\r\n واكثر من كثير من الرؤساء الامريكيين الذين سبقوه, بذل بوش جهداً كبيراً في محاولة اقامة علاقات قوية مع كبار زعماء الدول الاجنبية. لكنه مع اقتراب ولايته من نهايتها, اكدّت ازمتا جورجيا والباكستان على محدودية الدبلوماسية الشخصانية للرئيس بوش, بينما راح يواجه انتقادات على مبالغته في شخصنة العلاقات مع رئيس الحكومة الروسية, بوتين, ومع بريز مشرّف, الذي استقال مؤخرا من منصبه كرئيس للباكستان. \r\n \r\n يقول العديد من الخبراء في الشؤون الروسية ان بوش لم يتفهم حقيقة نوايا بوتين وشخصيته. فقال البروفيسور مايكل ماكفول, من جامعة ستانفورد, ويعمل ايضا مستشارا في السياسة الروسية في حملة السيناتور باراك أوباما الانتخابية, ان بوش \"اساء الحكم في بوتين\". ومن وقت مبكر, قال ماكفول, انه كان لدى بوتين \"استراتيجية كبرى واضحة تماماً في النكوص على الديمقراطية\", لكنه \"عندما برز دليل جديد يوحي بأن تقييم بوش الأوّلي لبوتين كان خاطئاً, حاول بوش انكار ذلك\". \r\n \r\n وقد ظهر مثال مختلف في العراق, الذي امضى الرئيس بوش فيه وقتا طويلا جدا مع رئيس الحكومة نوري المالكي, وعبر لقاءات بالفيديو بخاصة, محاولا ان يجعل منه زعيما ديمقراطيا حقيقيا, رغم قناعة بعض مساعدي بوش بأن محاولته ما هي الاّ مضيعة للوقت. ولعل هذا الجهد قد يؤتي ثمارا, والى الحدّ الذي تُعقّد الثقة الذاتية لدى المالكي جهود بوش لتأمين التوصل الى اتفاقية نهائية بشأن مستقبل الوجود العسكري الامريكي في العراق. \r\n \r\n قال دينس روس, احد المسؤولين في وزارة الخارجية الامريكية, في عهدي الرئيسين كلينتون وبوش الأب, والمستشار في حملة اوباما, \"يثبت المالكي انه زعيم بارز اكثر ممّا كان يعتقد معظم معاوني الرئيس بوش. وكان يرى جميع مَنْ تحدثتُ معهم العام الماضي من الادارة, ان على المالكي ان يرحل. اما بوش. فبدا انه لم يكن يقبل بكل ما كان يقوله الآخرون\". \r\n \r\n ويقول مستشارون في البيت الابيض ان بوش كان مغامرا, ولكنه واقعي في تعامله مع زعماء دول العالم. فقال غوردون جوندرو, المتحدث بإسم \"مجلس الامن القومي\", انه \"في الوقت الذي غالبا ما كانت قضايا تتعلق بالسياسة, لا تسير تماما على النحو الذي نريده لها, الا ان الوضع, من الناحية الاخرى , كان سيؤول الى حال اسوأ بكثير, لو لم تكن للرئيس تلك العلاقة النزيهة مع اولئك القادة\". \r\n \r\n لا يتفق وزير الخارجية الاسبق هنري كسينجر مع الفكرة العامة بأن بوش لم يُحسن التعامل مع بوتين, ويقول ان الرئيس ابدى دهاء مبكرا في ايلاء الاحترام للزعيم الروسي, وفي جذب تعاونه في عدد من القضايا الدّولية. لكن الاثنين على جانب كبير من الخلافات العميقة في قضايا, مثل رغبة الولاياتالمتحدة في اقامة نظام دفاع صاروخي في اوروبا الشرقية, وتوسيع الناتو ليصل الى الحدود الروسية. وقال كيسنجر في مقابلة معه, \"هناك امر يمكن للعلاقات الشخصية ان تفيد فيه, غير ان هناك مصالح قومية اساسية لا يمكن تفاديها. واؤكد لك, بأنك لو سألت الروس هذا السؤال, لحصلتَ على طائفة طويلة من الأشياء التي يعتقدون انهم تعاونوا فيها معنا, ولم نُقّدم لهم شيئا في المقابل\". \r\n \r\n لم يكن بوش اول رئيس للولايات المتحدة سعى الى توظيف مهاراته السياسية الشخصية, في اقامة علاقات متينة مع زعماء دول اجنبية, ويتحمّل بعد ذلك الانتقاد على وضع تآلفه الشخصي معهم بدلا من تحليل فكري عميق يخدم المصالح القومية. فقد اعتقد خصوم فرانكلين روزفلت ان الاخير وقع في شرك خداع الزعيم السويتي جوزيف ستالين, تماما مثلما وجه النقد الى بوش الأب على قراءته الخاطئة للزعيم الصيني دينغ زياوبينغ, خلال ازمة \"ميدان تيانان مين\" عام .1989 ووصل بيل كلينتون الى حدّ الاعتقاد بأنه انخدع بالزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في اندفاع كلينتون غير الموفق للتوصل الى اتفاق سلام في الشرق الاوسط. \r\n \r\n ورغم هكذا احداث, يقول مستشارون حاليون وسابقون, انه يبدو على بوش انه يستمتع كثيرا بإقامة الصلات مع نظرائه الاجانب, ويكرّس اهتماماً كبيرا في التفكير بأفضل الطرق للتواصل معهم. ولعلّ توثيق العلاقة مع طوني بلير, كرئيس