\r\n يقول ستيفان لارابي, احد الخبراء في منظمة معاهدة شمال الاطلسي »الناتو« واوروبا الشرقية, ان غزو روسيا لجورجيا قصد منه الافصاح عن حساسية روسيا تجاه تحركات الناتو في مناطق كانت سابقا جزءا من الاتحاد السوفييتي. وقال ان ما جرى في جورجيا يعتبر عمليا »المشهد الجانبي« لاوكرانيا, التي تسعى هي الاخرى للحصول على عضوية الناتو, وتشكل اهمية استراتيجية اكبر بالنسبة لموسكو. ويرى لارابي ان تلك الاعمال ما هي الا »محاولة من جانب الروس لوقف توسع النفوذ الغربي في مناطق الاتحاد السوفييتي السابق, وامتداد الناتو اليها على وجه الخصوص«. وطالب لارابي بالحاح برد واضح من الغرب بمعاقبة روسيا على اعمالها في جورجيا, لكنه اضاف »بانه في غاية الاهمية الا تترك هذه الافعال وردود الافعال اللولبية تفلت من تحت السيطرة«. \r\n \r\n * كنت طالبا تدرس, لفترة معينة, مادة العلاقات بين الشرق والغرب. فالى اين يتجه مسار هذه العلاقات برأيك, في اعقاب النزاع الروسي - الجورجي, الذي لم ينته تماما? \r\n \r\n - اول ما يجب ان يقال في هذا الشأن ان بعض النتائج والاسقاطات ستحدث ولا ريب في العلاقات مع روسيا. ومن الواضح ايضا ان بعض الامور سيوقف التعامل بها الآن, مثل تعليق بعض الاجتماعات مع روسيا في الناتو. غير ان الخطر الاكبر يكمن هنا في ان حراكا لولبيا من الافعال وردود الافعال سيقع, بقيام طرف بعمل ما, وقيام الطرف الآخر بالرد عليه بقوة. وقد رأيتم ذلك يحدث فعلا ابتداءً من رد الفعل الروسي على التوقيع على اتفاق مع بولندا حول نشر نظام الدفاع الصاروخي على الاراضي البولندية. ويذكرنا هذا بطريقة ما بأحداث معينة وقعت في حقبة الحرب الباردة, اذ قام السوفييت ببعض الاجراءات في القسم الذي احتلوه من المانيا, وقمنا نحن بالرد عليها بدمج المناطق البريطانية والامريكية, ثم قاموا بالرد على الرد. وفي غضون عامين او ثلاثة اعوام, لمسنا صيرورة المواجهة الحقيقية. لا اقصد بذلك اننا عائدون الى الحرب الباردة, لكن هذه الافعال وردود الافعال اللولبية قد تقود بسهولة الى سياسة مواجهة اكبر خلال العام المقبل او قريبا من ذلك. \r\n \r\n * ما نصيحتك للادارة الامريكية القادمة بشأن التعامل مع جميع هذه الامور? \r\n \r\n - فيما يتعلق بجورجيا ذاتها, علينا ان نوضح للروس بأن عليهم سحب قواتهم من الاراضي الجورجية, وان هناك ثمنا وعواقب لانتهاك سيادة جورجيا, ومن الناحية الاخرى, من الاهمية بمكان عدم ترك - كما قلت آنفا - هذا الفعل ورد الفعل اللولبي يفلت من تحت السيطرة. وعلى المرء ان يعترف بأن الروس كانوا يرفعون. منذ وقت, درجة الضغط على جورجيا, خاصة منذ ان اعترف الاوروبيون والولاياتالمتحدة باستقلال كوسوفو عن صربيا المدعومة من روسيا. واشار الروس في حينه الى ان لاستقلال كوسوو آثارا على كيانات اخرى, مثل اوسيتيا الجنوبية وابخازيا, اللتين اعلنتا استقلالهما عن جورجيا. \r\n \r\n تلكم كانت ازمة تغلي وتختمر منذ عدة شهور, وامتدت جذورها, على نطاق اوسع, في فترة انكماش العلاقات مع روسيا بعد انتهاء الحرب الباردة. ويشعر الروس بأن الغرب استغل ضعفهم. اما اليوم وحيث انهم اقوى من ذي قبل, خاصة على جبهة النفط والطاقة, فيريدون اعادة التفاوض حول شروط علاقاتهم بالغرب. ومثّل خطاب الرئيس فلاديمير بوتين, في ميونيخ 1 شباط ,2007 اشارة مهمة على تصليب الخط السياسي لروسيا, وبالاساس قال بوتين »كفى يعني كفى« ونحن ماضون في حماية مصالحنا الخاصة بنا«. \r\n \r\n بهذا المعنى, يكون ما نراه في جورجيا عبارة عن