\r\n \r\n وكلاهما قادران على ممارسة كم هائل من القساوة التي لا ترحم, في الدفاع عما يعتبرانه مصالح حيوية لبلديهما. \r\n \r\n وكلاهما ملتزمان علنا بالديمقراطية وحقوق الانسان, لكنهما مسؤولان عن سياسات وضعت هذا الالتزام محل تساؤل وشك. \r\n \r\n بيد ان الحكم عليهما من خلال سجليهما, وخاصة من خطاباتهما في الاسبوع الفائت, نجد ان بينهما اختلافات هامة ايضاً. فبوتين رجل دولة, اما تشيني فلا. \r\n \r\n كان خطاب تشيني الهائل المنقح, في العاصمة الليتوانية, فيلنيوس, في توجيه الانتقاد الى روسيا على افتقارها للديمقراطية و »ابتزازها« في مجال الطاقة, مقروناً بمحاولاته اقامة تحالف ضدها في ميدان الطاقة, يستدعي رداً عنيفاً من الرئيس الروسي. لكننا نقول بكل نزاهة, وفي هذه الحال بموافقة معظم المجتمع الانساني, انه كان بمقدور بوتين ان يمزق خطاب تشيني ارباً في عدد كبير من القضايا. \r\n \r\n ومن هذه القضايا, الافتراء بادانة روسيا فيما يتعلق بالديمقراطية, بينما يكيل المديح مباشرة لديكتاتوريي قزاخستان واذربيجان الغنيتين بالنفط, وسوء طالع تشيني عندما يتحدث عن حقوق الانسان اساساً, واهانة ادارة بسجل فريق بوش - تشيني في الشرق الاوسط, ومتجرئة على الطلب من روسيا بتأييد اوتوماتيكي ضد ايران باسم »المجتمع الدولي«, وهكذا دواليك. \r\n \r\n لو اصدر بوتين مثل هذا الرد, ضمن خطابه عن حال الاتحاد, الاسبوع الماضي, للاقى التأييد الساحق من الغالبية العظمى من الروس. بينما يلحق الضرر ايضاً بالعلاقات الامريكية-الروسية. \r\n \r\n من الصعب ان يتصور المرء رئيساً للولايات المتحدة, يرفض فرصة سياسية محلية مثل هذه الفرصة, ومهما كان تأثيرها المتوقع في مصالح بلاده. لكنه بصرف النظر عن بعض التعليقات اللطيفة وغير المباشرة, لم يتطرق بوتين في خطابه الى ذلك بكلمة واحدة. بل ركز, بدلاً من ذلك, على موضوع يعتبر في الواقع اخطر تهديد للامة الروسية, الا وهو التراجع الديمغرافي. \r\n \r\n ولعل رد بوتين الهادىء على تشيني, تمتد جذوره جزئياً في الثقة بقوة روسيا, خاصة عندما يتعلق الامر بنفوذها داخل بلدان الاتحاد السوفييتي السابق. ومن بين الامارات الدالة على بوتين كرجل دولة, هذا الاستعراض للمشاعر الرقيقة لقوة روسيا ومواطن ضعفها الحقيقية, مع بعض الاستثناءات »وخاصة ما يتعلق باوكرانيا, حيث بدا الروس ميالين الى عدم العقلاينة«. \r\n \r\n ولنضرب على ذلك مثلاً واحداً. فقد سحب بوتين, العام الماضي, القواعد العسكرية الروسية الباقية في جورجيا, حيث كانت تمثل استفزازا, ومعرّضة للخطر, بينما ابقى على الوجود العسكري الروسي في المنطقتين الانفصاليتين في »أنجازيا« و »جنوب أوسيشيا« حيث يحظى هذا الوجود بتأثير محلي شامل. \r\n \r\n وفي قضايا حاسمة, مثل الحرب على العراق والبرنامج النووي الايراني, حاول بوتين مقاومة الضغط الامريكي, بينما حافظ على روسيا في موقف واحد مع الصين, ومع اوروبا الغربية حيثما كان ذلك ممكنا, ايضا. \r\n \r\n ذلكم هو فن ادارة شؤون الدولة- قد يكون كلبيا, ولكنه ما يزال هكذا. \r\n \r\n وبالمفارقة, لدى ادارة بوش- تشيني سجل يبالغ الى حد كبير بالقوة الامريكية. ولو حكمنا على ذلك من خطاب تشيني في يلينوس, لوجدنا, ربما, تكرارا للغلطة الكارثية ذاتها, والمتعلقة بسياسة الولاياتالمتحدة ازاء روسيا والاتحاد السوفييتي السابق. \r\n \r\n ذلك انه اذا كان الهدف الرئيس لواشنطن هو القضاء على النفوذ الروسي في هذه المنطقة, واحلال النفوذ الامريكي مكانه, فلا بد من التذكير, بأنه مهما يكن من امر ضعف روسيا على الساحة الدولية, فان لها مصادر قوتها الدفينة الهائلة في ساحاتها الخلفية واذا كان العامل الاهم الذي يقف وراء هجوم تشيني على روسيا هو دورها في نزاع الولاياتالمتحدة مع ايران, فان خطابه في يلنيوس ينطوي على احتمالين: احدهما محبط, والاخر كارثي. \r\n \r\n فالاحتمال الاول يتمثل في ان تشيني وغيره من المسؤولين الامريكيين, يعتقدون جازمين بان بامكان الولاياتالمتحدة الحصول على تأييد لسياساتها من خلال الاساءة الى دول كبرى اخرى وتهديدها. فان كانت الحال كذلك, فانها تعكس ليس فقط اسلوبا لانسان الكهوف (النياندرتالي) في المجال الدبلوماسي, بل اخفاق ايضا في استيعاب الضرر اللاحق بالقوة الامريكية من معضلة العراق, ومن تعاظم القوة والثقة لدى روسيا والصين وبلدان اخرى. \r\n \r\n اما الاحتمال الثاني, فيتمثل في ان تشيني لم يعد مهتما بالتسوية عبر التفاوض مع ايران, اكثر مما كان بعقد صفقة لمنع الحرب على العراق وانه بدفع روسيا الى تسليح ايران انما يأمل بالقضاء على امكانية التوصل الى هكذا حل وسط, وبالتالي يترك امر القيام بعمل عسكري ضدها كخيار امريكي وحيد. فان تكن الحال كذلك, وبناء على التداعيات الكارثية الكامنة فيها لهجوم امريكي على ايران, فعلى العالم كله, وليس الروس وحدهم, ان يكونوا ممنونين لرجل الدولة بوتين في رده, وان يأملوا جميعا بان تستمر هذه السياسة الروسية. \r\n