وحال السوق هي مرآة تنازع تجار البازار الإيراني وترددهم في الرجوع عن الإضراب الاحتجاجي على سياسات الرئيس أحمدي نجاد. ففي الأسبوع الماضي، أغلق تجار أكبر بازارات طهران الأبواب احتجاجاً على قرار الحكومة فرض ضريبة 3 في المئة على معاملاتهم التجارية. وعلى رغم اضطرار الحكومة الى تعليق العمل بمرسوم القرار، لم يرجع التجار عن إضرابهم. \r\n ولا شك في أن الحكومة الإيرانية أرادت تفادي المصادمة مع تجار السوق القديم الذين تربطهم صلات وطيدة بكبار رجال الدين. ولكن رد تجار طهران على القرار، ورفضهم تعليق العمل به، ومطالبتهم بإلغائه، هو محاولة منهم لتذكير النظام بأن قوتهم السياسية والاقتصادية لم تأفل، وقد تقاومه وتناكفه. ويرى بعض المراقبين أن حركة البازاريين لا تقتصر على الاحتجاج. فهي معركة يخوضونها ضد الرئيس نجاد، والتحق معارضو الحكومة الآخرون بركبها. والغرض من المعركة إصلاء الرئيس معارضة شديدة قبل الانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) المقبل. ويقول أحد التجار»: يصادف المرء في السوق سياسيين يعرضون عضلاتهم، ويلاحظ حركة تنافس سياسي لاستمالة التجار». \r\n والحق أن البازاريين أسهموا في نجاح ثورة 1979 الإسلامية إسهاماً كبيراً، وهم، اليوم، يعارضون سياسات الحكومة، للمرة الأولى منذ نشوء نظام الملالي. وتحمل أجواء البازار ومتاجره الموصدة على المقارنة بين الحركة الحالية وحركة الأيام الثورية. وتبعث الأجواء هذه الحنين، وهو حنين الى نفوذ سياسي واقتصادي كبير أفل اليوم، وكان قوياً، في أوساط التجار تلك الأيام، حين أسهمت حركتهم في إطاحة نظام الشاه. «يجب ألا نرضى بأقل من سقوط حكومة نجاد، وعلينا مواصلة الاحتجاج الى حين تنحيه»، على قول تاجر مسن. \r\n ويرى مراقبون كثر أن إحباط البازاريين من سياسات الحكومة الحالية يضاهي إحباطهم في عهد الشاه. ولكن شركات التجارة الحديثة والمراكز التجارية («المول») قوضت نفوذ البازاريين. وثمة ما يدعو الى الظن أن معظم هذه المراكز التجارية، وهي تقدم خدمات من العسير على البازاريين منافستها، ملحق بالحرس الثوري ونخبه، أو ترعى أعمالاً تعود إلى الاستخبارات. ويرى مدير غرفة تجارة طهران السابق، محمد رضا باهزديان، أن تجار البازار يخشون أن تقوض هذه المراكز التجارية نفوذهم، وأن تقلص حجم ثرواتهم. ويقول المحلل سعيد ليلاز: « لا يحتج البازاريون على فرض الضريبة عليهم فحسب، بل على تجاهل السلطة لهم، وتناسيها دورهم وإسهاماتهم الماضية. فهؤلاء التجار هم في مثابة طبقة تشكو أفولها، وتندب تبدد قوتها». ولكن، على رغم تراجع نفوذها، تملك هذه الطبقة التي ينعيها بعضهم، قاعدة شعبية كبيرة، ومكانة خاصة تميزها من بقية الطبقات. فانتشار آلاف متاجر البازار في منطقة جغرافية متصلة، وتشعبها في مئات الشوارع المترابطة يمنحها، أي طبقة البازاريين، قوةً لا يستهان بها. ويرى بعض المراقبين أن عهد تجار البازار الذهبي ولّى، وأن احتمال أن تفضي حركة احتجاجهم الحالية الى أزمة اقتصادية، ضئيل. ويحذر هؤلاء المراقبون من أثر هذه الحركة الاجتماعي في وقت بلغ التضخم المالي، وهو الى ارتفاع، 29،4 في المئة. \r\n \r\n \r\n عن «فايننشال تايمز» البريطانية، 14/10/2008