أسطورة غزةالمحتلة! ديفيد ريفكين & لي كيسي تزعم حركة حماس بأن لقاء الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر مع خالد مشعل رئيس مكتبها السياسي يمثل اعترافاً بها "كحركة تحرير وطني" وذلك على الرغم من أن الصواريخ التي تنطلق من قطاع غزة، الذي تحكمه الحركة ك"حكومة" منتخَبة، ما زالت تتساقط بكثافة على سكان إسرائيل. وبينما تتضح محاولات حركة حماس لتعزيز شرعيتها، فإن الصراع الدائر على حدود إسرائيل الجنوبية يمتلك بعداً قانونياً أكبر يكمن في مسألة ما إذا كانت إسرائيل "تحتل" غزة من وجهة نظر القانون الدولي. والجواب على هذا السؤال مهم جداً لأنه يتحكم في الحقوق القانونية لإسرائيل وسكان مدينة غزة معاً، وقد يمثل سابقة قانونية للحروب بين "الدول" و"الكيانات" التي لا تمثل دولة بعينها مثل جماعات المقاومة والحركات الإسلامية المتشددة. ويؤكد منتقدو إسرائيل على أن غزة ما زالت "محتلة"، وذلك على الرغم من أن القوات الإسرائيلية انسحبت بشكل أحادي منها في شهر أغسطس عام 2005. (وتجدر الإشارة إلى أن حماس كانت قد فازت بأغلبية مجلس النواب الفلسطيني عام 2006 وفرضت سيطرتها العسكرية على غزة عام 2007). وإذا كان الأمر كذلك، فإن إسرائيل سوف تكون مسؤولة في هذه الحالة عن صحة ورفاهية أهالي غزة، كما أن خياراتها سوف تكون محدودة بخصوص نوع القوة العسكرية التي تستخدمها رداً على هجمات "حماس" المتواصلة. وعلاوة على ذلك، فإن ردود إسرائيل غير العسكرية على الأنشطة "الإرهابية" التي تقودها "حماس"، والحد من وصول المواد الغذائية وغيرها من السلع إلى غزة، سوف تمثل خرقاً وانتهاكاً لالتزاماتها وواجباتها باعتبارها قوة احتلال. ولكن إسرائيل ليست قوة احتلال، وفقاً للمعايير القانونية الدولية التقليدية. وعلى الرغم من أن مثل هذه المعايير لم تتضح إلا بعد فترة من الزمان، إلا أن جميعها يعود إلى السؤال التالي: هل تمارس دولةٌ ما سلطة حكومية فعلية، ولو بحكم الواقع، على الإقليم؟ والجواب هو: في 1899 نصت "اتفاقية لاهاي بشأن قوانين وأعراف الحرب" على أنه "لا يمكن وصف أي أرض بأنها محتلة إلا عندما تكون خاضعة لسلطة جيش مُعادٍ؛ ولا ينطبق الاحتلال إلا على الأراضي التي تمارس فيها قوات الاحتلال سلطاتها وتكون في موقع يؤهلها لتأكيد مكانتها...". وتعد "اتفاقية لاهاي" وثيقةً مؤسِّسة لقانون الصراع المسلح كما نعرفه اليوم؛ وقد تم إدراج تعريفها للأراضي المحتلة ضمن اتفاقيات جنيف عام 1949. وتنص الفقرة المتعلقة بقانون الصراع المسلح على أن "تطبيق بنود هذه الاتفاقية يتوقف، في حالة الأراضي المحتلة، بعد عام واحد على الانتهاء الكامل للعمليات العسكرية"، مع الاستمرار في توفير بعض أنواع الحماية للسكان "إلى أن تضطلع القوة (المحلية) بأداء المهام الحكومية في هذه الأراضي". وهذا هو الأمر الأساسي ولب الموضوع: أداء المهام الحكومية. وقد تم الاعتراف بهذه المسألة في محاكمات نورمبرج الشهيرة، "محاكمة قائمة ويليام والآخرين". ولأن قوة الاحتلال تمارس السيطرة الفعلية على أراضٍ ما، فإن القانون