\r\n ولكن مسألة التحدث إلى الأشرار لا تكاد تكون بسيطة. وحتى في الوقت الذي كان يستبعد فيه نائب الرئيس الأميركي القوي التواصل مع الأشرار في بيانه في عام 2003، كانت إدارة بوش تغازل وتسعى إلى كثير من أكبر شياطين العالم: التفاوض مع كوريا الشمالية حول برنامج أسلحتها النووية، ومع إيران حول الجهود ضد \" طالبان \" في أفغانستان ومع رجل ليبيا القوي معمر القذافي حول علاقة تاريخية جديدة. ويتناقش حكماء واشنطن الآن حول التفاوض مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أو مع \" حماس \"؛ ويفكر البعض في محاولة المصالحة مع المسلحين الإسلاميين النادمين التائبين في العراق ومقاتلي \" طالبان \" في أفغانستان. وعلى العكس من مبدأ تشيني، تتعامل الولاياتالمتحدة دائما تقريبا مع الشياطين في مرحلة أو أخرى. ليس هناك بديل إذا كان الرئيس يريد أن يختبر حلولا غير عسكرية لأسوأ المشاكل. والمسألة الحقيقية ليست ما إذا كان يتم التحدث إلى الأشرار أم لا - ولكن تحت أي ظروف وشروط، وبأي قدر من الضغط والمصالحة، وبأي درجة من التوقع في أن الأشرار سيوفون بكلمتهم. وعند تحديد كيفية الذهاب للتفاوض مع الشياطين، تصبح هناك تساؤلات أساسية جدا.. \r\n هل من الصحيح الاعتقاد في أن حكومات معينة أو جماعات معينة شريرة؟ بالتأكيد، مالم تكن عضوا في حركات قومية من حركات العالم الثالث أو أستاذا لعلم الدلالة.. وكما تعرف الصور الفاضحة، فأنت تعرف حقا الشر الحقيقي عندما تراه في عالم السياسة - دارفور والبوسنة ورواندا وكمبوديا وعراق صدام حسين و \" القاعدة \" وغير ذلك كثير. وهل من الفعالية تسمية نظام آخر ب\" الشرير \" أو جماعة ب\" الشريرة\" علانيةً؟ \r\n يمكن أن يكون ذلك كذلك. وأحيانا يكون من المفيد الجهر بذلك. وبالطبع لن يحب المتلقي ذلك؛ فالأمر مثل نعت أمه بالعاهرة. ولكن من وقت لآخر، يحتاج الناس المستعبدون إلى سماع أنهم يتم تذكرهم، ويحتاج الأميركيون إلى أن يتم تذكيرهم بما يتجهون إليه ويتحملونه - ومن هنا جاء وصف الرئيس رونالد ريجان الدقيق والقوي للاتحاد السوفيتي ب\" إمبراطورية الشر\". ولكن هل يمكنك أن تتعامل مع أشخاص بعد أن تنعتهم ب\" الأشرار\"؟ \r\n يمكنك فحسب، وذلك يتم طوال الوقت. فقد كان الرئيسان الأميركيان السابقان فرانكلين روزفلت وهاري ترومان يعرفان جيدا خطايا الاتحاد السوفيتي، ولكنهما تعاونا مع جوزيف ستالين الشرير ضد شرير آخر أكبر منه، وهو أدولف هتلر. وكان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون يدرك جيدا أن عشرات الملايين من الناس قُتلوا على يد ماو زيدونج ولكنه حدد أن التعامل مع الزعيم الصيني سيعطيه زخما وثقلا ضد موسكو. وحتى ريجان مزج إدانته للسوفيت بجهد شامل للتفاوض معهم حول اتفاقات التحكم في الأسلحة بعيدة المدى. الرئيس بوش فقط هو الذي خلط وشوش هذا الاتجاه البسيط الفعال ذي الخطوتين نحو الدبلوماسية. في عام 2002، وصم بوش العراق وإيران وكوريا الشمالية ب\" محور الشر\". ولكن على العكس من ريجان، أغلق بوش حقيقةً طريقه الدبلوماسي المستقبلي بجعل تغيير النظام هدفه من هؤلاء الأشرار، ومن ثم قضى على حوافز فاعلي الشر للتفاوض معه. فلماذا يجب أن يتفاوضوا إذا كان هدف بوش هو الإطاحة بهم؟ وهذه السياسة ليس لها معنى وهي بالتأكيد لم تجد نفعا. لقد ذهب بوش حقا إلى الحرب ضد العراق، ولكنه دخل في مفاوضات مباشرة مع بيونج يانج وانتهى به المطاف إلى عقد محادثات على مستوى السفراء مع إيران بشأن الوضع الراهن في العراق. وهذه التراجعات - وليس الأشرار - جعلت بوش يبدو منافقا. \r\n فهل يجب أن نصر على شروط مسبقة للمحادثات، مثل طلب أن يوافق الأشرار مسبقا على التخلي عن كلماتهم وطرقهم الشريرة؟ \r\n يمكنا أن نحاول، ولكن ذلك لن يجدي نفعا. فهم لن يلقوا بأوراقهم قبل أن يتفاوضوا. لقد لعب الرؤساء لعبة القط والفأر مع زعيم منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، وحثوه على الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. وكان يعد دائما بتعديل الميثاق المؤسس للمنظمة لقبول الدولة اليهودية، ولكن في النهاية استقرت كلا من الولاياتالمتحدة وإسرائيل على استعداده للتفاوض بشكل مفتوح مع إسرائيل - وتفادتا مسألة الميثاق. \r\n وبوش بدأ طريقا مماثلا مع إيران. فهو أصر على أن تشجب طهران برنامجها النووي قبل إمكانية أن تبدأ المحادثات. ولكن من الصعب أن تجد أحدا يعتقد أن هذه اللعبة ستنجح. \r\n ومن ثم كيف نجري مفاوضات مع الأشرار؟ هناك طريق واحد فقط: مواصلة الضغط وحجب أي أشياء جذابة حتى يتم أداء المهام المتفق عليها والعمل بجد على تخفيف القلق الرئيسي لدى الأشرار - وهو التمسك بالسلطة. تلك هي المتاجرة والمقايضة السيئة. فالأشرار لن يفعلوا ببساطة أي شئ لتعريض سلطتهم للخطر. \r\n وإذا كانت واشنطن منزعجة بحق من الطموحات النووية - لنقل مثلا- لإيران أو كوريا الشمالية، فنحن يمكن أن نتحدث إلى هذين النظامين عن التخلي عن برامجهما - ولكن ذلك ربما لن ينجح ويجدي في الوقت الذي نطالب فيه أيضا بتغيير النظام. وإذا كان الاستقرار النسبي هو الذي يطمح إليه الأميركيون في العراق وأفغانستان، فعلينا أن نتحدث إلى الأشرار ونعطيهم نصيبا من السلطة. \r\n هل أساءت الولاياتالمتحدة التعامل مع مثل تلك المواقف في الماضي؟ \r\n بالتأكيد.. انظروا فقط إلى الطريقة التي تعامل بها الرئيسان الأميركيان ريجان وجورج بوش الأب مع صدام حسين في ثمانينيات القرن الماضي وأوائل تسعينات القرن الماضي. لقد بالغا في التهديد من إيران تحت قيادة آية الله روح الله الخوميني ورأيا العراق المجاور الثقل المعاكس الوحيد أمام ملالي إيران. ولذا فقد غازلا صدام حسين وأمداه بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية وبعثا له شخصيات زائرة مبتسمة مثل دونالد رامسفيلد. وعلى نحو لا يدعو للدهشة، توصل صدام إلى الاعتقاد بأن واشنطن ستدعه يفعل أي شئ - بما في ذلك استخدام الغاز ضد مواطنيه الأكراد في عام 1988 وغزو الكويت في عام 1990. هل كل شخص في نظام شرير يكون شريرا بنفس القدر؟ لا.. ليس كل الأشرار سيئين بنفس القدر. وعلاوة على ذلك، فإن مصالح الفصائل المختلفة داخل نظام ما تختلف عن بعضها بعضا، ومن الممكن غالبا فرز وانتقاء بعضها عن بعض. لقد فهم البريطانيون استراتيجية فرق تسد، وهي تعمل وتجدي نفعا عادةً. ونحن يجب أن نستكشف هذا النوع من الاتجاهات الآن مع إيران و\" حماس \". ولذا فما الذي يجب أن يتوقعه الأميركيون من التعاملات والصفقات مع الأشرار؟ للأسف، لا شئ كثير عندما يتعلق الأمر بتحسين طبيعة أنظمتهم السيئة الشريرة أو معاملتهم لمواطنيهم. ولكن قادة الولاياتالمتحدة يجب أن يظلوا يثيروا نكبة الضحايا، علانيةً وبشكل خاص على السواء، ويعملوا من أجل التغييرات طويلة المدى. ومن ناحية أخرى، يظهر الأشرار استعدادا لصيغة توافقية أو لحل وسط في المسائل السياسية والأمنية - وهي المجالات التي يجب أن تركز عليها واشنطن. \r\n وحتى عندما يتم إبرام اتفاق أو صفقة، لا تفترضوا أنهم سيحافظون على كلمتهم.. \r\n وهل هذا يعني أننا يجب أن نتحدث إلى كل شرير، بصرف النظر عن مدى شره؟ لا.. هناك اختلاف حاسم بين رجل سيئ ورجل مجنون. وإذا ما تم تخطي هذا الخط، فإنه ليس هناك كثير من المعنى حقيقةً في التفاوض. فمعاداة هتلر المتعصبة للسامية وعدوانه الواضح الصريح كانا خارج نطاق النقاش، وكان من قبيل خداع النفس الاعتقاد بأنه يمكن أن يكون منطقيا عقلانيا مطلقا. ونفس الشئ يمكن أن يُقال عن كلمات وأفعال أسامة بن لادن - وربما كلمات وأفعال أحمدي نجاد وخالد مشعل، زعيم \" حماس \" في المنفى، أيضا. والتعامل مع هؤلاء المتعصبين البغيضين بدون أي توقعات ومؤشرات حقيقية على حدوث تقدم إنما يخدم شرعنتهم وتمكينهم. \r\n ولكن أتباعهم ليسوا وحدة واحدة متناغمة كلياً. إن الأمر يستحق دائما كشف التصدعات والشقوق للناس الذين هم مضللون أومخدوعون أو متعبون أو طامحون طموحا بسيطا عاديا. وحتى الأشرار لديهم مصالح غير تهديد الولاياتالمتحدة. وإذا ما قلناها ببساطة، فإنه إذا كنتم لن تتعاملوا مع الأشرار، لا تدخلوا في عمل السياسة الخارجية. \r\n \r\n ليسلي جيلب \r\n رئيس فخري ل \" مجلس العلاقات الخارجية \" الأميركي، ومؤلف كتاب قادم عن السلطة في القرن الحادي والعشرين \r\n خدمة \" واشنطن بوست \" - خاص ب\" الوطن \"