وإذا كان من الواضح أن \"حماس\" تحاول تزكية شرعيتها، إلا أن للنزاع على حدود إسرائيل الجنوبية بعداً قانونياً أكبر: أي مسألة ما إن كانت إسرائيل \"تحتل\" غزة من وجهة نظر القانون الدولي. والجواب على هذا السؤال مهم جداً لأنه يطال الحقوق القانونية لإسرائيل وسكان غزة معاً، وقد يؤسس لسابقة قانونية للحروب بين \"الدول\" و\"الكيانات\" من غير الدول مثل المنظمات العنيفة. \r\n \r\n ويجادل منتقدو إسرائيل بأن غزة مازالت \"محتلة\"، وذلك على رغم أن القوات الإسرائيلية انسحبت بشكل أحادي من المنطقة في أغسطس 2005. وإذا كان الأمر كذلك، فإن إسرائيل مسؤولة في هذه الحالة عن صحة ورفاهية أهالي غزة، كما أن خياراتها محدودة في ما يخص نوع القوة العسكرية التي تستعملها رداً على هجمات \"حماس\" المتواصلة. ومن ثم فإن ردود إسرائيل غير العسكرية على الأنشطة \"الإرهابية\" التي تتزعمها \"حماس\" -الحد من وصول المواد الغذائية وغيرها من السلع إلى غزة- سيمثل نقضاً لواجباتها باعتبارها قوة احتلال. \r\n \r\n بيد أن إسرائيل ليست قوة محتلة، وفق المعايير القانونية الدولية التقليدية. فعلى رغم أن مثل هذه المعايير لم تتضح إلا بعد فترة من الزمان، إلا أنها جميعها ترجع إلى السؤال التالي: هل تمارس دولةٌ ما سلطةً حكومية فعلية -ولو بحكم الواقع- على الإقليم؟ في 1899 نصت \"اتفاقية لاهاي حول قوانين وأعراف الحرب\" على أنه \"لا تعتبر أراض ما محتلة إلا حين تكون خاضعة لسلطة جيش مُعادٍ؛ ولا ينطبق الاحتلال إلا على الأراضي حيث تقام هذه السلطة...\". \r\n \r\n الجيش الإسرائيلي لا يسيطر على قطاع غزة، تماماً مثلما لا تمارس إسرائيل أي وظائف حكومية فيه، رغم الزعم بأنها مازالت تحتله. \r\n \r\n \r\n وتعد \"اتفاقية لاهاي\" هذه وثيقةً مؤسِّسة لقانون النزاع المسلح كما نعرفه اليوم؛ وقد أُدخل تعريفها للأراضي المحتلة ضمن اتفاقيات جنيف لعام 1949. وهناك ينص الفصل ذو الصلة على أنه \"ينتهي العمل بهذه الاتفاقية، في حالة الأراضي المحتلة، بعد عام واحد على الإنهاء العام للعمليات العسكرية\"، على رغم استمرار توفير بعض أنواع الحماية للسكان \"إلى أن تمارس القوة (المحلية) الوظائف الحكومية في مثل هذه الأراضي\". ذاك هو الأمر الأساسي: ممارسة الوظائف الحكومية. وقد تم الاعتراف بهذه المسألة في محاكمات نورمبرغ الشهيرة -\"محاكمة لائحة ويليام والآخرين\". \r\n \r\n ولأن القوة المحتلة تمارس السيطرة الفعلية على أراضٍ ما، فإن القانون الدولي يقيد التدابير، العسكرية أو الاقتصادية، التي يمكن أن تفرضها هذه القوة على هذه الأراضي، إلى حد يفوق ذاك الذي قد يكون مطبقاً قبل الاحتلال، سواء زمن الحرب أو زمن السلام. \r\n \r\n والواقع أن الجيش الإسرائيلي لا يسيطر على قطاع غزة، تماماً مثلما لا تمارس إسرائيل أي وظائف حكومية فيه، غير أن الزعم بأن إسرائيل مازالت تحتل غزة يوحي بأن على قوة سبق لها أن احتلت أراضي ما أن تتصرف تجاه السكان المحليين كقوة محتلة إلى أن يتم حل كل المشاكل العالقة. والحال أن هذا \"المبدأ\" لا يمكن وصفه سوى بأنه اختراع ذكي وإبداعي، وهو \"مبدأ\" لا سند أو أساس له في القانون الدولي. \r\n \r\n ومن هنا فإن على الولاياتالمتحدة، في رأينا، أن تعارض بشدة تبني مثل هذه القاعدة، ذلك أن من شأن تبنيها أن يوحي بأنه لا يمكن لأي قوة محتلة الانسحاب من تلقاء نفسها بدون أن يعني ذلك واجبات والتزامات قانونية مستمرة وربما دائمة تجاه أراض ما كانت تحتلها. ويكتسي هذا الموضوع أهمية خاصة حين يتعلق الأمر بأراض لا تسيطر عليها دولة قوية وفعالة -مثل الدول الفاشلة أو المناطق المحتقنة حيث لا تستطيع الحكومة \"الشرعية\" فرض سيطرة فعلية. وحتى لو اعترفنا بأن أماكن من هذا القبيل -ولنسمِّها \"الأراضي السيئة\"- كانت نادرة وقليلة في وقت من الأوقات، فقد توالدت كالفطر على مدى الخمس عشرة سنة الماضية، وبخاصة في أجزاء من أفغانستان، والصومال، ومناطق من باكستان. \r\n \r\n أما غزة، فهي استثنائية فقط من حيث إن وضعها القانوني الدولي غير محدد. فقد كانت آخر سيادة حقيقية فيها ل\"الباب العالي\" العثماني، ثم أصبحت جزءاً من الانتداب البريطاني على فلسطين، ومنذ ذلك الوقت خضعت للإدارة المصرية- الإسرائيلية. أما اليوم، فلا توجد دولة تدعي السيادة عليها، وإن كان من المتوقع أن تصبح غزة جزءاً من دولة فلسطينية مستقبلية. ومن جانبها، لا تعترف \"حماس\" بسلطة أكبر، وتعمل كحكومة أمر واقع في غزة. وذاك في الحقيقة مثال كلاسيكي ل\"أرض سيئة\" يسيطر عليها متشددون. \r\n \r\n ولعل الخطير هو الزعم بأن منظمات مثل \"حماس\" ليست سوى منظمة ينبغي التعامل معها كمشكلة أمنية محلية، وذلك على اعتبار أن الأمر يطال المصالح الأميركية بشكل مباشر نظراً لأن قدرة أميركا على استعمال القوة المسلحة الكبيرة ضد \"القاعدة\" وأمثالها من الفاعلين من غير الدول يظل أمراً بالغ الأهمية للدفاع عن سكاننا المدنيين من هجمات. غير أن الجهود الرامية إلى الحد من حقوق الدول في استعمال القوة العسكرية ضد مثل هذه المنظمات لا تفيد، بالمقابل، سوى أسوأ العناصر المارقة في العالم، علاوة على أنها تُعرض السكان المحليين الذين تنشط بينهم للخطر. وهنا، ومثلما في الكثير من المناطق الأخرى، يعد القانون الدولي الذي لا يفرض واجبات المحتل إلا على الدول التي تحتل فعلياً أراضي ما أمراً معقولاً ومنطقياً. \r\n \r\n \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n \r\n