وعلى انضمام بعض تلك الدول إلى حلف الاطلنطي. كما قام الرئيس الفرنسى ساركوزى، بزيارة الى كل من روسيا وجورجيا اهتمت اساسا بالوصول الى تسويات عملية للصراع الروسي الجورجى، تطويرا للدور الذى قام به هو نفسه – وكذا المستشارة الالمانية ايضا– بعد توسع رقعة وأبعاد الصراع حول جورجيا الى الحالة التي باتت تهدد باشعال صراع واسع يؤثر على التوازنات الحالية فى الاقليم الاوروبى الروسى. \r\n وخلال زيارة تشيني وساركوزي كما خلال مؤتمرات واجتماعات دولية واقليمية ترددت اخرى، مواقف، روسية وامريكية واوروبية ومن دول وتجمعات أخرى، كما جرت تطورات وحدثت تغييرات اوضحت المواقف والرؤى لكل الاطراف المشاركة فى تلك الازمة، وخاصة الاجتماع الذي عقده قادة الاتحاد الاوروبى من اجل مناقشة الازمة الجورجية، وذاك الذي عقدته دول ميثاق شنغهاى لمناقشة ذات الازمة. \r\n على الصعيد الامريكى، بات الامر واضحا، أن زيارة نائب الرئيس الامريكي جاءت كمحاولة لتثبيت الدور والنفوذ الامريكى فى تلك المنطقة، وفق استراتيجية مواجهة متصاعدة مع روسيا. وعلى الصعيد الروسي تظهر كلمات وتصريحات وتصرفات الرئيس الروسي، ان بلاده اعتمدت ما بعد ازمة جورجيا نهجا مختلفا عما قبلها على صعيد الدور والنفوذ الروسى فى الاقليم وعلى الصعيد الدولي، إذ ان روسيا القديمة لم تعد هى تلك التى ينطق باسمها ميدفيدف، بل هى روسيا جديدة تعتمد استراتيجية لإعادة بناء استراتيجية للتحالفات فى المنطقة والعالم ايضا. وهو ما وضح اكثر خلال لقاء الرئيس الروسى مع خمس دول من دول الاتحاد السوفيتي السابق. \r\n وفى ذلك يبدو الاهم هنا، أن اوروبا باتت تتحول من اظهار مواقفها من ازمة جورجيا الى العمل وفق استراتيجية تتعلق بتحديد رؤيتها للعلاقات مع كل من روسياوالولاياتالمتحدة، فإذا كان الدور الفرنسى والالمانى قد حمل تباينا واضحا مع الاستراتيجية التصعيدية للولايات المتحدة فى مواجهة روسيا، فان اجتماعات الاتحاد الاوروبى لبحث الأزمة، أظهرت تبلور رؤية استراتيجية لاوروبا، تقوم على بناء علاقات ثقة مع روسيا، وليس فقط على عدم الانجرار خلف الخطة الامريكية التصعيدية والبريطانية ايضا اذ جرى رفض الرؤية البريطانية لاتخاذ اجراءات عقابية ضد روسيا والعمل لبناء تحالفات دولية ضدها،وهو تطور جديد إلى درجة يمكن القول معها، أن اوروبا اظهرت ادراكا لابعاد الخطة الامريكية لتعميق نفوذها فى اوروبا الشرقية، باعتبارها خطة لاستهداف عزل روسيا داخل حدودها ومحاصرتها، بل هي خطة تستهدف تعميق حالة فصل بين روسيا واوربا أيضا، لحصار اوروبا وليس روسيا فقط. \r\n اوروبا.. المستقلة ! \r\n خلال زيارة تشينى لجورجيا، تحدث الرجل بصراحة ووضوح عن موقف واشنطن الداعم لانضمام جورجيا إلى حلف الاطلسي، حتى قال ان هذا الانضمام يلقى تأييدا مطلقا من جانب الولاياتالمتحدة. هنا كان اللافت ان وزير الخارجية الالماني قد رد على تصريحات تشيني بالقول ان ما اتى به تشينى لا يمثل الا وجهة نظره الشخصية، وان المانيا ودول بالاتحاد الاوروبى لا تزال مواقفها ثابتة إزاء رغبه تبليسى فى الانضمام للناتو، وان تصريحات تشينى \"غير منطقية \". \r\n وواقع الحال، إن هذا التلاسن بين المسؤول الامريكي والألماني، لا يعكس مواقف طارئة لكلا البلدين من انضمام جورجيا، ولكن الاهم هو ان الموقف الالمانى لا يتعلق بمجرد قضية انضمام بلد ما إلى حلف الاطلنطي هو موقف ذو دلالات عامة، ويحظى بموافقة الكثير من الدول الاوروبية الرئيسة، وخاصة فرنسا. \r\n والدلالة في الموقف الالماني، ولدول الاتحاد الاوروبي من رفض انضمام جورجيا لحلف الاطلنطي،هي أن اوروبا الغربية ترفض العودة لذات الموضع الذى كانت