الدولي يحد من الإجراءات العسكرية أو الاقتصادية، التي يمكن أن تفرضها هذه القوة على الأراضي المحتلة، إلى حد يفوق ما كان مطبقاً قبل الاحتلال، سواء في زمن الحرب أو السلام. والواقع أن الجيش الإسرائيلي لا يسيطر على قطاع غزة، ولا تؤدي إسرائيل أي مهام حكومية فيه، غير أن الزعم بأن إسرائيل ما زالت تحتل غزة يوحي بأنه يتعين على قوة سبق لها أن احتلت أراضي ما أن تتصرف تجاه السكان المحليين كقوة احتلال إلى أن يتم حل كل المشاكل العالقة. وهذا "المبدأ" لا يمكن وصفه سوى بأنه اختراع ذكي ومبتكر، وهو "مبدأ" لا سند أو أساس له في القانون الدولي. ويجب أن تعارض الولاياتالمتحدة بشدة تطبيق مثل هذه القاعدة، لأن تطبيقها سوف يوحي بأنه لا يمكن لأي قوة احتلال الانسحاب من تلقاء نفسها دون تحمل واجبات والتزامات قانونية مستمرة وربما دائمة تجاه الأراضي التي كانت تحتلها. ويحتل هذا الموضوع أهمية خاصة حين يتعلق الأمر بأراض لا تسيطر عليها دولة قوية وفعالة، مثل الدول المارقة أو المناطق المحتقنة حيث لا تستطيع الحكومة "الشرعية" فرض سيطرة فعلية عليها. وحتى لو اعترفنا بأن مثل هذه الأماكن، التي يمكن أن نطلق عليها اسم "الأراضي السيئة" كانت قليلة أو نادرة في وقت من الأوقات، إلا أنها انتشرت بشكل ملحوظ على مدى الخمس عشرة سنة الماضية، وبخاصة في أجزاء من أفغانستان، والصومال، ومناطق من باكستان. وتمثل غزة استثناءً فقط من حيث إن وضعها القانوني الدولي غير محدد. فقد كانت آخر سيادة حقيقية فيها ل"الباب العالي" العثماني، ثم أصبحت جزءاً من الانتداب البريطاني على فلسطين، ومنذ ذلك الوقت خضعت للإدارة المصرية- الإسرائيلية. أما اليوم، فلا توجد دولة تدعي السيادة عليها، وإن كان من المتوقع أن تصبح غزة جزءاً من دولة فلسطينية مستقبلية. ومن جانبها، لا تعترف "حماس" بسلطة أكبر، وتعمل على أنها "حكومة الأمر الواقع في غزة". وهي تقدم مثالاً ممتازاً "للأرض السيئة" التي يسيطر عليها متشددون. والأسوأ من ذلك هو الزعم بأن منظمات مثل "حماس" ليست سوى مجرد عصابات إجرامية ينبغي التعامل معها كمشكلة أمنية محلية، يمثل أحد الأثار الجانبية المحتملة لفرض وضعية "الأرض المحتلة" في غزة وذلك على اعتبار أن هذا الأمر يرتبط بالمصالح الأميركية بشكل مباشر نظراً لأن قدرة أميركا على استخدام القوة المسلحة المفرطة ضد تنظيم "القاعدة" وأمثالها من الجماعات التي لا تمثل توجه دولة بعينها يظل أمراً بالغ الأهمية للدفاع عن سكاننا المدنيين من التعرض لأي هجمات إرهابية. غير أن الجهود الرامية إلى الحد من حقوق الدول لاستخدام القوة العسكرية ضد مثل هذه المنظمات لا يفيد سوى أسوأ العناصر المارقة في العالم، علاوة على أنها تُعرض السكان المحليين الذين تنشط بينهم للخطر. وهنا، ومثلما هو الحال في الكثير من المناطق الأخرى، يعد القانون الدولي التقليدي الذي لا يفرض التزامات على المحتل إلا على الدول التي تحتل فعلياً أراضي دولة ما أمراً معقولاً ومنطقياً. نشر في صحيفة " واشنطن بوست " ونقل من صحيفة " الوطن العمانيه " 13/5/2008