للحكومة البريطانية قدّم مساندة قوية للحرب على العراق, كانت - من وجهة نظر بوش - اكثرها نجاحا, وفي غير مصلحة بلير السياسية. وقد استقال بلير من ذاك المنصب العام الماضي. \r\n \r\n ومع الرئيس الصيني هو, حاول بوش مبكرا ان يُضجر هذا الزعيم الشيوعي ظاهريا ويبعد عن نقاط البحث, عندما وجه اليه سؤالا, في احد الاجتماعات, عن اكبر تحد يواجهه كزعيم للصين, على ذمّة مسؤولين في الادارة. وقالوا ايضا ان الرئيس وجد في جواب هو ردّاً متزناً وواقعيا, عندما قال: ايجاد 25 مليون وظيفة في العام. وقد زوّد تبادل الحديث بينهما الرئيس بوش بنظرة اكثر تعاطفا مع هو, وساعدت في تعزيز العلاقة بينهما ايضا. \r\n \r\n وقال مستشار الامن القومي, ستيفان هادلي, في مقابلة معه مؤخرا, ان استراتيجية بوش بإشراك القيادة الصينية بصورة اكبر قد ساعدت كثيرا, وبخاصة في دبلوماسية وقف برنامج التسلّح النووي لكوريا الشمالية. ويُذكر في هذا الصدّد, ان بوش التقى هو او سلفه من الزعماء الصينيين 15 مرّة. وقال هادلي ايضا, \"ان فكرة بوش تمثلت في قوله \"اريد اشراك الزعماء, وسأحاول ذلك وأمدّهم بالقوة, لكنني اود حثّ هؤلاء الزعماء كذلك على تحمّل بعض المسؤولية\". وقد اعطى هذا بعض الثمار فيما يتعلق بكوريا الشمالية\". \r\n \r\n وبمقاييس عديدة, اقترب بوش كثيرا من العاهل السعودي, الملك عبدالله, منقذا بذلك علاقة مع العربية السعودية كانت قد وصلت حدّ التوتر في الاشهر التي سبقت 11 ايلول ,2001 وذلك بسبب اعتقاد زعماء السعودية والى حدّ بعيد, ان بوش تخلّى عن اي معنى من معاني التوازن في معالجته للصراع الاسرائيلي - الفلسطيني. \r\n \r\n فقد كانت العلاقة فاترة بينهما عندما وصل الملك عبدالله وحاشيته الى مزرعة بوش في كروفورد/ تكساس, في شهر نيسان 2002 للقاء الرئيس. ولم تكن الساعات الاولى من المباحثات على ما يُرام, قال روبرت جوردان, سفير الولاياتالمتحدة لدى السعودية في حينه, وحضر اللقاء. ويستذكر جوردان ويقول في مقابلة معه في شهر ايار, \"وبعد هنيهة, اخذنا فترة استراحة, ثم قال الرئيس: \"ما رأيكم في مشوار بسيارتي الجيب!\" فتجول بوش وعبدالله في المزرعة, يرافقهما المترجم فقط. \"ولمّا عاد من المشوار, تصرّفا مثل أعزّ الاصدقاء. وكان وجهاهما مشرقين\" اضاف جوردان. \r\n \r\n لكن الى أيّ حدّ سيعود هذا الشكل من العلاقات الشخصانية الدافئة بالفائدة على الولاياتالمتحدة, فتلك مسألة فيها خلاف. اذ يظلّ بعض المسؤولين الامريكيين, مثلا, خائبي الامل من اداء العربية السعودية حيال ضرب تمويل الجهاديين في العالم, او من عدم رغبتها في توفير دعم اقوى للحكومة في العراق. وقال ليسلي جيلب, الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية, ان بوش اكثر سذاجة من الرؤساء الامريكيين السابقين فيما يتعلق بالعلاقات الشخصية, ملمحاً بذلك الى لقاء بوتين في عام 2001 , والذي اشتهر بوش بعبارته بعد ذلك اللقاء, بأنه نظر الى الزعيم الروسي بالعين, و\"لمس شيئا في روحه\". وقال جيلب, \"أما الآخرون فكانوا اكثر واقعية. فبوش الحالي يعتقد انه صنو روح بوتين عندما يتصل به, وعندما يعبّر له عن رغبته بأن يقوم بوتين بعمل ما, فيعتقد انه سيطبّقها فعلا. لكن لدى بوتين اسباب اخرى في الذهاب الى جورجيا غير العلاقات الشخصية مع رئيس الولاياتالمتحدة\". \r\n \r\n ومشرّف قضية اخرى. فحتى مسؤولون في الادارة كانوا يعتقدون بأن بوش لم يضغط بما فيه الكفاية على الرئيس الباكستاني السابق لضرب الراديكاليين على الحدود الباكستانية - الافغانية, وقال احد المسؤولين السابقين في الادارة, ان \"مشرّف شخصية جذابة ومرحة وسريعة التجاوب.. وكانت بينهما علاقة قوية. وبوش ناجح في اقامة العلاقات الشخصية. وعندما يفعل ذلك, فلا ينوي مواصلتها بطريقة قاسية\". \r\n \r\n ويعارض هذا الانتقاد بيتر فيفر, احد المعاونين السابقين في مجلس الامن القومي, ويقول \"جوابي هو: ما البديل? وماذا كان الزعيم الباكستاني يريد ان يصبح اكثر من حليف معتمد, واكثر قدرة على تأمين اسلحته النووية? ان ما حصلنا عليه من مشرّف افضل ممّا تمكن فريق كلينتون من الحصول عليه, وربما افضل ممّا سيحصل عليه الفريق القادم.