قيام الروس, برسم خط في الرمال يقولون فيه ان لديهم مصالحهم الاستراتيجية, وهم عازمون على حمايتها والدفاع عنها. وكان الروس قلقين من تآكل نفوذهم في المجال السوفييتي السابق. كما كان الغزو الروسي لجورجيا رد فعل على الدوافع المقلقة التي اثارتها »الثورة البرتقالية« في اوكرانيا, و »ثورة الورود« في جورجيا. انه محاولة من الروس لوقف توسع النفوذ الغربي في المناطق السوفييتية السابقة, وامتداد الناتو اليها بخاصة. ولا يشكل ذلك بداية محاولة جديدة لتوسيع النفوذ الروسي في الغرب, بل محاولة للحفاظ على نفوذ روسيا في المجال السوفييتي السابق, الذي احسوا بتضاؤله. \r\n \r\n * في اعقاب كل هذا, يعود الان, اولئك الذين كانوا يحاججون ضد توسع الناتو في اوروبا الشرقية, ايام ولاية الرئيس كلينتون, ويقولون انهم كانوا محقين. فأي موقف اتخذت في حينه? \r\n \r\n - كنت اعتقد بصحة التوسعين الاولين للناتو, بضم دول مثل بولندا وهنغاريا وجمهورية التشيك ورومانيا, ثم دول البلطيق, غير ان الحال مختلفة تماما لدى الكلام على دخول الناتو المنطقة السوفييتية السابقة, وعلينا التزام الحذر الشديد حيال التعهد بالتزامات دفاع تجاه بلدان لا رغبة لنا في الاضطلاع بها, او نحن غير قادرين على الوفاء عنهما, أما في حالتي جورجيا واوكرانيا, فهناك من الحلفاء في الناتو من لا يرى انهما »اوروبيان« وبالتالي غير مستعدين لتقديم التزامات دفاعية جديدة لهما, وعلى الولاياتالمتحدة ان تتوخى الحذر الشديد من حيث تقديم التزامات لبلدان, قبل ان تكون واثقة ثقة مطلقة بامكانية تنفيذها. \r\n \r\n * كنت مستشارا للحكومة الجورجية في بعض المشاريع, فهلا اعطيتنا نظرة داخلية عما جعل الرئيس ميخائيل سكاشفيلي يقرر ارسال قواته الى اوسيتيا الجنوبية, في حين كان عليه ان يدرك بأن روسيا سترد على ذلك بالقوة? \r\n \r\n - علينا ان ننظر في هذا الامر من جانبين: شخصية ساكشفيلي وتاريخه. فلم يصل الى الوضع الذي هو فيه الان من خلال الركون والاستكانة والانتظار, فقد اصبح رئ ̄يسا لانه اتخذ خطوة جريئة لم ينصحه فيها احد, وهي الاطاحة بالرئ ̄يس ادوارد شيفارنادزه. واوائل عام ,2004 استعاد بنجاح اقليم »اجارا« المتمرد, في خطوة جسورة وجريئة اخذت الروس على حين غرة, اما الجانب التاريخي الاساسي, فتمثل في نجاحه بالتصرف بطريقة غير تقليدية. انه شخصية واثقة من نفسها. وقد اعتقد انه اذا قام بعمل سريع وحاسم لاستعادة أوسيتيا الجنوبية, فسيضطر الروس الى قبول النتيجة, مثلما حدث في »اجارا«. لكنه اساء تقدير الرد الروسي على ذلك. \r\n \r\n وفي الاشهر السابقة للغزو, كان الروس يحركون قواتهم حتى أوسيتيا الجنوبية, وقاموا بمناورات عسكرية في شهر تموز, كانت بمثابة بروفة تدريب على الغزو. بذلك يكون الروس قد رموا الطعم القاسي لساكشفيلي, فوقع في الفخ, وكان الروس, هذه المرة على اهبة الاستعداد, فعندما شن هجومه لاستعادة اوسيتيا الجنوبية, تحركوا بقوة كبيرة حاسمة, فعليه الان ان يتحمل العواقب ويدفع ثمنها, لقد قامر بطيش وتهور على العكس من نصيحة الولاياتالمتحدة في حينه, ومني بخسارة كبيرة هذه المرة. \r\n \r\n * الح السيناتور جون ماكين, لبعض الوقت, في المطالبة بابعاد روسيا من »مجموعة الثماني«. ويجري التداول بشأن الحيلولة دون انضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية, كما يدور كلام على انهيار الاتفاقية الامريكية - الروسية الخاصة بالطاقة النووية المدنية. فأين نقف الان من مختلف اتفاقيات الحد من التسلح مع روسيا? \r\n \r\n - ينبغي التفاوض من جديد حول »معاهدة خفض الاسلحة الاستراتيجية« (المعروفة باتفاقية »ستارت«), حيث تنتهي صلاحيتها في كانون الاول ,2009 ومن الواضح ان هذه المفاوضات لن تبدأ في وقت قريب, غير ان ذلك لا يعني كما لو اننا نعاقب روسيا ان نحن لم نتقدم بها, فالموضوع الاكبر هو ان نكون شديدي الحذر في تحديدنا للاشكال التي نريد تعليق العمل بها, والاشكال الاخرى التي لا نرغب فيها, اما فكرة طرد روسيا من »مجموعة الثماني« فليست بالبداية الصحيحة, اذ لن نلقى التأييد في ذلك من حلفائنا الاوروبيين, كما انني لا اعتقد ان ذلك سيؤثر كثيرا في روسيا, وأما عرقلة انضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية, فأمر مختلف تماما, انه موضوع تريده روسيا, وهي بحاجة اليه فعلا, وهكذا لدينا بعض الروافع. فعلينا مطالبة روسيا سحب قواتها من جورجيا, والا ندعم دخولها الى منظمة التجارة العالمية حتى تنصاع لهذا المطلب. ولا يبدو لي ان هناك الحاحا كبيرا للبدء في مفاوضات الحد من التسلح في الوقت الراهن, حيث العلاقات متوترة مع روسيا, ولا ينبغي علينا ان نعلن باننا لن نمضي فيها الى الامام, بل لا ضرورة للتفاوض بشأنها الان, ذلك انه لا يجوز وقف او تعليق العمل بقضايا تتعلق بمصالحنا الخاصة. \r\n \r\n * ليس واضحا ان كان الروس انفسهم قد ادركوا المدى الذي سيوترون فيه علاقاتهم مع الاتحاد الاوروبي او الولاياتالمتحدة بسبب دخولهم الى جورجيا.. ما رأيكم? \r\n \r\n - لقد اساءوا تقدير تأثير ذلك في الغرب, لكنني لا اعتقد ان ذاك التأثير كان سيوقفهم. فالغزو كان امرا لا بد لهم من القيام به لحماية مصالحهم في القوقاز, والمناطق السوفييتية السابقة على نطاق اوسع. وتوفرت عدة دوافع ومحفزات للغزو احدها, بالطبع, معاقبة الرئ ̄يس الجورجي وتلقينه درسا, وعلاوة على ذلك, فقد قصد الروس ارسال رسالة اوسع الى الغرب, وهي عمليا تقول للاخير:»نحن جاهزون للدفاع عن مصالحنا وحمايتها في المناطق السوفييتية السابقة, ولاستخدام القوة اذا لزم الامر«. كما انهم ارادوا تبليغ رسالة الى بلدان الاتحاد السوفييتي السابق, بان هذه البلدان لا تستطيع - في وقت الازمة - الاعتماد على الناتو او الولاياتالمتحدة. ولعل الروس اساءوا تقدير التكلفة الاقتصادية لفعلهم, لكن عندما وقعت الواقعة, قرروا ان ذلك الفعل كان يجب ان ينفذ, وانهم لن يعيدوا الكرة بعد الان. \r\n \r\n * اعتقد انهم انزعجوا على نحو خاص في اجتماع قمة الناتو الاخيرة, التي اعلنت ضرورة ادخال جورجيا واوكرانيا في عضوية الحلف. ما رأيكم? \r\n \r\n - نعم, وبالتأكيد. فالقضية هنا ليست جورجيا, فجورجيا هي المشهد الجانبي. ان ما يقلق الروس فعليا هو اوكرانيا. لن يكون لعضوية جورجيا في الناتو تأثير استراتيجي كبير بالنسبة لروسيا, اما اوكرانيا فقضية مختلفة تماما, وستكون لها عواقب استراتيجية اضخم بكثير, وتدمر اي محاولة محتملة لاقامة »اتحاد سلافي« بين روسيا وبيلاروس وأوكرانا, كما انها ستؤثر على صناعة الدفاع الروسية, لان الروس لا يريدون قطع العلاقات بين صناعتي الاسلحة في كلا البلدين, ولهذا, فان الاثار الاستراتيجية لانضمام واوكرانيا الى الناتو ابعد بكثير جدا من جورجيا. وباختصار, فان القضية تتعلق باوكرانيا اكثر بكثير مما تتعلق بجورجيا. اما السؤال الحقيقي المطروح على الولاياتالمتحدة, بعد الذي حدث في جورجيا, فهو فيما اذا كانت الولاياتالمتحدة ستسرع الجهود لضم اوكرانيا الى الناتو. اعتقد ان علينا, في هذه المسألة وفي هذا الوقت, توخي الحذر الشديد.