فقد استندت عملية التصويت داخل اللجنة الأولمبية الدولية الى افتراض أن من شأن منح الصين شرف استضافة الألعاب الصيفية أن يقوي ما تريد البلدان الديمقراطية رؤيته في الصين من بروز لقوى الانفتاح والإصلاح، وأن يعيد تشكيل هذا البلد وفقاً للنموذج الليبرالي الرأسمالي الغربي. وهذا النموذج الذي يتألف من عناصر كثيرة أهمها احترام حقوق الإنسان، والإدارة الحسنة لشؤون الحكم، وتبني سياسات تحقق الازدهار الاقتصادي، هو ما يُعتقد على نطاق واسع (وإن كان ذلك على نحو خاطئ بالقدر نفسه) أن كل المجتمعات الحديثة في طريقها إلى بلوغه. غير أن ذلك غير صحيح إطلاقاً، وياللأسف الشديد! \r\n \r\n والدليل على عدم صحة هذا الأمر هو رد الفعل الصيني إزاء المظاهرات الواسعة والعنيفة التي قام بها التبتيون والأجانب المتعاطفون معهم ضد احتلال الصين لإقليم التبت منذ عام 1959، وضمها له في عام 1965، وقمعها واضطهادها للثقافة التبتية، وما رافق ذلك من عملية نقل كبيرة للصينيين من منطقة \"هان\" إلى التبت بهدف إغراقه بالسكان وقمع المجتمع والهوية التبتيين. \r\n \r\n عصرنة الصين مسألة تنطوي على كثير من الأوهام، وضمنها خداع للذات من الجانب الصيني نتيجةً لسوء فهمٍ متبادل بين الصينيين والغرب. \r\n \r\n \r\n بيد أن السلطات الصينية -والأهم من ذلك الشعب الصيني نفسه- لم تكن تتوقع حدوث شيء مما حدث، حيث تعرضت للإذلال وأُضعفت شرعيتها لأنها أساءت حساب وتقدير سمعة الصين السياسية في العالم. ونتيجة لذلك، فإن الشعب غاضب ومستاء، وأفكاره حول الغرب باتت مقلوبة. وعلاوة على ذلك، فإن مسيرة الشعلة الأولمبية حول العالم قد يتم اختزالها، وتأثيرات كل ذلك على الألعاب الأولمبية نفسها بات من الصعب التنبؤ بها، لكن التأثير الذي قد ينجم عن هذه التطورات على الحكومة الصينية الحالية قد يكون سيئاً جداً. \r\n \r\n ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإن النوع نفسه تماماً من سوء الحساب والتقدير -الثقافي خاصة- حدث في مؤتمر قمة \"حلف شمال الأطلسي\" (الناتو) الذي عقد في العاصمة الرومانية بوخارست الأسبوع الماضي، حيث سعت إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش بقوة إلى إقناع حلفائها بمنح أوكرانيا وجورجيا وعداً بالانضمام إلى الحلف مستقبلاً. غير أن الحلفاء في أوروبا الغربية رفضوا المقترح الأميركي، وهو الرفض الأول من نوعه بخصوص موضوع رئيسي في تاريخ \"الناتو\" منذ إنشائه في عام 1949، وذلك لأسباب مختلفة. \r\n \r\n كانت أسباب الرفض اقتصادية، لكن معظمها كان سياسياً كذلك وذا صلة بعلاقات الاتحاد الأوروبي مع روسيا، ومن هذه الأسباب أيضاً الفكرة القائلة إنه لا \"التفكير الرغائبي\" حول التقدم الديمقراطي للبلد ولا عضوية حلف \"الناتو\" يمكن أن يجعلا أوكرانيا دولةً تنعم بالوحدة والاستقرار والتناغم السياسي، علما بأنه أمر لم يحدث منذ القرن الرابع عشر. ومرد ذلك إلى أن لأوكرانيا بنيةً ديمقراطية حديثة وهشة جداً، فضلاً عن كونها منقسمة داخلياً، حيث ترفض أقليةٌ كبيرة، روسية الثقافة، تنتمي إلى الكنيسة الروسية الأورثوذوكسية وتتحدث اللغة الروسية، فكرة الاندماج في العالم الغربي. \r\n \r\n والحقيقة أن قرار الصين الترشح لاستضافة الألعاب الأولمبية الصيفية عكس أسلوب تفكير مماثل، فقد كانت الحكومة الصينية تعتقد أن من شأن استضافة الألعاب أن يتيح لها فرصة الظهور بمظهر الدولة الحديثة والناضجة سياسياً على النمط الغربي، وهما أمران لا تمتلكهما الصين، ومن المحتمل جداً أن لا تكتسبهما أبداً. \r\n \r\n لا أقول هذا من باب معاداة الصين أو التقليل من شأن حضارتها الكبيرة وإنجازاتها الحالية، وإنما لأنني أعتقد أن ما يسمى بعصرنة الصين وغربنتها مسألة تنطوي على كثير من الأوهام والأفكار المغلوطة، ومن ذلك خداع للذات من الجانب الصيني نتيجةً لسوء فهمٍ عميق ومتبادل من قبل كل من الصينيين والغرب الليبرالي. \r\n \r\n وغني عن البيان القول إن الأفكار والمؤسسات السياسية الصينية لا تقوم على الحقوق. وفي هذا الصدد، قال الأكاديمي الفرنسي \"فرانسوا جيليان\" مؤخراً إنه إذا كان ممكناً إيجاد مفردات مثل الحرية والحقيقة والحقوق في اللغة الصينية، فإن لها معاني مختلفة عن تلك التي تؤديها في العالم الغربي، حيث يعود أصلها إلى الفلسفة اليونانية والمسيحية. ويقول أيضاً إن الصينيين يتحدثون عن الرجل الحكيم باعتباره \"رجلاً جديراً بالثقة والتصديق\" مرتبطاً بالواقع، غير أن ذلك لا يشير إلى أن تفكيره يُعبر بالضرورة عن الحقيقة بالمعنى الغربي. ويقول جيليان: \"إن الصين تفكر وتنظر إلى الأمور من حيث الموقف والعملية، وليس من حيث التطابق والديمومة اللذين يُعدان أساس فكرة الحقيقة عندنا\"، مضيفاً أن الفكر الأخلاقي في الصين يميل إلى التعامل مع التأثير والتنظيم والتكييف بدلاً من الصحيح والخطأ. \r\n \r\n ولعل هذا ما يفسر جزئياً سبب غضب الصينيين جميعهم تقريباً من الاحتجاجات الغربية على احتلالهم لإقليم التبت، ذلك أن خضوع هذا الأخير للصين يبدو بالنسبة لهم أمراً مبَرراً تماماً بالنظر إلى تفوق الصين الطبيعي ودورها القديم باعتبارها الحضارة المهيمنة في منطقة شرق آسيا. والواقع أن القومية الصينية هي من القوة بحيث لا تسمح باحتضان القومية التبتية والتكيف معها، غير أن ذلك لا يعني أن القومية التبتية ستستسلم وتذعن، وذاك مؤشر سيئ بالنسبة للصين! \r\n \r\n \r\n \r\n ويليام فاف \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"تريبيون ميديا سيرفيس\" \r\n \r\n \r\n