أشار تقرير الاممالمتحدة في شأن هجوم البحرية الإسرائيلية على "أسطول الحرية" الذي ضم السفينة "مافي مرمرة"، والذي كان يحمل مساعدات الى قطاع غزة عام 2010، أن إسرائيل بالغت في تصديها للأسطول، معتبراً ان الحصار البحري الاسرائيلي على غزة يعد "قانونيا" في نظر القانون الدولي. ورحبت اسرائيل بالتقرير الذي ادانته حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة. وقد تولي هذا التقرير رئيس وزراء نيوزيلندا السابق جيفري بالمر ولم ينشر رسمياً بل نشرت مقتطفات منه في صحيفة "نيويورك تايمز". والتساؤل الذي يثور في ذهني كما يثور في أذهان العديد من القانونيين هو هل يعدّ حصار غزة قانونياً، أم أنه حصاراً عدواني ويشكل نوعا من العقوبة الجماعية؟! في البداية لابد ان نتفق أنه وفقا لفقه القانون الدولي هناك حالة احتلال للأراضي الفلسطينية من قبل دولة إسرائيل؛ فالاحتلال والاستيلاء على أراضي الغير بالقوة يخالف المبادئ العامة والقواعد الآمرة الدولية. فالكيان الصهيوني يعد بذلك كيانا غير شرعياً، وإن اعترفت له منظمة الأممالمتحدة بصفة "الدولة"، وبالتالي فإن كافة الإجراءات والقرارات التي تتخذها دولة إسرائيل تعد غير قانونية وباطله لأن ما بني علي باطل فهو باطل. ويمثل الاحتلال الحربي عملاً مادياً مؤقتاً، لا حالةً قانونيةً دائمة؛ ومن ثم فهو لا يرتب أية آثار قانونية؛ إذ هو نتاج استخدام غير مشروع للقوة في تسوية النزاعات الدولية. وهو لا ينقل السيادة إلى الدولة المحتلة، بل تبقى السيادة للدولة الواقعة تحت الاحتلال. أما السلطة الفعلية التي تمارسها دولة الاحتلال يحكمها قواعد القانون الدولي؛ فالاحتلال الحربي يوقف الدولة الواقعة تحت وطأة الاحتلال عن ممارسة سلطاتها السيادية مؤقتاً، وليس علي سبيل الدوام، ولا يحق للدولة التي قامت بالاحتلال تغيير المركز القانوني للأقاليم المحتلة. هذا عن الوضع القانوني لقطاع غزة أما عن حصار هذا القطاع من قبل اسرائيل فلكي نصل إلي كونه قانونيا من عدمه لابد أن نفرق بين الحصار المبرر قانونا وغير المبرر، فالحصار أنواع منه الحصار العسكري للمواقع الحصينة وهو يعني قيام جيش دولة ما بتطويق إقليم دولةٍ أو مدينة أو حصون، لدفعها إلى الاستسلام. ولا يطبق هذا النوع من الحصار ضد قطاعٍ محتلٍّ، وكذلك يتعين ألا يلحق ضرراً بالغاً بالمدنيين، وإنما يهدف إلى إنهاء حالة الحرب بين دولتين، وتخليص الشعب المحاصر من المعاناة. ولا يمكن تصنيف الحصار الاسرائيلي المفروض على قطاع غزة ضمن هذا الحصار، لأنه لا يستهدف تحقيق نصر عسكري مباشر؛ كما أن القيود التي يفرضها المحتل على حركة الأشخاص والبضائع من القطاع وإليه لا تحمل معنى "الهدف العسكري"، حيث أنه يمنع العديد من المعونات والإغاثات الإنسانية التي لا خلاف علي عدم منعها حتي في حالة الاحتلال. وهناك الحصار التكتيكي وهو يشبه في غايته الحصار العسكري، ويُفرض حول إقليم الدولة المعادية بوصفه تكتيكاً عسكرياً لحرمان العدوّ من الإمدادات العسكرية واللوجستية التي تمكنه من مواصلة القتال، وصولاً إلى تحقيق تفوق عسكري على قواته، ودفعها إلى الاستسلام؛ وفي كل مراحل تطبيقه، تستثنى الإمدادات الإنسانية من الحظر، وحصار غزة لا يهدف إلى دفع سكانها إلى الاستسلام أو إلى إعادة احتلال القطاع، كما لا يقتصر على منع وصول إمدادات الأسلحة، فالكيان الصهيوني قلّص نسبة دخول الإمدادات الإنسانية إلى غزة إلى أقل من ثلث الحد الأدنى من احتياجات أهل القطاع، كما نفّذ، على فترات متعاقبة، أكثر من إغلاق كامل، منع في أثنائها دخول أي بضاعة، أو دخول أحد إلى القطاع أو خروجه منه، بما في ذلك الحالات الطبية الحرجة. وأخيرا هناك الحصار الاقتصادي الذي يستلزم صدور قرار به من مجلس الأمن محددا ماهيته بما له من سلطة وفقا للفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة لحفظ الأمن والسلم الدوليين، وأن يُفرض الحصار ضد دولة ذات سيادة. وحصار غزة لم يصدر بموجب قرار عن مجلس الأمن، وإنما صدر عن إرادة منفردة لاسرائيل بشكل مخالف لمبادئ القانون الدولي. وبناء علي ما تقدم فإن حصار قطاع غزة هو حصارا غير قانوني كما أنه يعد من قبيل العقوبة الجماعية المفروضة على سكان قطاع غزة، وهو بذلك يعد جريمة جسيمة تنتهك كل القوانين والأعراف الدولية. وبالتالي فما ورد في تقرير بالمر من كون الحصار البحري الذي تفرضه اسرائيل على قطاع غزة مشروع ويتوافق والقانون الدولي، لا يعد صحيحا خاصة أنه لم يعترف في تقريره بالأثر السلبي لهذا الحصار على وضع حقوق الإنسان في قطاع غزة، كما أن هذا التقرير يمثل انتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي الذي أكد علي عدم شرعية الاحتلال وكل الإجراءات اللاحقه له وفي مقدمتها الحصار، وكذا القانون الجنائي الدولي حيث أصبح هذا الحصار أحد الأفعال المكونة لجريمة العدوان التي تم التوصل لتعريف لها وتحديد لاركانها في المؤتمر الاستعراضي لنظام روما الأساسي الذي انعقد في كمبالا، بأوغندا، في الفترة من 31 مايو 2010 وحتي 11 يونيو 2010. وأؤيد - في هذا الصدد - ما ذهب إليه ريتشارك فولك مبعوث الأممالمتحدة لدراسة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، وأحد الخبراء الذين انتقدوا تقرير بالمر من أن هذا التقرير كان يسعى إلى المصالحة بين إسرائيل وتركيا، وأنه من المؤسف أن السياسة "تدوس القانون" على حد وصفه. الخبير في مجال القانون الجنائي الدولي