عليه خلال صراع الحرب الباردة بين روسياوالولاياتالمتحدة، وتسعى إلى بناء وضع استراتيجى جديد لها على مستوى اقليمها وعلى الصعيد الدولي وصراعاته وأقطابه. \r\n كانت اوروبا خلال الحرب الباردة فى وضع المنقسم والمتصارع عليه فى نفس الوقت إذ كانت اوروبا الشرقية تحت النفوذ والهيمنة ( وربما الاحتلال الروسي)، بينما كانت اوروبا الغربية واقعة تحت الهيمنة والسيطرة والنفوذ الامريكى ( وبعضها تحت الاحتلال الامريكي كما كان حال المانيا )، ولكن اوروبا الان ليست هي اوروبا السابقة، اذ تغيرت الاوضاع على نحو كبير، سواء لان بعضا من دول اوروبا الشرقية بات واقعا تحت النفوذ والهيمنة الامريكية، او لان اوروبا الغربية باتت دولا صاعدة قوتها على المستوى الدولى خاصة المانيا (بعد وحدتها) وفرنسا بعد تطوير قدرتها. \r\n الحادث الآن هو ان الولاياتالمتحدة باتت هي من يدعم نفوذه ودوره فى اوروبا الشرقية، ومن يستخدمها للضغط على اوروبا الغربية، ويسعى لجعلها مركزا للفصل بين اوروبا الغربيةوروسيا،ولذا فان اوروبا الغربية هى من يرفض ضم جورجيا للاطلنطي، حتى لا تحقق فصلا استراتيجيا بينها وروسيا، وحتى لا تصبح الولاياتالمتحدة المسحبة بشكل تدريجى من اوروبا الغربية، هي من يمسك بالتوازن الاستراتيجى فى اوروبا ومن يحدد مآلات تطورها الاستراتيجى المستقبلى، و علاقتها مع الاقطاب الدولية الأخرى، من خلال \" السيطرة \" ممراتها \" البرية \" للعالم كما هو الحال بالنسبة لجورجيا و اوكرانيا وكذا الحال بالنسبة لتركيا. اوروبا اليوم وفقا للقيادة المشتركة من فرنساوالمانيا وهى حالة تحمل تناقضات فى داخلها ايضا، باتت تتحرك بشكل متزايد نحو نحقيق حالة استقلالها، الذي لا يأتي إلا من خلال نمط من العلاقات الاستراتيجية \" المستقلة \" – المتوازنة - مع كل من الولاياتالمتحدةوروسيا، في الآن ذاته، ولذا هي ترفض تحكم الولاياتالمتحدة فى الممرات البرية بين اوروبا وروسيا، إلى درجة تجعل شرايين الغاز والطاقة الروسية، \"متحكم \"فيها امريكا بالسيطرة على الارض. \r\n روسيا ورؤيتها لاوروبا \r\n وفى النظر للموقف الروسى خلال ازمة جورجيا، يبدو واضحا ان روسيا وضعت نصب اعينها التمييز بين الولاياتالمتحدة و اوروبا، إذا كان تفجير الازمة يجرى مع الولاياتالمتحدة، بينما ما جرى جعل العلاقات مع اوروبا هى مفتاح الحل، وكذا يظهر ان روسيا اختارت جورجيا لتلك الازمة باعتبارها نقطة الخلاف بين الولاياتالمتحدة واوروبا، لا بين روسياوالولاياتالمتحدة فقط. \r\n وواقع الحال ان كلا من روسيا واوروبا قد خرجتا من الحرب الباردة، بدرس استراتيجي رئيس، وهو ضرورة تفعيل وترتيب العلاقات بين الطرفين، لمصلحة كل منهما. روسيا حاولت خلال الحرب الباردة اخراج اوروبا من تحت مظلة الحماية الامريكية، بالموافقة على سلسلة اتفاقات حول الاسلحة متوسطة المدى، وهى إن فشلت في نهاية المطاف فى تجربتها هي، لكن الدرس بقى، بل هو جاء امتدادا لدروس الحرب العالمية الثانية التي ثبتت مقولة ان روسيا واوربا في داخل إطار استراتيجى واحد، سواء لان النزاع الاوروبى الداخلي ( المانيا ضد فرنسا وبريطانيا ) قد امتد إليها، أو لان انضمام روسيا إلى كل من بريطانيا وفرنسا هو ما انهى ظاهرة المانيا العسكرية. \r\n واليوم إذ تحقق روسيا وجودا اقليميا ودوليا متصاعدا، فقد وضعت فى اعتبارها هذا الدرس الاستراتيجي، ومن ثم حرصت على ان تجعل اوروبا جهة الحل للازمة، أو هي في تخطيطها للازمة، قد راهنت على استيعاب اوروبا لضرورات وابعاد العلاقات الاستراتيجية، والتواصل الدائم مع روسيا. او لنقل إن روسيا استهدفت القصف على ذات النقطة التى تتحقق فيها مصالح روسية اوروبية