أوباما.. هل يحقق حلم مارتن لوثر كينج؟ د. أحمد يوسف القرعي إن مجرد ترشيح أوباما( الإفريقي الأصل) رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية يعد المكسب الحاسم وغير المسبوق بعد مرور45 عاما علي مسيرة الحقوق المدنية, التي قادها مارتن لوثر كينج في23 أغسطس1963 للتجمع أمام نصب لنكولن التذكاري في واشنطن, وضمت المسيرة300 ألف من مختلف الأجناس والانتماءات الدينية, وكان المطلب الأساسي للمسيرة أن تصدر الحكومة الأمريكية قوانين لحماية جميع الأمريكيين, خاصة ذوي الأصول الإفريقية, ضد انتهاكات الحقوق المدنية, ولقد ألهبت المسيرة آنذاك مشاعر ملايين ممن شاهدوها علي شاشات التليفزيون. وفي خطاب مارتن لوثر كينج تحت عنوان[ لدي حلم] قال بالحرف الواحد[ حلمي أن أطفالي الأربعة سيعيشون يوما ما في بلد لا يحكم عليهم بلون جلودهم بل بمضامين شخصياتهم, وبهذه العقيدة يمكننا تحويل المشاحنات والمشادات في بلدنا الي سيمفونية رائعة من الأخوة]. وكان خطاب كينج دافعا قويا لإصدار الكونجرس مرسوما عام1964 حول الحقوق المدنية, وواصل كينج حملته ومسيرته لدعم الحقوق المدنية التي قرأ عنها في كتبه وكراساته منذ طفولته, وتعلم منها أن الدستور الأمريكي ينص علي أن[ جميع المواطنين الأمريكيين متساوون في الحقوق والواجبات وأن لا فرق بين رجل وامرأة, أسود وأبيض, غني وفقير, مسيحي ويهودي, أوروبي الأصل وإفريقي الأصل], لكن كينج كان أينما يتجه نظره الي المجتمع الأمريكي يجد تفرقة عنصرية رهيبة, ومن هنا ثار كينج علي هذا التناقض الواضح بين نصوص الدستور ومبادئ الأمة, والواقع الذي يعيش به, وحاول الدعوة الي اصلاحه بالطرق السلمية متأثرا بدعوة غاندي, واختار كينج الولايات الجنوبية حيث تشتد التفرقة ميدانا لكفاحه السلمي, وبدأ أولي حملاته منذ عام1955 لكفاحه السلمي ضد قانون الحقوق المدنية عام1964, ونال جائزة نوبل للسلام في العام نفسه. وكان صوت كينج آنذاك من الأصوات القوية التي اعترضت علي الحرب الأمريكية في فيتنام, داعيا لنبذ العنف في حل المنازعات ومؤكدا أن الصمت بشأن هذا يعد خيانة واستنزافا للمال والرجال, لأن الحرب كوسيلة لفض المنازعات ليست وسيلة عادلة, وظل كينج يواصل رسالته المدنية السلمية حتي تم اغتياله عام1968. وبرغم الفارق الكبير بين المشهد الأمريكي في الستينيات والمشهد الأمريكي المعاصر في بداية الألفية الثالثة, فيمكن القول إن قضية الحقوق المدنية في الولاياتالمتحدة لاتزال تراوح مكانها, والتطرق الي هذا الموضوع لا يعد تأييدا لأوباما أو لمنافسه ماكين, حيث لا ناقة لنا ولا جمل لدي شخص هذا المرشح أو ذاك, ولكن همنا نحن شعوب الأمة العربية والإسلامية وكذا شعوب العالم الثالث أن يتبوأ كرسي البيت الأبيض من يدرك أهمية حقوق الشعوب والدول الي جانب حقوق الشعب الأمريكي بمختلف ألوانه السياسية وطوائفه العرقية والإثنية, وفي هذا الصدد يكفي الإشارة الي قضيتين: الأولي خاصة بحقوق الأمريكيين من ذوي الأصول الإفريقية, حيث ذهب مائة مليون منهم للإدلاء بأصواتهم في انتخابات عام2000 وعام2004 ولكن أصواتهم لم تحسب ولم تدرج في تعداد الناخبين, حيث تم استبعادها تماما.. أما القضية الثانية فهي قضية الاحتلال الأمريكي للعراق والتحرش بدول وشعوب أخري عديدة ونسيان الدروس الصعبة التي عانت منها الولاياتالمتحدة باحتلالها فيتنام في السبعينيات. نحن إذن أمام مشهد أمريكي مكرر لمشهد ستينيات وسبعينيات القرن الماضي, والتساؤل المطروح: هل يستطيع أوباما, في حالة نجاحه في الانتخابات, أن يكرر الموقف المبدئي الذي اتخذه مارتن لوثر كينج بالنسبة للحقوق المدنية, التي لاتزال معيبة ومنقوصة, وبالنسبة للتدخل العسكري الأمريكي في عدد من الدول والمناطق دون موافقة مجلس الأمن الدولي؟ ولعل تداعيات الأزمة المالية العالمية الحالية تدفع الإدارة الأمريكية إلي التفكير الجدي في تقديم حلول عملية للقضيتين السابقتين خلال الفترة الانتقالية بين انتخابات المرشح الديمقراطي( أوباما) أو المرشح الجمهوري( ماكين), ابتداء من الأسبوع المقبل وحتي تولي الرئيس المنتخب الرئاسة ودخوله البيت الأبيض في20 يناير2009, وهذا يعني أن هناك سبعة أشهر كاملة أمام الإدارة الأمريكية الحالية للاستفادة من تجربة مارتن لوثر كينج بدلا من قيام الحكومات الأمريكية واحدة وراء الأخري بتخليد ذكراه بين حين وآخر منذ رحيله عام1968, دون استيعاب الدروس المستفادة وفي هذا الصدد نشير الي ما يلي: لا يكفي أن تحول الحكومة الأمريكية الفندق الذي قتل فيه كينج( في قلب مدينة ممفيس) الي متحف للحقوق المدنية يضم متعلقات الزعيم الراحل كينج, بما في ذلك السيارتان اللتان كان يستخدمهما عندما عاد الي ممفيس في نهاية مارس1968. ولعل الحكومة الأمريكية تدرك أن الحقوق المدنية لا يتم ايداعها في فنادق وانما بالوفاء لنصوصها علي أرض الواقع. ولا يكفي أن يقرر الكونجرس الأمريكي اعتبار يوم مولد مارتن لوثر كينج في15 يناير1929 عيدا قوميا يحتفل به في ثالث اثنين من شهر يناير من كل عام, لا يكفي هذا لأن تسمية الأعياد القومية تكون أيضا بالوفاء بالدروس المستفادة من الحدث نفسه, ويكفي الإشارة هنا الي أن منظمة اليونسكو عندما قررت في ربيع1993 احياء ذكري كينج حرصت علي ابراز جهوده التي كرسها لمبادئ التعايش السلمي بين البشر, وتأكيدا للحفاظ علي كرامة الكائن البشري دون قيد بسبب الجنس أو الأصل أو الدين. وأخيرا فإن علي الإدارة الأمريكية أن تدرك معني ومغزي المثل المصري المشهور الذي يقول[ من كان بيته من زجاج فلا يقذف الآخرين بالطوب]. عن صحيفة الاهرام المصرية 30/10/2008