأخوة). \r\n \r\n وكان خطاب كينج دافعا قويا لإصدار الكونغرس مرسوما عام1964 حول الحقوق المدنية, وواصل كينغ حملته ومسيرته لدعم الحقوق المدنية التي قرأ عنها في كتبه وكراساته منذ طفولته, وتعلم منها أن الدستور الأمريكي ينص على أن (جميع المواطنين الأمريكيين متساوون في الحقوق والواجبات وأن لا فرق بين رجل وامرأة, أسود وأبيض, غني وفقير, مسيحي ويهودي, أوروبي الأصل وإفريقي الأصل), لكن كينغ كان أينما يتجه نظره الى المجتمع الأمريكي يجد تفرقة عنصرية رهيبة, ومن هنا ثار كينغ على هذا التناقض الواضح بين نصوص الدستور ومبادئ الأمة, والواقع الذي يعيش به, وحاول الدعوة الى اصلاحه بالطرق السلمية متأثرا بدعوة غاندي, واختار كينغ الولايات الجنوبية حيث تشتد التفرقة ميدانا لكفاحه السلمي, وبدأ أولى حملاته منذ عام1955 لكفاحه السلمي ضد قانون الحقوق المدنية عام1964, ونال جائزة نوبل للسلام في العام نفسه. \r\n \r\n وكان صوت كينغ آنذاك من الأصوات القوية التي اعترضت على الحرب الأمريكية في فيتنام, داعيا لنبذ العنف في حل المنازعات ومؤكدا أن الصمت بشأن هذا يعد خيانة واستنزافا للمال والرجال, لأن الحرب كوسيلة لفض المنازعات ليست وسيلة عادلة, وظل كينغ يواصل رسالته المدنية السلمية حتى تم اغتياله عام1968. \r\n \r\n *** \r\n \r\n وبرغم الفارق الكبير بين المشهد الأمريكي في الستينيات والمشهد الأمريكي المعاصر في بداية الألفية الثالثة, فيمكن القول إن قضية الحقوق المدنية في الولاياتالمتحدة لاتزال تراوح مكانها, والتطرق الى هذا الموضوع لا يعد تأييدا لأوباما أو لمنافسه ماكين, حيث لا ناقة لنا ولا جمل لدى شخص هذا المرشح أو ذاك, ولكن همنا نحن شعوب الأمة العربية والإسلامية وكذا شعوب العالم الثالث أن يتبوأ كرسي البيت الأبيض من يدرك أهمية حقوق الشعوب والدول الى جانب حقوق الشعب الأمريكي بمختلف ألوانه السياسية وطوائفه العرقية والإثنية, وفي هذا الصدد يكفي الإشارة الى قضيتين: الأولى خاصة بحقوق الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية, حيث ذهب مائة مليون منهم للإدلاء بأصواتهم في انتخابات عام2000 وعام2004 ولكن أصواتهم لم تحسب ولم تدرج في تعداد الناخبين, حيث تم استبعادها تماما.. أما القضية الثانية فهي قضية الاحتلال الأمريكي للعراق والتحرش بدول وشعوب أخرى عديدة ونسيان الدروس الصعبة التي عانت منها الولاياتالمتحدة باحتلالها فيتنام في السبعينيات. \r\n \r\n نحن إذن أمام مشهد أمريكي مكرر لمشهد ستينيات وسبعينيات القرن الماضي, والتساؤل المطروح: هل يستطيع أوباما, في حالة نجاحه في الانتخابات, أن يكرر الموقف المبدئي الذي اتخذه مارتن لوثر كينغ بالنسبة للحقوق المدنية, التي لاتزال معيبة ومنقوصة, وبالنسبة للتدخل العسكري الأمريكي في عدد من الدول والمناطق دون موافقة مجلس الأمن الدولي؟ \r\n \r\n *** \r\n \r\n ولعل تداعيات الأزمة المالية العالمية الحالية تدفع الإدارة الأمريكية إلى التفكير الجدي في تقديم حلول عملية للقضيتين السابقتين خلال الفترة الانتقالية بين انتخابات المرشح الديمقراطي( أوباما) أو المرشح الجمهوري( ماكين), ابتداء من الأسبوع المقبل وحتى تولي الرئيس المنتخب الرئاسة ودخوله البيت الأبيض في20 كانون ثاني 2009, وهذا يعني أن هناك سبعة أشهر كاملة أمام الإدارة الأمريكية الحالية للاستفادة من تجربة مارتن لوثر كينغ بدلا من قيام الحكومات الأمريكية واحدة وراء الأخرى بتخليد ذكراه بين حين وآخر منذ رحيله عام1968, دون استيعاب الدروس المستفادة وفي هذا الصدد نشير الى ما يلي: \r\n \r\n لا يكفي أن تحول الحكومة الأمريكية الفندق الذي قتل فيه كينغ( في قلب مدينة ممفيس) الى متحف للحقوق المدنية يضم متعلقات الزعيم الراحل كينغ, بما في ذلك السيارتان اللتان كان يستخدمهما عندما عاد الى ممفيس في نهاية اذار 1968. ولعل الحكومة الأمريكية تدرك أن الحقوق المدنية لا يتم ايداعها في فنادق وانما بالوفاء لنصوصها على أرض الواقع. \r\n \r\n ولا يكفي أن يقرر الكونغرس الأمريكي اعتبار يوم مولد مارتن لوثر كينغ في15 كانون الثاني 1929 عيدا قوميا يحتفل به في ثالث اثنين من شهر كانون الثاني من كل عام, لا يكفي هذا لأن تسمية الأعياد القومية تكون أيضا بالوفاء بالدروس المستفادة من الحدث نفسه, ويكفي الإشارة هنا الى أن منظمة اليونسكو عندما قررت في ربيع1993 احياء ذكرى كينغ حرصت على ابراز جهوده التي كرسها لمبادئ التعايش السلمي بين البشر, وتأكيدا للحفاظ على كرامة الكائن البشري دون قيد بسبب الجنس أو الأصل أو الدين. \r\n \r\n *** \r\n \r\n وأخيرا فإن على الإدارة الأمريكية أن تدرك معنى ومغزى المثل المصري المشهور الذي يقول( من كان بيته من زجاج فلا يقذف الآخرين بالطوب). \r\n \r\n -عن «الاهرام» المصرية \r\n \r\n د. أحمد يوسف القرعي \r\n