مشتركة. \r\n كما يمكن القول ايضا، بان روسيا التي اعادت بناء تحالفاتها مع بعض دول الاتحاد السوفيتي السابق (معظمها في آسيا)، ورتبت أوضاعا استراتيجية مستقرة مع الصين ودول ميثاق شنغهاى واقامت نمطا متفاعلا وحيويا من العلاقة مع إيران، أظهرت حرصا دقيقا، على السعي لتوثيق العلاقات مع اوروبا،وخاصة ألمانياوفرنسا، وفق رؤية تقوم على تعدد الاقطاب فى العالم. وهنا يبدو امر ذو مغزى، ان طرحت روسيا صراحة ضرورة منح المانيا حق العضوية الدائمة فى مجلس الامن الدولي خلال أزمة جورجيا، كما يبدو لافتا هذا الاصرار الالماني على عدم ضم جورجيا الى حلف الاطلنطي، والتصدي لتصريحات نائب الرئيس الامريكى ديك تشينى بضم جورجيا للحلف. \r\n واذ يتحدث كثيرون عن ان امداد روسيا لشرايين طاقتها الى اوروبا،قد مثل امساكا روسيا بأوراق ضغط ضد اوروبا،فان القول المكمل -والمفهوم جيدا من اوروبا – هو ان روسيا قد أمنت لأوروبا إمدادات الطاقة، في مواجهة السيطرة الامريكية على مصادر الطاقة فى العالم، بما يجعل اوروبا فى حالة عدم ضغط امام الموقف الامريكى،وفى حالة تبادل مصالح حيوية ودائمة مع روسيا تتطلب سيطرة روسية واوروبية على الاقليم المتصل ارضيا بينهما. \r\n الولاياتالمتحدة واوروبا \r\n واذا كان ذلك هو توجه روسيا، الذي تقابله اوروبا بشكل متصاعد بادراك لمصالحها الاستراتيجية والمستقبلية، فان الولاياتالمتحدة قد سارت خطوات \"تباعدية\" عن اوروبا \"القديمة\" خلال حقبة السنوات العشر الماضية،في مقابل تعزيز وجودها فى الاقليم الفاصل بين روسيا واوروبا القديمة اى اوروبا الجديدة. \r\n خلال العدوان على العراق فى عام 2003، كانت ذروة الصراع بين اوروبا (ممثلة فى فرنساوالمانيا ) والولاياتالمتحدة اذ كانت فرنسا هي من هدد باستخدام حق النقض فى مواجهة محاولة الولاياتالمتحدة اصدار قرار من مجلس الامن يتيح لها استخدام قوتها العسكرية فى العدوان على العراق واحتلاله، وفى ذلك مثلت المانيا قاعدة الاساس فى الموقف الفرنسي. \r\n ورغم ما جرى من تغييرات فى كل من فرنساوالمانيا من مغادرة شيراك والمستشار جيرهارد شرودر،بما ادى إلى نمط مختلف من التوجهات،إذ اقترب البلدان من الولاياتالمتحدة بدلا من مجابهتها، فان الاستراتيجيتين الفرنسية والألمانية ظلتا على حالهما فى الأهداف،كما الولاياتالمتحدة من جانب آخر واصلت مسيرتها (الانسحابية) من اوروبا الغريبة لمصلحة تدعيم نفوذها ودورها وتمددها فى اوروبا الشرقية والشرق الاوسط وافريقيا الى درجة سحب العديد من قواتها من القواعد (التاريخية) في أوروبا الغربية،إلى حيث يجري بناء قواعد جديدة فى مناطق الاهتمام والتركيز الجديدة..امريكيا. \r\n وفى كل ذلك يمكن القول، ان ازمة جورجيا كانت كاشفة للتوجهات المستقبلية وللخطط الاستراتيجية الامريكية والاوروبية والروسية ولطبيعة العلاقات الاستراتيجية بين الاقطاب الدولية الثلاثة. كما يمكن القول انها كشفت كيف ان اوروبا باتت تسعى بشكل متزايد للتواصل الاستراتيجي مع روسيا الى درجة قد تصل الى حالة التوازن فى الموقف والدور والمصالح مع الولاياتالمتحدة. وكذا يبدو ان روسيا حينما ألقت بثقلها العسكري فى جورجيا وحين تهدد باستخدام الاسلحة النووية ضد قواعد الرادار الامريكى قرب حدودها، كانت تسعى ايضا الى ابقاء جسور التواصل مع اوروبا وفق نمط من المصلحة الاستراتيجية المشتركة في مواجهة مع الولاياتالمتحدة، وفى ذلك بمكن القول اننا أمام محاولة بناء \"اوراسيا\" جديدة،مختلفة عن تلك التى تحدث عنها كبار الاستراتيجيين الامريكيين –خاصة كيسنجر وبريجينيسكى –اى اسيا واوروبا المتصلتان بعيدا عن الهيمنة والنفوذ الامريكى المباشر.